أنفاس اللبنانيين محبوسة لما ستؤول اليه الأوضاع نهاية الشهر الجاري. كأس الأيام الأشدّ مرارة يبدو أن تجرّعها دنا في ظلّ عناد رئيس الحكومة المستقيل حسّان دياب على عدم رفع الدعم مهما كان الثمن، قبل إطلاق العنان للبطاقة التمويلية التي لم يجد تمويلاً لها، ولو كان ذلك على حساب الإحتياطي الإلزامي وجنى عمر الناس.
أما حاكم “المركزي” رياض سلامة، فحسم أمره وأبلغ أنه سيتوقف عن الدعم نهاية الشهر الجاري ولن يستخدم الإحتياطي الإلزامي، وهنا كأس مرة أخرى سيتذوقها اللبنانيون بسبب عدم وجود خطة بديلة لمعالجة تداعيات رفع الدعم على الأسر الفقيرة. فالحاكم تحوّط للتداعيات القانونية الممكن أن تنجم عن المسّ بـ”الإلزامي”، حتى ان نقيب المحامين اللبنانيين ملحم خلف وجه كتاباً الى المجلس المركزي في مصرف لبنان يحذّره فيه من استخدام أموال الناس.
وسط هذا الكباش الدائر والإنفجار المحتّم، هل يلزم رئيس الحكومة في حال طلب استخدام الإحتياطي الإلزامي عن طريق كتاب رسمي، حاكم “المركزي” بتبديد تلك الأموال؟
يقول رئيس مؤسسة JUSTICIA المحامي د. بول مرقص لـ”نداء الوطن” إنه “لا يمكن الزام مصرف لبنان بالمس بالإحتياطي الإلزامي، لأنه مال خاص مودع أمانة لدى “المركزي” ومخصص لغاية معينة على سبيل الضمانة بموجب تعميم رقابي وذلك تحت طائلة المسؤولية الجزائية”. ويضيف: “لا يغيّر من عدم جواز استعمال الاحتياطي، اي كتاب يوجه الى مصرف لبنان من الحكومة او رئيسها، حتى ان إصدار المجلس النيابي قانوناً بهذا المعنى يعتبر غير دستوري”.
ولفت مرقص الى تدبير مهمّ لم يطرح في العلن وهو “إمكان الحجز بواسطة القضاء على هذه الاحتياطيات ان اقتضى الامر حماية لها من تبديدها من الحكومة”.
حتى الآن الصورة لا تزال ضبابية في ظلّ تعنّت الفريقين، وأكّدت مصادر مطّلعة لـ”نداء الوطن” أن “الرؤية لن تنقشع قبل منتصف الأسبوع المقبل، ولحينه تتوسّع رقعة الفوضى”، اذ يتمّ التداول تارة برفع الدعم عن اللحوم وطوراً عن الدواجن. علماً أنه واستناداً الى المصادر أقدمت “شركات تجارية عدة على سحب الطلبات المقدّمة الى وزارة الإقتصاد للحصول على الدعم للاستيراد من الخارج، كونها ستلقى الرفض من المصارف التجارية كما أُبلغت، قبل متابعة الطلب “مسيرته” نحو البنك المركزي”.
فبات من المعلوم إذاً ان السلع الغذائية لن تتأثّر بقرار رفع الدعم لأن منتوجات كثيرة مدعومة لم تكن في متناول غالبية اللبنانيين. ولكن الطامة الكبرى ستكون عند رفع الدعم عن أسعار المحروقات التي لن تنحصر في سعر صفيحة البنزين او المازوت فحسب، بل ستطاول نتيجة لذلك كلفة صناعة المواد الغذائية بسبب ارتفاع سعر المازوت، وحتى كلفة تصنيع رغيف الخبز، هذا عدا عن النقل وهنا حدّث بلا حرج.
من هنا يبدو أن لا حلّ سوى بالترشيد أقله للمحروقات لتأتي الكلفة أقلّ، وأعرب الخبير الإقتصادي لويس حبيقة عبر “نداء الوطن” عن شكوكه برفع الدعم نهائياً خصوصاً مع وجود الإحتياطي الإلزامي المرفوض المسّ به، “ولكن بين الصرف منه وفلتان الأسعار سيكون الخيار للأسف استخدام الأموال المتبقية”.
وأكّد أنه “لن يستغرق نفاد الـ15 مليار دولار الوقت الكثير وسنصبح بعدها على الأرض”، وعندها هل تتجّه الأنظار نحو احتياطي الذهب؟ يؤكّد حبيقة ان “المسّ بالذهب لن يكون بالأمر السهل من دون صدور قوانين تتيح ذلك، علماً أن مجلس النواب يمكنه تعديل القوانين والسماح باستخدام ربع أو نصف الذهب”. وبرأيه، قد يكون الخيار الأقل سوءاً استخدام القليل من الإحتياطي الإلزامي مع ترشيد الدعم لأنه وفق سياسة الدعم المتّبعة حالياً نحن متّجهون نحو الخراب.