سلوى بعلبكي – النهار
بعد نحو عامين من التدهور المالي والمصرفي، خرج مشروع قانون الكابيتال كونترول بمسودة “غير نهائية” أعدتها اللجنة الفرعية المصغرة المنبثقة عن لجنة المال والموازنة إلى العلن بعدما تم تسريبه إلى الإعلام، على الرغم من الاتفاق بين المشاركين في هذه اللجنة على إبقاء سرية المداولات. مسودة المشروع أخذت حيزاً كبيراً من الاهتمام بين المصرفيين والسياسيين وخبراء الاقتصاد والمال، خصوصاً أن المصارف لم تكن راضية تماماً عن المشروع، بدليل ما جاء على لسان الأمين العام للجمعية الدكتور مكرم صادر في أنه “إذا كان التوقف عن دفع اليوروبوند قد أدى إلى خسارة جزء من الودائع، فإن هذا الاقتراح إذا ما أُقرّ سيؤدي إلى تدمير الودائع في شكل كامل”. إذاً، حتى الآن لا يزال المشروع قيد الأخذ والرد، ويبدو أن المصارف تقف عند مسألة السقوف التي قد تحدد للتحويلات يجب أن تأتي دولاراتها من مصرف لبنان وذلك عن طريق خفض الأخير لنسبة الاحتياطي الإلزامي للمصارف من 15% إلى 5% كما هو معمول به في الكثير من المصارف المركزية في العالم، بما يعني تحرير نحو 15 مليار دولار من الاحتياطي الحالي لتوزعها المصارف على المودعين كل وفق وديعته. كما أن المصارف لا تزال على موقفها الرافض المس بأموالها لدى المصارف المراسلة لتسديد سقوف الكابيتال كونترول، معللة رفضها بـ”أن الفارق بين موجوداتها الخارجية والتزاماتها الخارجية سلبي ويقارب 1.7 مليار دولار، كما أن نسبة الـ 3% التي تسعى إلى تكوينها لدى المصارف المراسلة محكومة بمجموعة قواعد تحصر استعمالها بتنمية الاقتصاد الوطني، ويقابلها موجب الحفاظ عليها لإعادتها إلى أصحابها”.
والمعلوم ان إقرار “الكابيتال كونترول” سيلزم المصارف بحظر التحاويل إلى الخارج من الحسابات المصرفية، بما فيها تلك العائدة للمصارف وعملائها كما للمؤسسات المالية كافة. وسيشمل الحظر أيضاً حسابات الودائع الائتمانية الموظفة في لبنان. والأهم أن تطبيق القانون سيحسم الجدل في النزاعات القائمة بين المصارف وعملائها، خصوصاً حيال استنسابية التحاويل وهوية المستفيدين منها.
وفق المعلومات فإنه إذا سارت الأمور من دون أي معوقات وفي حال وافق صندوق النقد الدولي على صيغة مشروع قانون الـ”الكابيتال كونترول”، فإن المشروع لن يرى النور قبل حزيران المقبل… ولكن “أن تأتي متأخراً أفضل من لا تأتي”، مع أنه كان الأولى القيام بهذا الأمر عند بدايات الأزمة وما رافقها من حديث عن تهريب الأموال إلى الخارج، إلا أن فوائده إن أقر قريباً ستقتصر على إنهاء الاستنسابية في التعامل مع المودعين.
يستغرب الكاتب والباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية ايمن عمر في عدم تطرق المشروع لا من قريب ولا من بعيد إلى حركة نقل الأموال عقب بدء الأزمة، والتي “نستطيع إطلاق صفة المهربة عليها رغم قانونيتها. فالـ”كابيتال كونترول” الإصلاحي الحقيقي وفق ما يقول عمر “يجب أن يبدأ من تناول موضوع هذه الأموال لإعادتها وهي تغنينا بجزء منها عن أي أموال من دول أو منظمات دولية”. مع الإشارة إلى أن مشروع قانون الـ”كابيتال كونترول” يستثني الـ Fresh money التي حولت من حسابات مصرفية خارج لبنان إلى حسابات عائدة لعملاء المصارف، أو التي أودعت أوراقاً نقدية في هذه الحسابات، شرط أن تكون قد تمت وفق مفهوم الـ Fresh money والشروط التي حددها مصرف لبنان. كما استثنى المشروع أموال المؤسسات المالية الدوليّة والسفارات الأجنبية والمنظمات الدولية والإقليميّة والعربية. فضلاً عن الأموال المخصصة لتسديد نفقات التعليم، وإيفاء أقساط القروض الشخصية السكنية الناشئة في الخارج، وتسديد ضرائب أو رسوم أو التزامات مالية متوجبة لسلطات رسمية أجنبية، وتسديد نفقات في الخارج عائدة لاشتراكات وتطبيقات على الإنترنت.
الأسباب الموجبة للمشروع ركزت على حماية المودعين كهدف أساسي للقانون، ولكن هل عدم قدرة المودعين على الحصول على ودائعهم بالدولار وتقييد سحوباتهم وحقوقهم حتى بالليرة كما تنص مواد القانون – مخالفين بذلك الدستور- هو حماية للمودعين أو حماية للمصارف وأصحابها من الإفلاس والانهيار؟ يسأل عمر.
بحسب الفقرة 4 من المادة الأولى من المشروع والتي نصت على أنه يجوز لأصحاب الودائع بالعملة الأجنبية أن يؤمّن لها سحوبات نقدية شهرية بالعملة الأجنبية ضمن شروط معينة واستعمالها في الاستثناءات المرتبطة بالدولار الطلابي والاستشفاء في الخارج والتأمين والضرائب وغيرها، واللافت بحسب عمر هو “استعمال فعل يجوز وهو فعل لا يحمل الحسم والبتّ بل كلمة فضفاضة تحمل المنع في الوقت عينه، ما قد يتيح للمصارف عدم تأمين سحوبات بالعملات الأجنبية تحت ذرائع عدة، معتمدة على نصّ القانون (يجوز)”.
ولكن أخطر ما في مشروع القانون كما يلاحظ عمر هو “كف يد القضاء في هذه المسألة، إذ إنه بحسب المادة الثامنة منه تعود لمصرف لبنان مراقبة حسن تنفيذ أحكام هذا القانون، وبحسب المادة الخامسة يخضع المخلّون ببند التحويلات إلى الخارج لهيئة مصرفية عليا في مصرف لبنان ولا سلطة للقضاء بذلك”.
ويرى عمر أن المادة السادسة من المشروع والتي تنص على إلغاء كل نص يتعارض مع أحكام هذا القانون، قد تتيح إبطال الأحكام القضائية الصادرة سابقاً في هذه القضايا لأن الجهة المخوّلة ذلك هي مصرف لبنان بحسب هذا القانون. وينطبق الأمر على النزاعات الحالية في المحاكم بحسب المادة 7 منه.