ذوالفقار قبيسي – اللواء
الإضرابات والتظاهرات العمالية تتكرر في لبنان وبالمطالبات والشعارات نفسها دون أن تحقق أي مكاسب رئيسية من نظام تمكّن من اختراقها وتعطيل قواها وشق صفوفها بالولاءات السياسية والطائفية والحزبية. فقبل حرب الـ١٧ عاما كان هناك ٦ اتحادات عمالية أضيف إليها ٥ خلال الحرب و٢٩ بعد انتهاء الحرب. وعلى مدى أكثر من ٦٠ عاما منذ تأسيس الاتحاد العمالي العام سنة ١٩٥٨ لم يولد من كل القوى العاملة «حزب عمالي» يحرر العامل اللبناني من الوصايات الحزبية والسياسية ويخوض الانتخابات النيابية خارج المنظومة الطائفية والمذهبية ويدخل الى مجلس النواب قيادات تمثل أكثر من 2,5 عامل في لبنان على غرار ما هو حاصل في الدول المتقدمة أو النامية، حيث الأحزاب التي تمثل القوى العمالية، تمكنت من الوصول الى الحكم وتشريع قوانين أعطت العمال مكاسب اقتصادية حقيقية لا تتحقق بمجرد احتجاجات أو مظاهرات ينتهي صداها في اليوم الذي يليها بتحذيرات وتهديدات في بيانات أو في جلسات «تبقى مفتوحة» تبقى فيها الأمور على ما هي عليه كما في قول الشاعر: «أكلت حلاوة وشربت ماء كأنني لا أكلت ولا شربت».
وعلى سبيل المثال..
في بريطانيا وقبل نحو ١٠٠ عام ولد من رحم الاتحادات والنقابات «حزب عمال» أوصل الى البرلمان قيادات وعمال مناجم ومن عديد المهن والقطاعات حققوا الضمان الصحي الشامل لكل فئات الشعب وتولى ٦ من قادته رئاسة الوزراء. وفي البرازيل أوصلت الحركة العمالية عاملا كان ماسح أحذية الى رئاسة الجمهورية أعاد توزيع الثروات ودشن نظام الضرائب التصاعدي وروّض جنون التضخم وضاعف قيمة العملة الوطنية أمام الدولار وأخرج ٢٠ مليون عامل من براثن الجوع والفقر انضموا الى الطبقة الوسطى. وفي بعض برلمانات البلاد العربية من مصر والسودان الى الجزائر والمغرب أحزاب عمال بعضها خاض الانتخابات التشريعية وأوصل الى البرلمان والحكومات نوابا ووزراء حوّلوا صيحات التظاهرات والاحتجاجات الى قوانين وتشريعات، زادت أضعافا مضاعفة في نسبة التمثيل العمالي في الاتحادات والنقابات، لم تصل في لبنان الى أكثر من ٧% نسبة العمال المنضوين في اتحادات عمالية تتعامل مع الأوضاع الاقتصادية بالجملة في مطالب عمومية مع مختلف القطاعات ودون تحديد وضع كل قطاع وظروفه وقدراته الآنية والمستقبلية ومدى قدرته في الظروف الاستثنائية (والوبائية!) على الصمود في الداخل والمنافسة في الخارج، ودون اعتماد منطق الاحصاء والأرقام والمعطيات والمؤشرات التي لا بد من توافرها لتجنّب القرارات الخاطئة. والدليل الأقرب هو سلسلة الرتب والرواتب التي، رغم انها حق عمالي بالمطلق، كان لها آثار تضخمية سلبية وانهيار في القوة الشرائية بكميات هائلة من العملة المحلية تدفقت الى التداول دون انتاج موازٍ ودون أن تؤدي الى مكتسبات حقيقية سوى «عملة ورقية» ما أن يتسلمها العامل حتى «تلتهمها» أكلاف المعيشة بارتفاع مماثل وأكثر، وفي غياب معطيات تفصيلية وجزئية، حيث معدلات الحدود القصوى والدنيا للأجور على سبيل المثال في الولايات المتحدة، تتعدد بتعدد القطاعات والمهن، بين ٢٥٠ ألف دولار و١٥٠ ألف دولار سنويا للجراحين والطيارين ومهندسي البترول والمدراء الماليين وأساتذة القانون والمهندسين الكيماويين… وبين ١٠٠ ألف دولار و٧٥٠٠٠ دولار سنويا للممرضات ولاختصاصيي الأسنان والكهرباء والسجاد… وبين ٥٠ ألف دولار و٢٥ ألف دولار لموظفي وكالات السفر والحلاقة وشركات العقارات والطباخين.. وبين قطاع في ازدهار أو قطاع في كساد.
ففي الجزئيات الصغيرة والتفاصيل الدقيقة يكمن الشيطان أو الملاك. وفي غيابها… الهلاك!