وليد حسين – المدن
بدأت رابطة أساتذة التعليم الثانوي باستطلاعات رأي، تمهيداً لاتخاذ قرار نهائي في اليومين المقبلين للعودة الحضورية إلى المدارس من عدمها. لكن مهما كانت النتائج سيكون الشهرين المقبلين شبيهين بالأشهر الفائتة كما دلت التجربة: عام دراسي جعلته جائحة كورونا بائساً وغير مجد، وأفشلته الأزمة الاقتصادية والمالية في المقاييس كلها.
تخبط العائلة التربوية
واقع الحال الذي لا يمكن تخطيه يتمثل في أن اللبنانيين أمام معضلة حقيقية كشفت سوء السياسات التربوية المتبعة طوال هذا العام. لم ينجح التعليم الرسمي في إعداد الطلاب للامتحانات الرسمية، فيما نجح جزء من مدارس القطاع الخاص بإعداد طلابه، وتحديداً صفوف الشهادة الثانوية لإجراء الامتحانات الرسمية، باستثناء المدارس الخاصة التي يقال عنها “دكاكين”. وبالتالي ستكون الامتحانات الرسمية لهذه المدارس تحديداً، طالما أن طلاب لبنان الآخرين غير جاهزين.
وتعيش “العائلة التربوية” تخبطاً كبيراً، يصعب التكهن بمدى نجاح وزارة التربية في إجراء الامتحانات في شهر تموز، إلا إذا اقتصرت “عملياً” على بعض المدارس الخاصة، طالما أن باقي المدارس لم تُعلِّم طلابها إلا ما ندر.
أهالي الطلاب في القطاع الخاص يرفضون عودة أبنائهم إلى التعليم الحضوري المقرر بعد عطلة العيد، لأن أولادهم أنهوا برامجهم وباتوا على استعداد لإجراء الامتحانات، فيما معظم طلاب المدارس الرسمية يحتاجون لنحو شهرين حضوريين لإنهاء برامجهم. وتقول رئيس لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاص لما الطويل، إن أغلبية المدارس الخاصة أنهت برامجها ولا داعي للعودة إلا لإجراء التقييم النهائي، وهو ممكن اختصاره بيوم أو يومين ضمن إجراءات وقائية.
وصحيح أن معظم الثانويات الرسمية باتت في المرحلة النهائية لإنهاء برامج صفوف شهادة الثانوي، إلا أن نسبة الطلاب الذين تعلموا عن بعد طوال الأشهر الفائتة، لا تتجاوز العشرين في المئة على أبعد تقدير، كما يقول الأساتذة. ما يستدعي العودة الحضورية التي يرفضها معظم الأساتذة قبل حل ملف اللقاحات.
استبيان الرابطة
وبدأت رابطة الأساتذة باستبيان لمعرفة عدد الأساتذة الذين تلقوا رسائل لأخذ اللقاح. ففي حال كانت الرسائل قد وصلت لنحو 95 في المئة منهم وتمنعوا هم عن أخذ مواعيد لتلقي اللقاح، فسيتحملون هم مسؤولية العودة الحضورية، وعليهم اتخاذ الإجراءات الوقائية لتقطيع هذه المرحلة وإجراء الامتحانات الرسمية. وأي قرار ستتخذه الرابطة سيكون “مراً”، لكن لا بد منه، كما تقول مصادر الرابطة لـ”المدن”.
في المقابل ترى الهيئات النقابية المعارضة أن هذا الاستبيان فاشل، لأن اتخاذ القرارات في الرابطة يجب أن يتم على مستوى الجمعيات العمومية التي عطلتها الرابطة منذ ثلاث سنوات. كما أنه بمثابة حجة لاتخاذ قرار العودة بعد عطلة الأعياد. فوزارة التربية ورابطة الأساتذة تعلمان أن نسبة الأساتذة الذين تلقوا اللقاح لا تتجاوز 17 في المئة. فما الفائدة من هذا الاستبيان، سوى منح قرار العودة “شرعية” مفقودة أساساً، ولن تقدم أو تؤخر؟
ويعتقد القيادي في التيار النقابي المستقل جورج سعادة أن هذا الاستبيان قانوني شكلاً، لكن مضمونه يشبه كل الاستبيانات السابقة، أي فاقد المصداقية، لأن الرابطة لا تحترم رأي الأساتذة. ففي السابق أجرت استبياناً حول استمرار الإضراب المفتوح، لكنها لم تلزم به رغم أن 60 بالمئة من الأساتذة طالبت بالاستمرار بالإضراب.
ويقول سعادة إن الرابطة لا تحترم رأي الأساتذة ولا الجمعيات العمومية، بل تزوِّر قراراتها. والأساتذة لا يعيرون استبياناتها أي اهتمام. والواقع الحالي هو أن الأساتذة عبروا عن رأيهم في الثانويات كلها بأنهم يرفضون العودة حالياً قبل تأمين الظروف الصحية الآمنة.
جريمة موصوفة
وشرح سعادة أن أحزاب الرابطة منقسمة حول العودة في الوقت الحالي. البعض يضغط للعودة في الرابع من أيار، والبعض الآخر محرج أمام الأساتذة بسبب عدم توفر العودة الآمنة والظروف الاقتصادية.
لكن في الأثناء بدأ المدراء بإرسال تهديدات للأساتذة للعودة بعد الأعياد. وستترك الرابطة الأمور فالتة، وفق ما يقرره كل مدير من دون اتخاذ أي قرار بهذا الشأن. وحينها نكون أمام عودة إرغامية متدرجة إلى الصفوف. والهدف يكون تقطيع الامتحانات الرسمية التي يستفيد منها القطاع الخاص، وتحديداً بعض المدارس التي باتت جاهزة له. وهذه جريمة موصوفة في لبنان، يجب أن يحاسب عليها القيمون على الملف التربوي.
عودة فاشلة
النقابي حسن مظلوم اعتبر أن الرابطة تخالف النظام الداخلي منذ ثلاث سنوات، ولا يمكن اتخاذ قرار من دون العودة للجمعيات العمومية ومجلس المندوبين. وبالتالي القرار الذي سيصدر بناء على هذا الاستبيان فاشل، فضلاً عن أنه لا يعطي صورة عن الواقع، سواء لناحية مقاطعة جزء كبير من الأساتذة تعبئته، أو بسبب عدم خبرة كثرة من الأساتذة في ملء هكذا استبيانات.
وأضاف أن العملية التربوية في مأزق كبير تحول دون عودة ناجحة حالياً: القطاع الخاص يرفض العودة الحضورية، والأساتذة في القطاع الرسمي يرفضون العودة قبل تلقي اللقاح وإيجاد حل، ولو جزئي لأوضاعهم المالية والاقتصادية. ما يعني أن العودة ستكون إرغامية ولن يلتزم بها كل الأساتذة.
بدوره رأى منسق لجان الأقضية أكرم باقر أنه لا يمكن اتخاذ قرار العودة استناداً إلى هذا الاستبيان القائم على سؤال الأستاذ إذا كان تلقى اللقاح من عدمه. فطموح الرابطة هو تحديد نسبة الأساتذة الذين تلقوا اللقاح للقول إن العودة باتت آمنة. لكنهم يعلمون أن نسبة ضئيلة تلقت اللقاح. ولمسنا من الأساتذة أن نسبة قليلة استجابت وملأت الاستبيان، لأنهم يشعرون أن الرابطة لا تريد أخذ رأيهم بالعودة. فهي لم تسألهم رأيهم حول كل الجوانب والأسباب التي تدفعهم لعدم العودة.
الوزير يشرح خطته
حيال هذا التخبط الذي تعيشه العائلة التربوية، أكدت مصادر وزير التربية أنه يسعى إلى عدم إلحاق أي ضرر صحي بأي أستاذ أو طالب. وهو يصر أن تكون العودة آمنة للجميع والاستفادة من هذه المدة القصيرة من العام الدراسي لاستكمال البرامج.
ولفتت المصادر إلى أن الوزير سيحصر اجتماع لجنة التربية النيابية يوم الثلاثاء المقبل للاستفسار منه عن خطته والاستعدادات للعودة الآمنة وتصوره للمرحلة. وعن إمكانية تأجيل الامتحانات شهراً إضافياً، خصوصاً أن الأساتذة في حال تلقوا اللقاح بعد الأعياد يحتاجون لنحو شهر لتشكيل مناعة ضد كورونا، أكدت المصادر أن الأمر يتعلق بالوضع الصحي. ففي حال كان الوضع الصحي يستدعي التأجيل، سيتم البحث في ذلك. لكن الأساس اليوم هو إجراء الامتحانات، وخصوصاً لشهادة الثانوي.