الأحد, سبتمبر 22

الديار : البطاقة التموينية تفتش عن تمويل غير مُتوافر والمطلوب مُفاجأة ما وقف الدعم على المحروقات أصبح إلزامياً في ظلّ حجم ووتيرة التهريب

جاء في صحيفة ” الديار ” : أرسل أمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة مشروع موازنة العام 2021 بصيغة ‏‏”مُنقّحة” إلى الوزراء بدون معرفة إذا ما كان رئيس الحكومة المُستقيلة حسّان دياب سيدعو إلى ‏جلّسة لإقرارها أم لا. التوترات القائمة بين الرئاستين الثانية والثالثة تُشير إلى أن إحتمالات قبول ‏مشروع الموازنة مرهون بعوامل كثيرة أهمها اجتماع مجلس الوزراء. فنائب رئيس مجلس النواب ‏إيلي الفرزلي وفي مُقابلة تلفزيونية قال بالحرّف الواحد “الرئيس دياب رئيس مستقيل وحكومته ‏مُستقيلة غير مسؤولة، والقوانين التي تأتي إلى المجلس النيابي تأتي بصورة إستثنائية وهي مُخالفة ‏للدستور”. وإتهمّ الرئيس دياب بأنه أفلس لبنان (من خلال وقف دفع سندات اليوروبوندز) واليوم ‏يُطالب – أي الرئيس دياب – اللبنانيين بأخذ أموالهم الموجودة في الإحتياطي الإلزامي‎.‎

هذا الأمر يعني بكل بساطة أنه في الشكل هناك تعقيدات كبيرة تلفّ عملية إقرار موازنة العام 2021 وهذا ‏الأمر ينسحب أيضاً على البطاقة التموينية في ظل التشنّج الواضح في العلاقة بين الحكومة المُستقيلة ‏والمجلس النيابي خصوصًا أن رأي نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي يُعبّر عن وجهة نظر مجلس النواب ‏بصورة عامّة.‏

في المضمون، مشروع موازنة العام 2021 هو مشروع “إنكار” للواقع الاقتصادي، والمالي، والنقدي، ‏والإجتماعي الذي يعصف بلبنان والمواطن اللبناني. ولا يأخذ هذا المشروع بعين الإعتبار نقاطاً أكثر من ‏جوهرية في الوقت الراهن:‏

أولا – سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي وما يترتب عليه من إنفاق ومداخيل؛

ثانيًا – الدين العام الذي وعلى الرغم من التوقف عن دفعه لا يعفي الدولة من إلتزاماتها تجاه المقرضين؛

ثالثًا – خطة إقتصادية لتحفيز الاقتصاد في ظل عجز مالي واضح من قبل الدولة عن القيام بهذه المهمة؛

رابعًا – عامل الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وأهمّيته في إعادة إحياء مرافق الدوّلة ومن ‏خلفها الماكينة الاقتصادية بشكل كبير؛

خامسًا – مُعالجة المُشكلة الهيكلية في القطاع العام وعلى رأسها عدد الموظّفين (مثلا إدخالهم ضمن ‏الشراكة بين القطاع العام والخاص) وإلغاء المؤسسات والوزارات غير المُجدية؛

سادسًا – خطّة الحكومة فيما يخصّ الأمن الغذائي للمواطن في المرحلة المقبلة والتي يجب أن تكون الهمّ ‏الأول للحكومة سواء كانت أصيلة أو مُستقيلة؛

مشروع إنكار الواقع

إنكار المشروع للواقع السيىء الذي يعيشه لبنان يتجلّى في العديد من مواد الموازنة، نذكر منها على سبيل ‏المثال لا الحصر:‏

تنصّ المادّة الخامسة “الإجازة بالإقتراض”، على الإيجاز للحكومة إصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية، ‏مُتناسية أن الدولة أعلنت إفلاسها وبالتالي أصبح من المُستحيل إيجاد مُقرضين للدوّلة بإستثناء مصرف ‏لبنان الذي، وتحت الضغط، سيقوم بطبع العمّلة لتغطّية عجز الموازنة المُقدّر بـ 6.85 تريليون ليرة ‏لبنانية!‏

تُحدّد المادة السادسة “أصول إنفاق الهبات والقروض الخارجية” مُتناسية أن المُجتمع الدولي لم يعد ‏يتعامل مع السلطة التنفيذية للدولة اللبنانية فيما يخصّ الهبات التي يُرسلها حصرًا إلى الجمعيات وإلى ‏الجيش اللبناني. وقد تناست المادّة أيضًا أنه وبإستثناء قرض البنك الدولي الذي أتى بشكل إستثنائي جدًا ‏لوقف ديناميكية الفقر الخطرة، لا يوجد مؤسسات دولية أو دول جاهزة لإقراض لبنان بعد إعلان الإفلاس ‏كما أنه وتحت الضغط السياسي، تمّ ربط كل مساعدة دولية بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.‏

المادّة الثالثة عشرة تنصّ على إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 1500 مليار ليرة لتسديد ‏عجز شراء المحروقات وتسديد الفوائد وأقساط القروض لصالح مؤسسة كهرباء لبنان. هذه المادّة هي ‏إنكار كلّي لمُشكلة تمويل شراء المحروقات خصوصًا أنه ومع سعر صرف السوق السوداء لم تعد هذه ‏السلفة كافية لشراء ما كان يتمّ شراؤه سابقًا. أمّا تسديد فوائد الديون على القروض لصالح كهرباء لبنان، ‏فالكل يعلم أن لا جدّية في هذا النصّ نظرًا إلى أن خزينة الدولة هي من تحمل هذه الديون وبالتالي سيتمّ ‏تحميلها لحاملي سندات الخزينة عبر عملية الهيركت! في الواقع، أصبح من المعلوم أن مصرف لبنان قام ‏بإعطاء تسهيلات بالدولار لوزارة المال (‏Overdraft‏) بقيمة 15.6 مليار دولار أميركي. وبحسب ‏المنطق، يُمكن القول إن قسمًا كبيرًا من هذا المبلغ تمّ إستخدامه لشراء المحروقات وسداد ديون مُتوجّبة ‏على خزينة الدولة. وهذا الأمر لم يعد ممكناً الآن!‏

تنصّ المادّة الثامنة عشرة على تعديل قوانين البرامج التي من المفروض أن إعتماداتها مؤمّنة، إلا أن ما ‏يتمّ القيام به عمليًا هو تأجيل هذه البرامج من عام إلى آخر على إمتداد السنين. هذا الأمر بإعتقادنا يعني أن ‏الحكومة غضت الطرف عن القيام بمشاريع إستثمارية ذات منفعة إقتصادية يكون لها تأثير إيجابي على ‏النمو الإقتصادي الوحيد القادر على إخراج لبنان من مأزقه الحالي (!).‏

المواد 19 إلى 58، تتناول الضرائب وتحوي على الكثير من الإستثناءات والتسويات. المُشكلة الجوهرية ‏تكمن في أنه على الرغم من وقف دفع سندات الخزينة (بالليرة والدولار الأميركي)، هناك عجز هيكلي ‏مُستمر وتعود أسبابه إلى الحوكمة المالية مما يفرض إعادة هيكلة للقطاع العام بكل أشكاله. أضف إلى ‏ذلك أن ضعف النشاط الاقتصادي خفضت من المداخيل الضريبية على مثال الضريبة على القيمة المضافة ‏التي إنخفضت من 28% من إجمالي المداخيل في كانون الثاني 2019 إلى 11% في تشرين الأول ‏‏2020! وبالتالي فإن تحفيز الاقتصاد هو العنصر الأساسي الذي يجب العمل عليه لإعادة رفع مداخيل ‏الدولة اللبنانية. كما يجب ملاحظة أن قرارات الإقفال التي طالت الاقتصاد أدّت إلى ضرب المداخيل ‏بشكل كبير على مثال ما حصل في حزيران 2020 حيث شكّلت نسبة مُساهمة الضريبة على القيمة ‏المضافة فقط 8.8%!‏

المادة ستون تُعنى بتعديل رسوم المرافئ والموانئ. على هذا الصعيد من الملاحظ، أن هذه المادّة لا تُعالج ‏مُشكلة المداخيل من ناحية رفع الدولار الجمّركي بطريقة نسبية بحيث تسمح في آن واحد برفع المداخيل – ‏محاربة التهريب – وتأمين الأمن الغذائي.‏

المادة التاسعة وتسعون تعفي المخالفين من إشغال الأملاك العامة بنسبة 90% من دون أي تحفيز على ‏إستخدام هذه الأملاك في الماكينة الإقتصادية. وبالتالي سيستمر المخالفون بالمخالفة ولن يدفعوا الغرامات ‏ولا البدلات على الإشغال معرفة منهم أنه سيتم إعفاؤهم العام المقبل أيضاً. ومع إنخفاض سعر صرف ‏الليرة أمام الدولار في السوق السوداء، أصبح عندهم مصلحة إنتظار إنهيار سعر الصرف أكثر وهو أمر ‏كان يجب مُعالجته من خلال إعتماد التضخّم كمؤشّر (‏Index‏) لحجم هذه الغرامات.‏

المادّة الثالثة والسبعون تنصّ على إعفاء الشركات الدامجة (دون المصارف) من ضريبة الدخل على ‏الأرباح لمدة محدودة وضمن شروط مُعيّنة من الواضح أنها لا تنطبق إلا على فئة معيّنة من الشركات في ‏لبنان!‏

المادّة الرابعة والسبعون تنصّ على إعفاء فوائد الودائع الجديدة بالعملات الأجنبية من الضريبة على مدى ‏ثلاث سنوات. وإذا كانت هذه الخطوة هي خطوة جيدة بالمُطلق، إلا أنها وفي ظل غياب الثقة بالقطاع ‏المصرفي، لن تعُطي أي مفعول على الأرض إلا بعد أن يتمّ إعادة هيكلة المصارف في لبنان. وبالتالي ‏تبقى هذه المادة منسلخة عن الواقع وبلا أي قيمة فعلية.‏

الموازنة والتهريب

من النقاط الغائبة عن مشروع الموازنة مسألة مكافحة التهريب. وقد يقول البعض أن هذا الأمر هو ‏إجرائي وبالتالي لا ضرورة لوجوده في الموازنة، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، فمُكافحة التهريب لها ‏تداعيات في العديد من مواد الموازنة مثل بند قبول الهبات أو بند الإستثمارات أو غيرها. أضف إلى ذلك ‏الطابع المُلزم للحكومة لتنفيذ القانون والذي يلغي كل حجّة قد تعتمدها الحكومة لوقف التهريب.‏

الجدير ذكره أن التهريب مسؤول عن 50 إلى 70% من الهدر الحاصل في الدعم حاليًا وبالتالي يُمكن ‏القول إن 50 إلى 70% مما قدمه مصرف لبنان من دولارات ذهب في التهريب حيث أن المُستفيد ‏‏(المالي) الأول هو التجّار وعصابات التهريب. من هذا المُنطلق، هناك ضرورة قصوى لوقف دعم ‏المحروقات نظرًا إلى أن 30% من حجم الإستيراد هو للمحروقات التي يتمّ تهريب ما يزيد عن 70% ‏منها تحت أنظار (أو رعاية) الدوّلة!‏

الأمن الغذائي والبطاقة التموينية

المواجهة بين الرئاستين الثانية والثالثة، تجعل من البطاقة التموينية مشروع حبر على ورق، ويدخل ضمن ‏تسجيل النقاط لا أكثر ولا أقل. فطرح حكومة دياب للبطاقة التموينية على أن يتمّ تمويلها من مصرف لبنان ‏هو أمر مُستحيل أن يمرّ نظرًا إلى أن دفع البطاقة بالليرة اللبنانية سيدفع بالكتلة النقدية إلى مستويات لا ‏مثيل لها، وبالتالي إلى مزيد من التضخم والتآكل للعملة بحيث تصير البطاقة نفسها عاجزة عن أداء ما ‏صنعت لأجله، يضاف إلى ذلك مزيد من ارتفاع نسبة الفقر إذ ستنضم من جراء

هذا التضخم المفرط فئات ‏أخرى كانت على حافة الفقر أو تكاد.‏

أما الإعتماد على دفعها بالدولار، فأمام إنسداد المصادر والتمويلات الخارجية لا يبقى هنالك مصدر إلا ‏أموال المودعين أي ما تبقى من الإحتياطي الإلزامي وهو ما ترفضه أغلبية الكتل في المجلس النيابي، إلى ‏جانب المساءلة القانونية التي قد تترتب على المصرف المركزي، إن من المصارف، إذ الاحتياطي حقها ‏وقد أودعته أمانة لدى المصرف المركزي، أو من المودعين أنفسهم إذ هو من قبيل الضمانات لودائعهم ‏المصرفية. تقول بعض المصادر إن الرئيس حسان دياب يُريد من وراء ذلك أن يُلقي بكرة النار في ملعب ‏المجلس النيابي عبر القول إن حكومته قامت بما عليها وبالتالي أتى دور المجلس النيابي الذي يرفض ‏تلقف هذه الكرة على بعد عام من الانتخابات النيابية.‏

فإذًا البطاقة التموينية هي أداة لإشغال الرأي العام أكثر منها مشروع حقيقي قابل للتنفيذ. من هذا المُنطلق، ‏هناك ضرورة لبروز “أم للصبي” التي عليها أن تُضحّي في مكان ما لتأمين البديل عن رفع الدعم وعدم ‏وجود بطاقة تموينية. وهنا تتوقع مصادر أن يكون هناك مفاجأة في الأسابيع المقبلة.‏

في الختام لا يسعنا القول إلا أن الوقت المتبقي حتى أخر الشهر هو الفرصة الأخيرة أمام السلطة ‏لإستدراك الكارثة التي ستحصل إبتداءً من مطلع الشهر المقبل. والتاريخ سيحكم سلبًا أم إيجابًا على كل ‏من قام أو لم يقم بالإجراءات الضرورية للجم هذه الحالة الشاذة وإستدراك الأزمة المستفحلة.‏

Leave A Reply