غسان ريفي – سفير الشمال
لم يكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يُدرك أن مهمته في لبنان ستكون بهذه الصعوبة، وأن ″الأم الحنون″ لن تستطيع إنقاذ ″الابن المدلل″ لبنان الذي قامت بتأسيسه وإحتضانه وإنتدابه ورعايته ومساعدته على مدار مئة عام، بفعل حفنة من القيادات السياسية تنقاد الى شهوة السلطة، ولا ترى ترى من هذا الكيان سوى تحقيق مصالحها وتأمين مكاسبها.
عندما زار ماكرون لبنان بعد يومين من إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب، كان يعتقد أن بلاده لديها ما يكفي من “المَوْنة” على طرفيّ النزاع الحكومي رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس سعد الحريري، خصوصا بعدما إحتضنت الأول في منفى فرنسي آمن لمدة 15 عاما، وأنقذت الثاني من العقاب السعودي، وأن لديها خاطرا عند سائر الأطراف نظرا للعلاقات التاريخية المميزة مع الجميع بمن فيهم حزب الله الذي حرص ماكرون على مسايرته وتحييد الملفات التي تزعجه عن طاولة النقاش.
لكن بعد تسعة أشهر من “الكورونا السياسية” التي قطعت “الأنفاس” عن المبادرة الفرنسية ما أدى الى وفاتها ودفنها، أدركت فرنسا أنها “خيرا تعمل شرا تلقى”، خصوصا بعد الجحود الذي تعاطى به عون معها برفض توقيع مرسوم الحكومة التي قدمها الرئيس المكلف وفقا لبنود المبادرة لعدم حصول تياره السياسي على الثلث المعطل، والذي مارسه الحريري أيضا برفضه لقاء جبران باسيل في الأليزيه برعاية ماكرون الذي أيقن أن زعيم المستقبل يتعاطى في الأزمة الحكومية من منطلق شخصي وهو أمر لا تقبله فرنسا أمام “قدسية” مهمتها في إنقاذ شعب لبنان الذي يعني للمجتمع الفرنسي الشيء الكثير، وكان يسعى ماكرون الى مصالحة شعبه بتقديم هدية الانقاذ اللبناني إليه، لكنه أخفق في تحقيق ما يصبو إليه.
هذا الواقع يشير الى أن لبنان ساهم في إهتزاز صورة فرنسا التي أربكت بشكل كبير، وقد ترجم ذلك بزيارة وزير خارجيتها جان إيف لودريان التي لم يفهم كثيرون مضامينها وأهدافها، خصوصا أنه لم يبحث مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري في الشأن الحكومي، بل ردد على مسامعهما بأن فرنسا تنتظر الالتزام بالتعهدات التي قطعها المسؤولون اللبنانيون للرئيس ماكرون، فيما شمل لودريان الحريري مع جوقة المعطلين الأمر الذي أزعج الرئيس المكلف الذي حضر الى قصر الصنوبر على غير إقتناع، لكنه لبى الدعوة عله يُصلح ما كان أفسده برفضه لقاء باسيل، لكن يبدو أن الغضب الفرنسي عليه كان أكبر.
واللافت أن لودريان حاول تأليب القوى التغييرية والمعارضة على السلطة محاولا شد أزرها وتوحيدها، ما أوحى بأن فرنسا بدلت خطتها من إعادة إحياء القوى السياسية بعد ثورة 17 تشرين بتشكيل حكومة برعايتها، الى دعم القوى التغييرية في الانقلاب على السلطة والاطاحة بها دستوريا وديمقراطيا من خلال الانتخابات النيابية المقبلة والتي ما تزال في علم الغيب.
غادر لودريان لبنان من دون أن يعقد مؤتمرا صحافيا يتحدث فيه عن نتائج مباحثاته، ما يعني أنه لم يعد لديه ما يقوله، ليبقى لبنان برمته على رصيف إنتظار أي تسوية إقليمية تشمله، بعدما أثبتت كل الوقائع أن السلطة القائمة غير جديرة بحكم أو بقيادة بلد.
تقول مصادر مواكبة: إن ماكرون كان تلقى نصائح من دول صديقة بعدم التدخل في لبنان، وهي كانت تؤكد له مع كل إخفاق فرنسي صوابية وجهة نظرها التي لم يأخذ ماكرون بها منذ البداية. فهل ندمت فرنسا على هذ التدخل وعلى إطلاق مبادرة كانت محكومة بالفشل نتيجة ضعف تأثيرها في الصراعات اللبنانية التي تتحكم بها أطراف إقليمية لم تنضج تسوياتها بعد؟
وهل سيؤدي هذا الندم الى الانتقام من القيادات اللبنانية بفرض العقوبات عليها؟، أم أن تسارع التطورات الاقليمية قد يعيد خلط الأوراق بما يحفظ ماء الوجه الفرنسي؟..