الإثنين, سبتمبر 23

حماية المدنيين في النزاعات المسلحة _ كتب د. خضر ياسين

يعالج القانون الدولي الإنساني الإشكاليات التي تثيرها النزاعات المسلحة الدولية والذي يطبق في حالة الحرب المعلنة أو أي نوع آخر من القتال المسلح الذي يقع بين طرفين أو أكثر حتى ولو لم يعترف أحدهم بحالة الحرب، كما يطبّق في جميع حالات الاحتلال سواء أكان الاحتلال كلياً أم جزئياً، ويسعى إلى حماية الأشخاص المدنيين والمقاتلين الذين أصبحوا عاجزين عن مواصلة القتال، ويهدف أيضاً إلى تأمين الحماية للأعيان المدنية، وتنظيم إدارة الحرب، إذ يضع لأطراف النزاع ضوابطاً وحدوداً لما هو مسموح من وسائل الحرب وأساليبها، ويلزمها باحترامها تحت طائلة المساءلة والعقاب على خرقها، وهو يهدف لتجنّب أو للتخفيف من معاناة الإنسان نتيجة النزاعات المسلحة، والعمل ما أمكن من أجل التوفيق بين الإعتبارات والمصالح الإنسانية من جهة وبين المقتضيات والضرورات العسكرية من جهة أخرى.
ترتكز فكرة حماية الأشخاص المدنيين أثناء النزاعات المسلحة على أساس مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، حيث تقتضي القاعدة العامة بأن تقتصر آثار الحرب على المحاربين ولا يجوز أن تتعداهم إلى المدنيين، وفي هذا السياق اعتبرت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري في قضية الأسلحة النووية أن مبدأ التمييز هو أحد المبادئ الرئيسة في القانون الدولي الإنساني وأحد مبادئ القانون الدولي العرفي التي لا يجوز انتهاكها.
ويتطلب مبدأ (التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين) عدم استهداف المدنيين بالعمليات الحربية، ومن أصبح عاجزاً عن مواصلة القتال، أي الجرحى والمرضى والغرقى وأسرى الحرب، أو أفراد الخدمات الطبية والشؤون الدينية والسائقين والطباخين التابعين للقوات المسلحة.
وتشكّل المادة (48) من البروتوكول الإضافي الأول لعام (1977) الأساس القانوني للمبدأ المذكور، فهي تدعو الى التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، كما توجب المادة (50) من البروتوكول أن تكون قرينة (الصفة المدنية) هي الأولى بالإتباع، فإذا ثار شك حول ما إذا كان الشخص مدنياً أم غير مدني فإن ذلك الشخص يعد مدنياً، كما أنه لا يجرّد السكان المدنيين من صفتهم المدنية وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين، أي أن (الصفة المدنية) لا تنتفي عند تواجد شخص محارب بين السكان المدنيين. ولكن يفقد الأشخاص المدنيون الحماية المكفولة لهم في حال مشاركتهم بالنشاطات الحربية، التي تتحقق بقيام أولئك الأشخاص بالأعمال العدائية التي تهدف إلى توجيه ضربات إلى أفراد جيش العدو أو عتاده.
ويؤكد البروتوكول الإضافي الأول لعام (1977) على أنه يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية وألاّ يكونوا محلاً للهجوم، ويحظّر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين.
وطبقاً لهذه الأحكام القانونية يتوجب على القوات المسلحة التي تستخدم القوة العسكرية أثناء العمليات الحربية الإلتزام بحماية المدنيين وتحييدهم من خلال عدم القيام بأي عمل عسكري لا يميّز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية وبين المقاتلين وغير المقاتلين، بينما ينتهك سلوك القوات الإسرائيلية في العدوان الحالي جميع هذه القواعد التي تكفل الحماية للمدنيين، بسبب مهاجمتها لهم في استهدافات ثابتة ومباشرة، مما جعلهم يتحملون الوزر الأكبر للنزاع ، ذلك أن سقوط مدنيين في إطار العمليات العسكرية خاصة في الحروب التي يستخدم فيها وسائل تدميرية متفوقة تكون جرماً في حالة الاستهداف المباشر للمدنيين في أماكن تجمعهم أو سكنهم أو انتقالهم خارج وجود أي هدف عسكري.

Leave A Reply