لا يمكن النظر إلى ما يقوم به حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، من خارج سياق الملفات القضائية المفتوحة في وجهه، «بالجملة». لا يلتفت إلى واقع الانهيار. فهو يكاد ينكر وجوده. يزعم الانفصال عن الواقع إلى حد تأكيده أن «الودائع موجودة». هو في كلامه هذا يريد تجاهل أن خسائر القطاع المصرفي والتزاماته بالعملات الأجنبية تتجاوز عتبة الـ160 مليار دولار ناهيك بأن خسائر مصرف لبنان وحده تفوق الناتج المحلي الإجمالي في لبنان كما كان عام 2019، ما يعني أنها باتت بحسابات اليوم أضعاف قيمة الناتج. رغم ذلك، قرر سلامة أن يعد المودعين بخمسين ألف دولار (لم يذكر أنها ستكون «مقسّطة» لسنوات) ستدفعها المصارف في الأسابيع المقبلة، رغم أن البنوك، المفلسة بمعظمها، ترفض تقديم هذه «المكرمة». هذا الإعلان تحديداً هو ممّا يقوم به سلامة في سياق الملفات القضائية المفتوحة ضده، وخاصة في لبنان. هو أقرب ما يكون إلى محاولة الرشوة، سعياً لتجنّب الكأس المرّة التي تقترب منه.
فبعد سويسرا التي يشتبه مدعيها العام في سلامة وشقيقه رجا بتهمة اختلاس أموال من مصرف لبنان وتبييضها في مصارف سويسرية وأوروبية ولبنانية، وقبل تقديم شكويين بحقه في باريس وتحضير ملفات للادّعاء عليه في لندن ونيويورك، قرّر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات التعامل مع الملف السويسري كما لو أنه إخبار، وبدء التحقيق حول الشقيقين سلامة. القضية متمحورة حول شركة «فوري»، التي رأى الادّعاء العام السويسري أنها شركة وهمية استغلها سلامة للحصول على أكثر من 330 مليون دولار من أموال مصرف لبنان، بعد توقيع عقد معها لتقديم خدمات متصلة بإدارة سندات الدين اللبنانية بالعملات الأجنبية في الفترة الممتدة بين عامي 2002 و2015.
حتى اليوم، يعتّم عويدات على الإجراءات، لكنه لا يستطيع إخفاء تلك العلنية منها، وأبرزها:
– دهم مكتب رجا سلامة، شقيق رياض سلامة، ومصادرة أجهزة ومعدات كانت في حوزته.
– استجواب مسؤولين حاليين وسابقين في مصرف لبنان.
– الاستماع لإفادات أعضاء سابقين في المجلس المركزي لمصرف لبنان، تحديداً أولئك الذين يقول سلامة إنهم وافقوا على توقيع العقد بين «المركزي» وشركة «فوري».
– توقيف مساعدة رياض سلامة، ماريان الحويك، في مطار بيروت أثناء عودتها من الخارج، ومصادرة أجهزة إلكترونية منها. وفيما لم تصل بعد إلى مرتبة المشتبه فيها (في سويسرا كما في لبنان)، جرى دهم منزل ومكاتب شركة على صلة بها، بحثاً عن أجهزة إلكترونية يُعتقد أنها تحوي معلومات ذات فائدة للتحقيق.
توقيف مساعدة سلامة في المطار ومصادرة أجهزة إلكترونية ودهم شركة على صلة بها
وبحسب ما يُنقل عن السفيرة السويسرية في بيروت، فإن الادّعاء العام السويسري قرر التعاون مع جميع طلبات عويدات، وتزويده بما لديه من معلومات ووثائق حول القضية. كذلك، قررت دول أوروبية التبرع لتزويد عويدات بما لديها من معلومات عن تحويلات مالية مشبوهة لسلامة وشقيقه، إضافة إلى مساعدته وعدد من أفراد عائلته. وتشير المعلومات الدبلوماسية إلى أن السويسريين سبق أن طلبوا تعاون سلطات عدد من الدول الأوروبية للتحقيق بشأن تحويلات سلامة المشتبه فيها، وأنهم نصحوا تلك الدول بمساعدة لبنان في القضية نفسها.
وبحسب المصادر، فإن التحقيق تشعّب إلى درجة تصعب «لفلفته» معها. وتشير المعلومات الصادرة من بيروت، وتلك الآتية من بِيرن، إلى أن مضمون الملف سيؤدي «حتماً» إلى الادعاء على سلامة بجرم اختلاس أموال من مصرف لبنان، وتبييضها في لبنان وسويسرا ودول أوروبية عديدة.
بطبيعة الحال، لن يستسلم سلامة، ولا داعموه، إذ علمت «الأخبار» أن غضباً كبيراً ينتاب «حزب المصرف»، وعلى رأسه الرئيس سعد الحريري الذي يسعى إلى الضغط على القاضي عويدات لثنيه عن الاستمرار في عمله. وقد صدرت تعليمات من سلامة وسائر أعضاء حزب المصرف بوجوب التعتيم على القضية وعدم إثارتها في الإعلام، ولو من باب الرد على مهاجمي الحاكم، وهو ما يفسّر تجاهل غالبية وسائل الإعلام لمجريات التحقيق، وعدم سعيها إلى البحث عن أي معلومات بشأنها.
المصدر: الأخبار