الإثنين, سبتمبر 23

القراءة الدستورية لتكليف الرئيس سعد الحريري _ كتب د.خضر ياسين

بتاريخ ٢٠٢٠/١٠/٢٢ تم تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة بعد ان تمت تسميته من قبل ٦٥ نائبآ في الإستشارات النيابية التي أجراها رئيس الجمهورية. وتطور النظام الدستوري والحياة السياسية في لبنان أفرز ثلاث مراحل متمايزة عن بعضها البعض فيما يتعلق بتشكيل الحكومات في لبنان، المرحلة الأولى قبل الطائف حيث كان رئيس الجمهورية هو الذي يعين الوزراء ويقيلهم ويسمي من بينهم رئيسآ، المرحلة الثانية منذ الطائف وحتى العام ٢٠٠٥ كانت عملية تشكيل الحكومات مسهّلة وميسرة أمام الرئيس المكلف نظرآ لواقع الحياة والتحالفات السياسية الموجودة في تلك الفترة، بينما تعقدت عملية التشكيل خلال الفترة التي تلتها بسبب المستجدات والإنقسامات السياسية التي شهدها لبنان.يحدد الدستور اللبناني إجراءات تشكيل الحكومة التي تبدأ بالاستشارات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية مع الكتل النيابية لتسمية الرئيس المكلف، والأخير بدوره يجري مجددآ إستشارات مع هذه الكتل، ومن ثم يضع تشكيلته الحكومية ويعرضها على رئيس الجمهورية كي يوافق عليها، لأن مرسوم تشكيل الحكومة يحتاج إلى توقيعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ولاحقآ تحتاج هذه الحكومة كي تباشر كامل صلاحياتها إلى حصولها على الثقة في المجلس النيابي.يتضح من خلال ذلك أنه يوجد شرطان أساسيان لنجاح عملية تشكيل الحكومة وهما: موافقة رئيس الجمهورية على التشكيلة الحكومية التي سوف يضعها الرئيس المكلف(سعد الحريري)، وكذلك موافقة أكثرية الكتل النيابية عليها كي تمنحها لاحقآ الثقة.فيما يتعلق بموافقة رئيس الجمهورية على التشكيلة الحكومية، فإنها من الشروط الدستورية الجوهرية التي وردت في المادة (٥٣) من الدستور التي نصت في الفقرة الرابعة منها على أن (رئيس الجمهورية يصدر بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة)، وهذا يعني ضرورة وجود التوافق المشترك بين الرئيسين على التشكيلة الحكومية، وفي حال عدم موافقة رئيس الجمهورية فإنه يتوجب على الرئيس المكلف الإستمرار والمحاولة بوضع تشكيلة حكومية تحظى بالنهاية بموافقة رئيس الجمهورية، وإلا لا يوقع على مرسوم تشكيل حكومته. وفقآ لمنطوق المادة (٥٣) من الدستور على كل من الرئيسين الإتفاق مع الآخر لاكتمال تشكيل الحكومة من دون أي تفرّد، حيث يأتي تأليفها كنتاج وتوافق مشترك بينهما. إن رئيس الجمهورية في هذه الحالة عندما يصدر المرسوم يعتبر شريكآ في عملية التأليف إستنادآ إلى موقعه الدستوري، والدور الذي أعطاه إياه الدستور، ولا يمكن اعتبار موافقته وتوقيعه على المرسوم مجرّد(يوقع أو لا يوقع)، نعم صحيح أن التعديلات الدستورية التي أجريت على الدستور في العام(١٩٩٠) قد قلّصت كثيرآ من صلاحيات رئيس الجمهورية، لكنها أبقت له مجموعة من الصلاحيات التي يمارسها ولكن إنطلاقآ وانسجامآ من موقعه الذي نصت عليه المادة(٤٩) من الدستور بقولها( رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور والمحافظة على إستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه)، وبالتالي ينيط به الدستور واجبآ مقدسآ وهو احترام الدستور، لأنه الشخص الوحيد الذي يؤدي اليمين الدستورية أمام المجلس النيابي، ومن ضمن هذا الدستور المادة (٩٥) التي تنص على أنه تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة، وهذا أمر لا شك سوف يحرص عليه رئيسي الجمهورية والحكومة، فصلاحية توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم التشكيل لا تشكل انتقاصآ من مكانة ودور رئيس الحكومة المكلف، الذي يعتبر أساسآ شريكآ هامآ وكاملآ في التشكيل، وتوقيعه على المرسوم يبقى شرطآ جوهريآ لصحة واكتمال عملية التشكيل. قد يطرح التساؤل حول دور المجلس النيابي على هذا الصعيد، لكن وفقآ لمقدمة الدستور، فإن الفقرة(هاء) منها تنص على أن النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، فدور المجلس النيابي يقتصر فقط على الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف ومن ثم لاحقآ إعطائه الثقة للحكومة عندما تتشكل من أجل أن تمارس كامل صلاحياتها، لذلك ليس للمجلس أيّ صلاحية بشأن عملية التشكيل التي تبقى محصورة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، كما قد يطرح التساؤل حول سحب التكليف من الرئيس المكلف، في هذا السياق نقول أنه لا وجود لنص دستوري، أو عرف دستوري، يجيز للمجلس النيابي الصلاحية بسحب التكليف من الرئيس المكلف، الذي يبقى تكليفه قائمآ إلى حين إعتذاره شخصيآ(إذا أراد) عن الإستمرار في عملية التأليف.

Leave A Reply