غسان ريفي – سفير الشمال
إستحوذ المشهد الفلسطيني على كل الاهتمامات، فأرض الاسراء التي باركها الله تنتفض على غطرسة أعداء الله الذين يصرون على تدنيس المسجد الأقصى والحرم القدسي، ويخشون ″عبادا لنا أولي بأس شديد″ أكدوا أن قضية فلسطين لا تموت ولن تموت، وأن الأمهات في تلك الأرض المقدسة يُرضعون أطفالهن مقاومة الاحتلال مع الحليب، وكلما أتى جيل كلما إرتفعت وتيرة التمسك بالأرض ترابا وشجرا وحجرا، وكلما إرتقى شهيد تضاعفت حدة المواجهات التي جاءت في زمن الخنوع والخضوع لتؤكد صراع الوجود مع العدو الصهيوني، ولتصفع كل مؤيد ومنظّر وداعم ومطبل ومزمر للتطبيع الذي سيعود على أهله بمزيد من الذل والهوان.
بالرغم من كل المعاناة والمآسي التي ترخي بظلالها السوداء على الشعب اللبناني الذي يصطف في طوابير الذل لتأمين الخبز والمحروقات والدواء والمواد الغذائية المدعومة، لم تشغله أزماته عن قضية فلسطين، فأعطى إستراحة لثورته المعيشية والسياسية وخرج يصرخ للقدس والمقدسيين الذين يسطرون أروع البطولات في وجه عدو غاشم يريد أن يمنعه وفي رمضان من تأدية فرائض وشعائر دينه الحنيف، حيث شهدت مناطق لبنانية عدة مسيرات حاشدة منددة بالعدوان الاسرائيلي المستجد وداعمة لصمود فلسطين وشعبها، ومطالبة الأنظمة العربية بوقف التطبيع وفتح الحدود أمام المناضلين للمشاركة في إنتفاضة بيت المقدس.
في غضون ذلك، يبدو واضحا أن تأليف الحكومة يقف على رصيف الانتظار، لما ستؤول إليه التطورات الاقليمية من نتائج بدءا بفلسطين مرورا بالملف النووي الايراني والمفاوضات مع الأميركي، والغزل السعودي الايراني وخطب الود السعودي لسوريا وصولا الى اليمن، أو ربما يكون المشهد مغايرا، فيصار الى إستغلال هذا الظرف الاقليمي الذي تنشغل فيه الدول المعنية كل منها في شأن مفاوضاته وتحسين شروطه، والعمل على تهريب حكومة “كيف ما كان وشو ماكان” خصوصا بعدما أعلنت وفاة المبادرة الفرنسية التي أعادت خلط الأوراق من جديد.
كل المعطيات تشير الى أن لا إعتذار في الوقت الحالي للرئيس سعد الحريري، وأن جميع المعنيين بتأليف الحكومة دخلوا في مرحلة متقدمة من عض الأصابع على وقع الأزمات التي من المتوقع أن تنفجر بعد عيد الفطر مع توقف أعمال الخير التي غطت لبنان من شماله الى جنوبه في شهر رمضان الكريم.
كل الأنظار تتجه الى ما بعد عطلة عيد الفطر، حيث سيكون الحريري أمام خيارين، فإما تشكيل حكومة وفقا للمبادرات المحلية المطروحة، حيث تشير المعلومات في هذا الاطار الى أن الرئيس نبيه بري يعمل على مبادرة جديدة قد يكون فيها الحل، أو أن يصل الرئيس المكلف الى طريق مسدود بانتظار تلزيم لبنان الى جهة إقليمية، وعندها إما أن ترتفع وتيرة عض الأصابع بإبقاء التكليف في جيبه خصوصا في ظل الدعم الذي يوفره له الثنائي الشيعي، أو أن يعتذر ويفسح المجال أمام شخص آخر وهذا أمر ما يزال مقربون من الحريري يؤكدون أنه مطروح لكنه مستبعد.
يرى مراقبون أن الحريري تلقى رسالة إقليمية سلبية من خلال النائب نهاد المشنوق الذي سماه في الاستشارات النيابية الملزمة، عندما نصحه في مقابلة له بالاعتذار.
ويشير هؤلاء الى أن الحريري اليوم في مأزق، كونه طرح نفسه مرشحا طبيعيا لرئاسة الحكومة وتم تكليفه على أساس المبادرة الفرنسية، لكن مع إعلان وفاة هذه المبادرة ودفنها على يد وزير الخارجية جان إيف لودريان، أي حكومة سيشكل الحريري؟، وهل يجبره الضغط الاقليمي لا سيما السعودي منه الى التنحي؟، أم أنه سيلجأ الى بعض التنازلات بضمانة الثنائي الشيعي وربما البطريرك الماروني لتشكيل حكومة حفظ ماء الوجه؟!..