بدأ مستخدمو أجهزة الآيفون في جميع أنحاء العالم بتلقي سلسلة من الرسائل غير المألوفة، يوم الإثنين، بعد أن قاموا بتنزيل أحدث تحديث لبرنامج أبل: هل يريدون أن يتم تتبعهم؟
بعد عشرة أشهر من وعد أبل “بتحسين مزايا الخصوصية” لأجهزة الآيفون، وصلت التغييرات أخيرا مع تحديث iOS 14.5، على الرغم من الاحتجاجات الصاخبة من منافسي أبل وشكاوى مكافحة الاحتكار في فرنسا وألمانيا.
في المرة الأولى التي يفتح فيها المستخدمون كل تطبيق بعد التحديث، سيواجهون سؤالا بسيطا: “هل تسمح لـ(اسم التطبيق) بتتبع نشاطك عبر تطبيقات الشركات الأخرى ومواقعها الإلكترونية؟”.
هناك ردان محتملان: “الطلب من التطبيق عدم التتبع” أو “السماح”. سيتم منح شركات تطوير التطبيقات بعض المساحة للدفاع عن قضية التتبع، لكن حين يجد معظم المستخدمين أنفسهم في مواجهة مثل هذا الخيار الصريح، فمن المتوقع أن يقولوا لا.
ما الذي يتم تتبعه بالضبط؟ حتى الآن تمكنت التطبيقات من جمع كل أنواع المعلومات الشخصية عنك، ومشاركتها مع أطراف ثالثة مثل سماسرة البيانات، بما في ذلك موقعك، والتطبيقات الأخرى التي تستخدمها، ومتى سجلت الدخول في التطبيق، ونسخة مشفرة من بريدك الإلكتروني، ورقم هاتفك، ورقم فريد يعرف جهاز الآيفون الخاص بك، المعروف باسم IDFA (المعرف للمعلنين).
وفقا لشركة تطوير التطبيقات، فن كورب Fun Corp، يتم تتبع “مئات التريليونات من أعمال وأحداث المستخدمين” كل يوم. اكتشف كاتب في صحيفة واشنطن بوست أن 5400 متتبع أخذوا بيانات من هاتفه خلال أسبوع واحد. كثير من التطبيقات ترسل البيانات إلى عدة شركاء، بما في ذلك فيسبوك وجوجل.
بينما يتنقل مستخدمو جهاز الآيفون عبر التطبيقات، ويتصفحون الإنترنت، فإنهم يتركون بقايا من البيانات خلفهم في كل مرة، بما في ذلك نسخة من رقم IDFA الخاص بهم، ما يسمح لصناعة الإعلانات عبر الإنترنت ببناء ملف عن سلوكهم، الذي يستخدمه المعلنون لتقديم إعلانات لهم يفترض أنها ذات صلة.
ماذا يحدث عندما أرفض أن يتم تتبعي؟ تريد أبل أن تحصل جميع التطبيقات على موافقة صريحة لهذا السلوك. إذا اختار المستخدمون عدم السماح لها بالتتبع في المرة الأولى التي يتلقون فيها الإشعار، فسيتم منع التطبيق من الوصول إلى رقم IDFA الخاص بهم إلى الأبد. وتتوقع أبل أن التطبيقات لن تشارك بيانات أخرى، بما في ذلك أرقام الهواتف أو البريد الإلكتروني.
هل سأتوقف عن تلقي الإعلانات؟ لا، ستتلقى العدد نفسه من الإعلانات لكنها لن تكون مخصصة. تعتقد صناعة الإعلانات أن صياغة الإشعار الأول لا توضح بشكل كاف قيمة التتبع.
سيستمر المستخدمون في تلقي الإعلانات، لكن من خلال إيقاف تدفق البيانات، ستكون أقل صلة وستكون التطبيقات قادرة على فرض رسوم أقل على المعلنين.
باختصار، أنموذج الأعمال القائم على الإعلانات الذي اعتمد عليه عدد هائل من التطبيقات المجانية يتعرض لضربة قوية.
كيف تشعر الشركات حيال ذلك؟ تبلغ قيمة صناعة الإعلانات الرقمية أكثر من 350 مليار دولار سنويا وكثير من مطوري التطبيقات غاضبون.
فيسبوك، على وجه الخصوص، أنشأت نشاطا تجاريا قيمته 80 مليار دولار سنويا لتحديد سمات مستخدميها وبيع إعلانات مخصصة لهم. نشرت الشركة إعلانات مطبوعة على صفحات كاملة في عدد من الصحف، بما في ذلك فاينانشيال تايمز، لتقول إن التغييرات ستضر بالشركات الصغيرة التي لن تتمكن من الوصول إلى عملائها بالسهولة نفسها.
زعمت كذلك أن شركة أبل تستخدم “مركزها المهيمن في السوق لتفضيل جمع البيانات الخاصة بها، بينما تجعل من المستحيل تقريبا على منافسيها استخدام البيانات نفسها”.
قالت شركة فيسبوك: “يزعمون أن الأمر يتعلق بالخصوصية، لكنه يتعلق بالربح. هذه حيلة لا تنطلي علينا”.
شركات أخرى، بما في ذلك سناب وتويتر وتيك توك، ستتعرض للأذى أيضا. كثير من الشركات التي تعتمد على إعلانات الهاتف المحمول، في كل من الولايات المتحدة والصين، تبحث الآن عن حلول.
في الآونة الأخيرة ألمح مارك زوكربيرج إلى أن التغيير يمكن أن يفيد فيسبوك إذا شجع الشركات على تحويل ميزانياتها بعيدا عن الإعلان والتوجه نحو التجارة المباشرة. تستثمر فيسبوك أخيرا في أدوات للسماح بمزيد من التسوق عبر الإنترنت على منصاتها.
الاستثناء الكبير الذي لا علاقة له بهذا التحول هو شركة جوجل التي قررت أنها ستتوقف ببساطة عن استخدام IDFA تماما، وبالتالي لن تسأل المستخدمين عما إذا كانوا يريدون أن يتم تعقبهم.
عندما يستخدم شخص يملك جهاز آيفون محرك البحث الخاص بجوجل، أو الخرائط، أو كروم، أو جي ميل، أو يوتيوب، يظل بإمكان جوجل استخدام هذه البيانات لإنشاء ملفات شخصية للإعلان، دون أن تكون مثقلة بالتحول في سياسة أبل.
ماذا تستفيد أبل من ذلك؟ لطالما جعلت أبل الخصوصية نقطة تسويق رئيسية لجهاز آيفون، لصقل مكانتها المتميزة في السوق. لكنها ستستفيد بطرق أخرى من التغييرات أيضا. حين لا تتمكن التطبيقات من بيع البيانات التي تجمعها إلى جهات خارجية، سيتعين عليها أن تلجأ إلى تحصيل رسوم من المستهلكين مقابل إيراداتهم. وتتقاضى أبل عمولة تراوح بين 15 في المائة و30 في المائة على جميع مشتريات التطبيقات والاشتراكات من خلال متجر التطبيقات.
في الوقت نفسه، تخطط أبل أيضا لتوسيع نشاطها الإعلاني “المرتكز على الخصوصية”.
لدي هاتف يعمل بنظام أندرويد. هل هذا يؤثر علي؟ في الوقت الحالي، لا. لكن من المرجح أن يحذو نظام تشغيل جوجل حذو أبل بشكل ما. تعمل جوجل على إنشاء إعلانات “الخصوصية أولا” لسطح المكتب. من المحتمل حدوث تغيير مماثل لتطبيقات الأجهزة المحمولة.