خضر حسان – المدن
تقفل بعض الصيدليات أبوابها، فيما يفتحها البعض الآخر معلناً للزبائن عدم توفّر أغلب الأدوية، ومنها ما كان يُعتَبَر وجوده بديهياً، كدواء البنادول على سبيل المثال لا الحصر. والغريب أن وزارة الصحة تؤكد امتلاء المخازن بالأدوية، وتوافق على انتظار الدولار المدعوم من مصرف لبنان، وأفرج المركزي عن الدولار. وأكدت الوزارة توفير الأدوية… لكن الصيدليات مازالت فارغة. والأسوأ قد لا يتأخر لأكثر من شهر.
فصول مسرحية الدعم
ظهر يوم الخميس 27 أيار، لم يكن قد اتفق على تأمين مصرف لبنان الدعم الكافي لتحرير الأدوية من المستودعات. وما كان واضحاً حينها، لا يتعدّى الوعود التي حصل عليها وزير الصحة حمد حسن من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
بعد ظهر اليوم نفسه، زَفَّت وزارة الاقتصاد خبر موافقة سلامة على تأمين 180 مليون دولار كتغطية لسعر الأدوية الموجودة في مستودعات المستوردين، والتي لم يُفرَج عنها لأن استيرادها لم يخضع لقرار الموافقة المسبقة المطلوبة لتأمين الدولار المدعوم. ومع ذلك، لم يسلّم التجار أيّاً من تلك الأدوية إلى الصيدليات لبيعها وفق سعر السوق السوداء. فهؤلاء يعلمون أن انقطاع الأدوية يعني الضغط على مصرف لبنان لتأمين الدولار المدعوم، فيصبح هامش الربح أوسع، ليس لأن الدواء يباع في لبنان، بل قد يُهرب إلى الخارج. وهُنا بيت القصيد لمسرحية دعم الأدوية وانقطاعها من السوق. فإذا بيع الدواء وفق معادلة دولار السوق، يجعل هامش ربح المستوردين أقل مما يمكن الحصول عليه، فيما لو جرى استيراد الدواء وفق السعر الرسمي 1500 ليرة وبيع بالدولار.
وبمعادلة بسيطة، إذا اشترى تاجر علبة دواء ثمنها دولاراً واحد، ودَعَمها مصرف لبنان، فسيكون قد اشتراها بـ 1500 ليرة. وإن باعها في لبنان بالليرة، فسيكون هامش ربحه ضيّقاً، إذ سيباع الدواء بنحو 2000 ليرة، وبأحسن الأحوال قد يتضاعف سعره إلى 3000 ليرة. أما إذا هُرِّبَ، وإن بيع بسعر الكلفة، أي بدولار واحد، فهذا الدولار سيساوي بالليرة نحو 13 ألف. وبالتأكيد لا أحد يبيع بسعر الكلفة. على أن الربح الأكبر هو الحصول على الدولار النقدي، بغض النظر عن هامش الربح بالأرقام، وهو ما لا يؤمّنه البيع في السوق المحلّية.
الصيدليات فارغة
الإفراج عن الدعم أفضى إلى الإفراج عن الأدوية. وهذا ما أوضحته وزارة الصحة التي أكّدت أنها “ستراقب بدء التوزيع اعتباراً من صباح غد (الجمعة 28 أيار) بشكل عادل وشفاف على كافة المناطق اللبنانية”.
حتى اليوم الأحد 30 أيار، لم يكن حال الصيدليات قد تغيَّر. الأدوية وحليب الأطفال والكثير من المستلزمات الطبية ما زال مفقوداً. وتُثبت الجولة التي قامت بها “المدن” على الكثير من صيدليات العاصمة وصولاً إلى منطقة خلدة وأطرافها، وصولاً إلى الجنوب، عدم إمداد الصيدليات بالحد الأدنى من حاجتها. أما التوجه شمالاً، فلم يكن أفضل حالاً. فأين هي الأدوية المدعومة؟
رئيس لجنة الصحة النيابية، النائب عاصم عراجي، لم يقع في الفخ الذي نصبته وزارة الصحة لنفسها، إذ لم يحدد مهلة زمنية واضحة لالتماس وجود الأدوية في الصيدليات. إذ أعلن اليوم الأحد 30 أيار، أنه “من المفترض أن تتمكن شركات الأدوية خلال أيام من تسليم الأدوية والمستلزمات الطبية إلى الصيدليات والمستشفيات والمرافق الصحية”، فتَرَكَ بذلك هامشاً أوسع يمنع تسجيل النقاط السلبية في هذا الملف. فأي تساؤل حول عدم توفّر الأدوية والمستلزمات، سيُقابَل بالتسويف وانتظار الوعود.
لكن عراجي سرعان ما حدَّدَ موعداً لتجدد الأزمة، وربما يكون الموعد نقطة انطلاق لمرحلة أكثر خطورة مما سبق. فكميات الأدوية المغطّاة بالدولار المدعوم، “يجب أن تخدم شهرين”. وبعد هذه المهلة، سيكون على المستوردين الخضوع لموافقة مسبقة قبل استيراد الأدوية، وإلا سيكون مصرف لبنان بحلٍّ من مسؤولية تأمين الدولار المدعوم. وبالتالي، تكون السوق أمام خيارين، أحلاهما مُر: انقطاع الأدوية بشكل أكبر، وإما توفير بعضها بسعر السوق السوداء. على أن أرجحية خيار على آخر غير مضمونة، فلا شيء يمنع التجار من تخزين الدواء للضغط على مصرف لبنان، خصوصاً أن لا أحد يُلزمهم الإفراج عن الأدوية. ولا مجال للتعويل على الأخلاقيات في هذه الأزمة.
إذاَ “الحل موقَّت والمشكلة تعود لتظهر بعد هذه المدة في حال عدم التوصل إلى حل نهائي”، يقول عراجي.
الانفجار بعد شهر؟
الأزمة برأي عراجي، قد لا تنتظر شهرين لتتجدّد، فقد تنفجر في غضون شهر واحد “في حال لم تتحرك الأجهزة الأمنية بسرعة لمنع تهريب الأدوية التي تتوافر في الأسواق”.
هو التهريب الذي يُقِرُّ به الجميع، لا يُبادر أحد لوقفه. علماً أن الوزارات المعنية، قادرة على الحد منه، على الأقل، من خلال مراقبة المستودعات والصيدليات. وهذا دور أساسي لوزارة الصحة التي تَعِد بأنها ستباشر بـ”تحديد أولويات المشتريات الدوائية كماً ونوعاً وفق حاجة سوق الدواء، كما ستتابع تحديد المخزون المتوفر من كل الأصناف بما لا يسمح بسوء استخدام الدعم”. وذلك بالتوازي مع تطبيق المرحلة الجديدة، أي الموافقة المسبقة على الاستيراد.
وتضع الوزارة واللجنة النيابية نفسيهما أمام امتحان معروف النتيجة مسبقاً. فالتهريب مستمر إلى سوريا ودول إفريقيا. أما “إعادة التوازن إلى سوق الدواء”، وهو هَدَف الوزارة، لا يخرج عن مقولة “المكتوب معروف من عنوانه”.