السبت, نوفمبر 23
Banner

البطاقة التمويلية في وجه تدهور الليرة… متى يتوقف مصرف لبنان عن الدعم؟

كميل بو روفايل – النهار

تحرّكت حكومة الرئيس حسان دياب، في فترة تصريف أعمالها، باتجاه تعديل سياسة الدعم التي وسِّعت على إثر انهيار الاقتصاد اللبناني.

واللافت في المسودة التي نشرتها “النهار” أنّ خطاب الحكومة لا يزال عند المنعطف الأوّل، وهو البحث في أساس المشكلة عبر الرجوع إلى دفاتر الأعوام السابقة من 1994 و2001، وغيرها من الأحداث، لكنها لم تشِر إلى أي ارتكاب منذ تسلّمها زمام الأمور، سوى أنّ حاكم المركزي وضعها أمام الأمر الواقع في أنّ أيار هو آخر شهر دعم، لتقرّر أنّ تحافظ على الشعب من ويلات مرحلة رفع الدعم، ببطاقة تمويلية بالدولار تؤمن له أساسيات العيش.

يقول النائب ياسين جابر لـ”النهار” إنّ البطاقة التمويلية أساسية لتفادي مشاهد الجوع على طرق لبنان. ومن جهته اعتبر الباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين أنّ البطاقة التمويلية لن تكون مشروعاً ناجحاً. أمام هذه المعادلات، متى يعجز مصرف لبنان عن دعم السلع بشكل نهائي؟ وما انعكاسات الاستمرار باستنفاد الاحتياطي الإلزامي؟

بطاقة تمويلية من أموال المودعين: هل سيحصل المودع على دولاراته؟

تحاول اللجنة، التي ضمت الرئيس دياب وعدداً من الوزراء، رسم سياسة المرحلة المقبلة، معتبرة أنّ مبلغاً شهرياً بالدولار، يختلف حسب عدد افراد الأسرة، معدّله 137 دولاراً شهرياً لكل أسرة من أربعة أفراد، سيكفيها لسد حاجتها من الموادّ الأساسية.

وشدد النائب جابر على أنّه “من حق المودع اللبناني الحصول على دولارات من حسابه، لذلك يتم الإعداد لقانون الكابيتال كونترول على هذا الأساس وهنا خياران:

الأوّل إعطاء مبلغ معين للمودع شهرياً على أساس سعر 10 آلاف ليرة لبنانية.

أمّا الثاني فيدور حول تمكين المودع من الحصول على دولاراته، بمبلغ معيّن شهرياً”.

ليكون الخيار الثاني بحسب جابر ضمن سياق خطة الأمان الاجتماعي، ويتمكن المودع من الحصول بدوره على دولارات الدعم التي تستخدمها الحكومة من الاحتياطي الذي كوّنه مصرف لبنان من أمواله.

لتحقيق هذه الخطة بعيداً من الزبائنية السياسية، أكّد جابر أنّه سيقترح العمل على 3 خطوط؛ الأوّل هو خط القطاع العام والأمن، وكل المعلومات المالية والشخصية لأفراد القطاع متوافرة.

أمّا الخط الثاني وهو خط القطاع الخاص، ومعلومات أفراده لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. الخط الثالث هو البرنامج الوطني لاستهداف الأسر الأكثر فقراً، ويمكن التعاون مع منظمة الأغذية لتوسعته أكثر.

سياسة ريعية تخرج المزيد من الورقة الخضراء

يستمر لبنان الرسمي في انتهاج سياساته الريعية، وإذا كانت الحكومة قد أشارت في المسودة المسربة إلى أنّ سبب عدم تطبيق “الإصلاحات” يعود إلى المشاكل الداخلية، فإنّ ساعة حسم الخيارات قد حانت ليكون الحلّ الموقت استمرارية لنهج أوصلنا إلى القعر.

وأشار ناصر الدين في حديثه لـ”النهار” إلى أنّ “مشكلة الاقتصاد الريعي هي في إخراج مليار ونصف المليار دولار سنوياً لاستيراد المواد الغذائية، في حين أنه لو دعمنا المصانع الموجودة والقطاع الصناعي بشكل عام بـ290 مليون دولار لشراء المواد الأولية من الخارج، لكنا تمكنّا من إنتاج مواد غذائية بمليار و200 مليون دولار أميركي في لبنان”.

وتقوم هذه السياسات بإهدار الدولارات وإخراجها إلى الخارج، والبطاقة التمويلية هي لشراء مواد مستوردة. لا يمكن لدولة أن تحترف صناعة كل شيء، ووصف المراقبون السنوات الماضية بأنها سنوات تدمير القطاعات الإنتاجية التي تدخل العملة الصعبة إلى الداخل بعد التصدير. وكانت آخر الفصول إهمال التشدد الأمني على المرفأ عبر تأمين “السكانر” لضبط التهريب، الأمر الذي عرّض سمعة لبنان إلى مزيد من الاهتزاز، وإلى وقف المملكة العربية السعودية استيراد المنتجات الزراعية من لبنان، فضلاً عن سياسات عكسية مثل منع التصدير لفترات معينة لضبط أسعار السوق وغيرهما الكثير.

المفاتيح الثلاثة: صناعة، دولارات مودعين، وتحويلات

شدد ناصر الدين على أنّ دعم القطاع الصناعي من شأنه تحفيز التصدير، وإدخال العملة الصعبة، وأضاف أنّ “تحويلات المغتربين التي قدّرت سابقاً بـ7 مليارات دولار، من شأنها أيضاً مدّ السوق بالعرض اللازم من الدولار، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تحرير جزء من أموال المودعين”.

يترتب على الحكومة تحمل المسؤولية، وتوجيه دولارات الدعم في الاتجاه المناسب. ويُجمع كل من جابر وناصر الدين على أنّ اعطاء المودعين بعض دولاراتهم هو الحل الأنسب، لأنّ مليون و700 ألف حساب مصرفي، هي ما بين 3000 دولار و500 ألف دولار، لو حصل أصحابها على مبالغ شهرية معينة منها نقداً بالعملة الصعبة، من شأنه تجنيبهم آثار الـ”هيركات المقنع”، وكذلك مدّهم بالدولارات اللازمة من حساباتهم للمحافطة على معيشتهم.

متى يتوقف المركزي عن الدعم؟

أمّا بالنسبة إلى ضرورة احتفاظ المركزي بالاحتياطي الإلزامي 15 في المئة، فشرح ناصر الدين أنّ “هذا تعميم وليس قانوناً ويمكن تعديله، ودول عدّة خفضت الاحتياطي خلال كورونا، وأنه عام 2000 كان لدى المركزي 800 مليون دولار ولم يتوقف عن الدعم”.

لكن وضع سنة الـ2000 مختلف عن وضعنا اليوم، لأن المؤتمرات الدولية تبدو بعيدة، ولضخ الدولارات في السوق اللبنانية، يقول ناصر الدين أنّ “دعم الصناعة اللبنانية والتصدير هو الحل الأوّل، والخطوة الثانية هي الاستفادة من تحويلات المغتربين إلى ذويهم في الداخل، أمّا الحل الثالث فهو عبر اعطاء المودعين بعض أموالهم بالدولار”.

وأشار إلى موجودات لبنان من الذهب التي تقدّر بـ18 ملياراً، وما تبقى من احتياطي إلزامي.

اتباع هذه الخطوات يؤدي، بحسب ناصر الدين، إلى تراجع سعر الصرف في السوق السوداء بعد رفع عرض الدولار، وخفض الطلب عليه إثر تعويم السوق بالمنتجات اللبنانية. وتالياً خفض سعر الدولار سيغني اللبناني عن الحاجة إلى بطاقة تمويلية وعن العوز.

عجزت الحكومة عن وقف التهريب، واستُنفدت دولارات المودع اللبناني في دعم سلع يستفيد منها من يحصل على تقديمات جهات دولية مانحة، وخرجت شاحنات المواد المدعومة عبر المعابر، لتحرم منها العائلات اللبنانية، في حين قفز سعر صرف الدولار في السوق السوداء ودحرج معه القدرة الشرائية، من هنا ضرورة تشكيل حكومة مهمة على شاكلة تلك التي أتت في سياق المبادرة الفرنسية، حتى لا تستفيض طيلة ولايتها بسرد الوقائع الماضية، وتضع أمامها هدفاً واحداً وأساسياً، وهو حماية المواطن اللبناني من العوز عبر التخلص من السياسات الريعية التي تستغلها مافيات لإنتاج الأرباح غير الشرعية على حساب لقمة عيش المواطن.

Leave A Reply