غسان ريفي – سفير الشمال
يطير ملف تشكيل الحكومة من بلد الى آخر، ويشكو المعنيون بعملية التأليف بعضهم البعض بتهمة التعطيل.
الرئيس سعد الحريري يشكو الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل الى البابا فرنسيس متهما إياهما بالعرقلة، وباسيل يرد الصاع للحريري في موسكو فيشكوه الى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف داعيا إياه الى الضغط عليه لكي يأخذ الأمور على محمل الجد.
صاحبة المبادرة فرنسا التي ضاقت ذرعا بمستنقع الخلافات اللبنانية، تضع بحسب وزير خارجيتها جان إيف لودريان اللمسات الأخيرة على لائحة العقوبات التي ستطال شخصيات لبنانية تعتبرها “معرقلة للعملية السياسية وضالعة في الفساد” لمنعها أيضا من دخول الأراضي الفرنسية.
في غضون ذلك، يستمر الضغط السعودي على لبنان بقرار منع دخول شحنات الفواكة والخضار الى المملكة وعدم السماح لها بالمرور في أراضيها، حيث وكالعادة ينقسم اللبنانيون حيال هذا القرار، فمنهم من يرى أنه يحق للسعودية إتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية أمنها ومصالحها. ومنهم من يعتبر أن القرار مبالغ فيه خصوصا أن عمليات التهريب تحصل في كل دول العالم، واضعا القضية ضمن الاطار السياسي وبالتالي فإن القرار السعودي هو رسالة بأن لبنان ما يزال خارج إطار الاهتمام والدعم.
في حين يذهب البعض الآخر الى أبعد من ذلك، في ربط القرار بالمقايضة على طاولة المفاوضات السعودية ـ الايرانية التي إنطلقت في بغداد ومن المفترض أن تستأنف بعد شهر رمضان، وذلك على قاعدة: “التهدئة في اليمن مقابل التسوية في لبنان، والتسهيلات الايرانية في اليمن مقابل التسهيلات السعودية في لبنان.”
في غضون ذلك، ومع عودة الرئيس سعد الحريري من أبو ظبي، طار جبران باسيل الى موسكو، حاملا معه سلسلة من الملفات من أهمها:
أولا: الوجود المسيحي في الشرق وفي ذلك دغدغة لمشاعر الروس الذين يعنيهم هذا الأمر، خصوصا بعد أن إستعان باسيل بصديقه وزير الخارجية الهنغاري سيارتو الذي عبر صراحة عن دعمه لرئيس أكبر حزب مسيحي الأمر الذي أعطى باسيل جرعة معنوية متجاوزا أنه حليف للمقاومة وأن صديقه أحد أكبر الداعمين للعدو الاسرائيلي في أوروبا.
ثانيا: قضية النازحين السوريين التي توليها موسكو إهتماما كبيرا، والتي بنظر باسيل تُحرج الحريري الى أبعد الحدود خصوصا أنه سيكون مجبرا على التعاطي مع القيادة السورية بعد الانتخابات الرئاسية السورية التي من المفترض أن تعيد الرئيس بشار الأسد الى سدة الحكم.
ثالثا: ملف ترسيم الحدود الذي دخل في البازار السياسي وفي سوق المقايضة، حيث يعتبر باسيل أنه قدم من خلال عدم توقيع الرئيس عون على تعديل مرسوم 6332 خدمة للولايات المتحدة الأميركية، وأن الفرصة اليوم مؤاتية لاستكمال الصفقة مع الروس خصوصا مع عودة العدو الاسرائيلي الى طاولة المفاوضات التي ستستأنف يوم الأثنين المقبل.
وفي هذا الاطار تشير مصادر مواكبة الى أن المبعوث الأميركي ديفيد هيل الذي كانت زيارته بمثابة مباركة لعدم توقيع عون على تعديل المرسوم، وعد بأن تقوم أميركا بتكليف خبراء دوليين لاجراء المسح اللازم وإعطاء تقرير مفصل حول حق لبنان، فهل سيحضر هؤلاء الخبراء جلسة المفاوضات أم أن كلام هيل تمحوه واقعية الأطماع الاسرائيلية بالمياه اللبنانية بدعم أميركي.
رابعا: ملف تشكيل الحكومة، حيث لعب باسيل دور الضحية، وطالب بـ”حكومة من الاختصاصيين تكون مدعومة من القوى السياسية والبرلمانية الأساسية، دون ان يكون فيها القدرة لأحد على السيطرة عليها وعلى منع هذه الإصلاحات”.
باسيل نفى عن نفسه تهمة التعطيل بالتمسك بالثلث المعطل، ورمى بها على كاهل الحريري الذي لا ينطبق عليه كلام رئيس التيار البرتقالي، كونه هو رئيس الحكومة الذي يعود إليه التحكم بها من تأليفها الى تقديم إستقالتها.
اللافت، أن لافروف لم يحضر المؤتمر الصحافي لباسيل، بالرغم من أنه جاء بعد اللقاء معه، ما يوحي بأن لافروف والقيادة الروسية غير مقتنعة بكل ما يسوقه باسيل من إتهامات.
على خط بكركي، ما يزال الحريري يتريث في زيارتها للقاء البطريرك بشارة الراعي الذي يعمل على تسويق صيغة حكومية من 24 وزيرا، وقد فسر متابعون عدم إنعقاد اللقاء بالرغم من الاعلان عنه في وسائل الاعلام، أن الحريري لم يقبل بالتنازل عن وزارة الداخلية للرئيس عون مقابل حصوله على وزارة العدل، بحسب الصيغة التي يقدمها الراعي، خصوصا أن أي تنازل من هذا النوع سيكون له إنعكاسات سلبية جدا على الحريري في الشارع السني لن يكون قادرا على تحمل تداعياته.
أمام هذا الواقع، تتوالد الأزمات يوما بعد يوم على كل صعيد، ويتجه لبنان أكثر فأكثر الى الدرك الأسفل من الانهيار، فيما تلوح في الأفق معركة جديدة بين المصارف والمودعين على خلفية الكابيتال كونترول الذي من المفترض أن يقره مجلس النواب لاستعادة بعض الودائع المحتجزة.