الإثنين, نوفمبر 25
Banner

الأخبار : لبنان يركع لآل سعود

جاء في صحيفة ” الأخبار ” : قُضي الأمر، وقرر لبنان الرسمي الركوع أمام السعودية، طلباً للغفران. أخطأ وزير الخارجية شربل وهبة في مقابلته ‏الأخيرة، ليل أول من أمس، مع قناة “الحرة” الأميركية. الخطأ المرتكب هو في حق لبنان أولاً. مشاركته في المقابلة، ‏ليساجل شخصيات لا صفة سياسية حكومية لها، هو خطأ بحق موقعه الوزاري. وخطأه الأكبر كان في تفوّهه بكلام ‏عنصري ضد أبناء الجزيرة العربية، وسائر العشائر العربية والبدو، عبر استخدام الكلمة الأخيرة كشتيمة للحطّ من قدر ‏مُساجله. أما في السياسة، فكان وهبة شجاعاً في دفاعه عن رئيس الجمهورية، وعن المقاومة، كما في تحميله دول ‏الخليج (السعودية وقطر تحديداً)، من دون أن يسمّيهما، مسؤولية إنشاء تنظيم “داعش” وتمويله. هذه حقيقة نطق بها. ‏لكنه في الحديث عن “داعش”، كما في تحميله الرياض مسؤولية قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في ‏إسطنبول، كان يتصرّف كمعلّق سياسي لا كرئيس لدبلوماسية دولة ليس هذا موقفها الرسمي. يُضاف إلى ذلك أنه قال ‏ما قال، فيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، يسعيان إلى ‏ترتيب علاقاتهما بالسعودية‎.‎

حسناً، أخطأ شربل وهبة. أخطأ، لفظياً، بحق دولة سبق أن ارتكبت، عام 2017، لا منذ عقود، جريمة خطف ‏رئيس حكومة لبنان، واعتقاله وإذلاله وإجباره على الاستقالة. ولم تتراجع عن جريمتها إلا بعد موقف لبناني ‏رسمي صارم، ومواقف إقليمية ودولية أجبرتها على التراجع. وحتى اليوم، لم تعتذر، ولا طلب منها لبنان ‏الاعتذار.. ولا حتى التوضيح‎.

السعودية (جرّت خلفها باقي دول الخليج) استدعت السفير اللبناني لدى الرياض، فوزي كبارة، لتسلّمه مذكّرة ‏احتجاج شديدة اللهجة، طالبة القيام بما يلزم لتصحيح الأمور. ونطق سفيرها في بيروت، وليد البخاري، باسم ‏مجلس التعاون الخليجي، ليطلب من وزير الخارجية اللبناني اعتذاراً رسمياً من دول المجلس‎.

الوزير وهبة كان قد أصدر بياناً اعتذر فيه عن “بعض العبارات غير المناسبة التي صدرت مني في معرض ‏الدفاع عن فخامة رئيس الجمهورية”. وأكّد أنه لم يكن يقصد الإساءة إلى “أي من الدول أو الشعوب العربية‎”.‎

في أيّ نموذج من العلاقات بين دولتين، يمكن لحدث مشابه أن يُعدّ أزمة دبلوماسية عادية تُعالج بالطرق الرسمية ‏المعتادة. وأول العلاج الاعتذار العلني الذي أصدره الوزير. لكن، بدا واضحاً منذ اللحظة الأولى أن الرياض تريد ‏استغلال ما جرى بهدف إذلال لبنان. جوقة المطبّلين للمملكة زايدوا عليها حتى كادوا يعلنون الحرب على لبنان. ‏والمفارقة أنّ غالبيتهم العظمى لهم تاريخ من التعامل الذيلي مع دول الخليج، إلى حدّ أنهم إما شاركوا السعودية عام ‏‏2017 مؤامرتها على رئيس الحكومة اللبنانية، وإما أنهم صفّقوا لها، وفي أحسن الأحوال، لاذوا بالصمت. لكنهم، ‏وزملاءهم المنضمّين إليهم حديثاً، وعلى رأسهم المحرَّر من الريتز سعد الحريري، تعاملوا مع تصريح وهبة كما ‏لو أنه لا سابق له في تاريخ العلاقات الدولية، وأنه مبرّر لتشديد الحصار على لبنان وطرد اللبنانيين من الخليج. ‏بعض وسائل الإعلام المموّلة من السعودية بشّرت منذ ليل أول من أمس بأن الرياض قد تقدم على إبعاد اللبنانيين ‏الذين يعملون على أراضيها. مرة جديدة، يجري تثبيت صفة الرهائن على هؤلاء المغتربين، وهي الصفة التي ‏تلازمهم منذ ستينيات القرن الماضي، أيام اختارت السعودية عدواً لها يُدعى جمال عبد الناصر، وأرادت من لبنان ‏أن يصطفّ خلفها في مواجهة القائد العربي الأول‎.

السعودية، ومعها دول الخليج، رفضت اعتذار وهبة. طالبت بجولة إذعان وإذلال، على سفاراتها، يقدّم فيها اعتذاراً ‏خطياً. رفض وهبة ذلك، وهو غير المتمسك أصلاً بوزارة ما كاد يدخلها حتى صارت تصرّف الأعمال في غياب ‏فريق عمل واستراتيجية دولة‎.

الدولة اللبنانية قررت القيام بجولة الإذلال والإذعان، نيابة عن شربل وهبة. سريعاً بدأ البحث عن بديل له، ولو ‏بإجراء غير دستوري: أن يعتزل العمل الوزاري، ليحلّ محله وزير الخارجية بالوكالة. لكن الوكالة بيد دميانوس ‏قطار، الوزير الذي يرفضه رئيس الجمهورية واختلّت علاقته برئيس الحكومة حسان دياب مذ قرر أن يسبقه إلى ‏الاستقالة. حسناً، فلتكن غادة شريم. رسا الخيار عليها، إلى أن أدخل التعديل ليلاً، واتفق الرئيسان على إسناد حقيبة ‏الخارجية، بالوكالة، إلى الوزيرة زينة عكر‎.

هكذا، ببساطة شديدة، قرر لبنان الركوع للسعودية. مشكلة دبلوماسية يمكنها أن تكون عابرة، لكنه آثر الخضوع ‏لاعتبارها “آخر الدنيا”. طبعاً، لبنان ليس الولايات المتحدة الأميركية التي يهين رئيسها ملك السعودية ووليّ عهده ‏مراراً وتكراراً، من دون أن تطلب منه ولو توضيحاً لكلامه. وليس المتوقع، تبعاً لموازين القوى، أن تكون بيروت ‏كواشنطن. كان المطلوب، كل المطلوب، الحفاظ على ماء الوجه، ولو قليلاً. ربما من حظّ شربل وهبة السيئ أنه ‏أخطأ في زمن التقارب العوني السعودي ــــ بُغضاً بسعد الحريري ــــ فكان أضحية العيد غير السعيد‎.‎

Leave A Reply