دهم مكتب شقيق رياض سلامة وختمه بالشمع الأحمر: عويدات يفتح الملف السويسري لحاكم مصرف لبنان
يوماً بعد آخر، يشتد الخناق حول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. بعدما اشتبهت النيابة العامة السويسرية في اختلاسه، مع شقيقه رجا، أموالاً من مصرف لبنان، قرر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات فتح تحقيق في القضية. القضاء والأمن يضربان طوقاً من السرية حول التفاصيل. لكن، بحسب معلومات «الأخبار»، قرر عويدات، يوم السبت الماضي، خَتم مكتب رجا سلامة بالشمع الأحمر، قبل أن يدهمه المحامي العام المالي القاضي جان طنوس (المكلّف من عويدات بالتحقيق)، بمواكبة قوة من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي يوم الإثنين. وصادر طنوس من مكتب سلامة أجهزة كومبيوتر وهواتف، طالباً من المكتب التقني في «المعلومات» تفريغ محتوياتها. وفيما جرى التداول بمعلومات تفيد بأن رجا سلامة غادر لبنان، نفت مصادر معنية ذلك، مؤكدة أنه لا يزال في بيروت.
لم يسبق أن اقترب التحقيق في لبنان من رياض سلامة إلى هذا الحد. المدعي العام الفدرالي السويسري بعث إلى بيروت قبل أسابيع بمراسلة يصنّف فيها سلامة، وشقيقه رجا، كمشتبه فيهما باختلاس أموال من مصرف لبنان، وتبييضها في سويسرا ودول أخرى. ورأى الادعاء العام السويسري أن معاونة حاكم مصرف لبنان، ماريان الحويك، تقع في مرتبة بين الشاهد والمشتبه فيه. وطلب السويسريون من النيابة العامة في لبنان التعاون في مسألتين؛
الاولى، استدعاء الأخوين سلامة والحويك، وعرض ثلاثة خيارات على كل منهم: الخضوع للاستجواب في لبنان، الخضوع للاستجواب في السفارة السويسرية، الخضوع للاستجواب في سويسرا. الشقيقان سلامة اختارا الخيار الثالث، فيما فضّلت الحويك السفارة السويسرية.
أما المسألة الثانية التي طلبها السويسريون، فتتمحور حول توضيح الهيكلية الإدارية والقانونية لمصرف لبنان ومجلسه المركزي وآلية اتخاذ القرارات فيه وتنفيذها، إضافة إلى النصوص القانونية الناظمة لها.
نفت مصادر معنية أن يكون رجا سلامة قد غادر لبنان
أصل القضية متمحور حول شركة تُدعى «Forry»، كانت تحصل من مصرف لبنان، على مدى 14 عاماً، على مبلغ سنوي يصل إلى نحو 20 مليون دولار (على ما صرّح به سلامة لـ«فايننشال تايمز»)، لقاء خدمات متعلقة بسندات الدين بالعملات الأجنبية. وهذه الشركة، بحسب التحقيق السويسري، «يسيطر عليها» رجا سلامة، ويدير حساباتها المالية. وهي، على ذمة القائمين في التحقيق في بيرن، ليست شركة طبيعية فيها موظفون وهيكلية إدارية ومالية، بل مجرّد «واجهة احتيالية».
وعلمت «الأخبار» أن عويدات راسل الادعاء العام السويسري، طالباً المساعدة عبر تزويده بالمستندات التي بني عليها التقرير الذي وصل إلى بيروت قبل أسابيع. وفيما لم تتضح بعد نتيجة الاتصالات، إلا أن المنتظر أن تلبي النيابة العامة الفدرالية الطلب. كذلك من المتوقع أن يُخضع عويدات جميع أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان، الذين وقّعوا على الاتفاق بين مصرف لبنان وشركة رجا سلامة، للاستجواب، علماً بأن الحاكم اعتاد طرح بنود على جدول أعمال المجلس لمناقشتها، لكنه يؤخّر التوقيع على القرارات أسابيع، يكون بعض الأعضاء قد «نسوا» أثناءها ما اتُّفِق عليه، ثم يسلّمهم نسخاً عن القرارات بعد أشهر. لكن، بحسب ما علمت «الأخبار»، لا وجود لسجلات تُظهر اعتراض أحد من الأعضاء على العقد.
خطوة عويدات في حدّ ذاتها «طبيعية». الاشتباه في حاكم المصرف المركزي، في أي دولة في العالم، يوجب فتح تحقيق في هذه الشبهات في لبنان. كذلك من «الطبيعي» أن يتعاون السويسريون مع التحقيق اللبناني، علماً بأن المعطيات التي حصلت «الأخبار» عليها تكشف أن «بيرن» غير متعاونة كما يجب. لكن يبقى أن الأهم من خطوة عويدات، الاستمرار فيها، واستجواب جميع المشتبه فيهم، وعلى رأسهم رياض سلامة. وهذا المسار – في حال وصوله إلى خواتيمه – يمكنه تغيير الكثير في المشهد المهيمن على القضاء والسلطة النقدية والقطاع المالي منذ عقود. وبطبيعة الحال، ستواجه عصابة المصارف، بسياسييها وقضاتها وأمنييها وإعلامييها، استمرار التحقيق، بذريعة أن «المس برياض سلامة سيخرب البلد». في نظر هؤلاء، «من الطبيعي» أن يستفيد شقيق حاكم مصرف لبنان من أموال يدفعها المصرف له، تفوق قيمتها الإجمالية 330 مليون دولار، ولا يرون في ذلك منفعة غير مشروعة!