أنطوان فرح – الجمهورية
في موازاة أجواء الرعب السائدة حيال حصول كارثة انسانية بسبب أزمات الغذاء والدواء المحتملة بسبب نضوب اموال الدعم، تسود اجواء تفاؤلية لدى مودعين يتوقعون الحصول على 25 الف دولار (Fresh) بدءاً من نهاية حزيران، وما يوازي هذا المبلغ بالليرة. هل توقعات هؤلاء في محلها؟ وهل فعلاً ستنجح خطة توزيع 11 مليار دولار على المودعين الصغار والمتوسطين؟
لا تزال مبادرة «إراحة اللبنانيين»، والتي تهدف الى «تسديد تدريجي للودائع»، كما جاء في البيان الذي أصدره مصرف لبنان للإعلان عن هذه المبادرة، مثار اهتمام ومتابعة من قِبل اكثر من مليون مودع سوف تشملهم خيرات هذا الاقتراح. لكن التعويل على الدولارات الموعودة، يحتاج الى الردّ على مجموعة اسئلة…
من أين سيتأمّن مبلغ الـ11 مليار دولار، وهي الكلفة التقديرية التي وضعها مصرف لبنان لإنجاز عملية ردّ الودائع بالدولار الطازج؟
هناك اجتهادات عدة في عملية التكهّن بمصدر التمويل. الكلام الرائج في هذه الفترة، انّ المبلغ سيتأمّن مناصفة بين المركزي والمصارف التجارية. هذا التوضيح يحتاج بدوره الى توضيح، إذ من اين ستؤمّن المصارف الـ5,5 مليارات دولار، اذا كانت عاجزة عن تأمين متطلبات اقتراح قانون الكابيتال كونترول للسماح للمودعين بسحب بضع مئات الدولارات من حساباتهم الدولارية؟ البعض رأى انّ المصارف قد تلجأ الى الودائع التي كوّنتها لدى المصارف المراسلة تطبيقاً للتعميم 154. ولكن هذا التوضيح يحتاج ايضاً الى توضيح. أولاً، من المعروف انّ المصارف لم تنجح كلها في تكوين الودائع، وبالتالي مجموع هذه الودائع قد لا يتجاوز نصف المبلغ المطلوب لتنفيد مبادرة إراحة اللبنانيين.
وثانياً، هذه الودائع وظيفتها الحفاظ على العلاقات قائمة مع المصارف المراسلة، وضمان وجود احتياطي صالح للاستخدام في تنفيذ أي خطة انقاذية يتمّ الاتفاق عليها في المستقبل. وعلى أساس ان تكوين هذه الودائع يهدف الى بدء اعادة الثقة بالقطاع، قهل انتفت هذه الحاجة، وصار مسموحاً إفراغ هذه الحسابات بالكامل، مع الاشارة الى انّ استخدام كل هذه الودائع ليس كافياً لتنفيذ «المبادرة»؟
وأخيراً، هل من المسموح استخدام هذه الاموال التي تمّ جمعها من مودعين لبنانيين وافقوا على تنفيذ التعميم 154، على عكس كثيرين سواهم ومن ضمنهم المكشوفين على السياسة (PEPs)؟ وهل مسموح الانقلاب مرة جديدة على العقود التي وقّعتها المصارف مع هؤلاء، وتعهّدت فيها بإبقاء هذه الودائع مُحرّرة من أي قيود في المصارف المراسلة، حسب متطلبات تعميم مصرف لبنان؟ وهل سنقول للمودعين، ما تواخذونا، ضحكنا عليكم مرة ثانية؟
في الموازاة، من أين سيؤمّن مصرف لبنان 5,5 مليارات دولار؟ من الاحتياطي الالزامي لأنّه المصدر الوحيد المتبقي؟ لكن كيف؟ هل سيستخدم هذا الاحتياطي رغم انّ القانون يمنعه؟ وهل ستوافق المصارف على ذلك؟ أما ما يقوله البعض، انّ المركزي سيخفّض نسبة الاحتياطي الإلزامي من 15 الى 10%، ويكسب بذلك 5 مليارات دولار، فينبغي ان يتنبّه هؤلاء الى انّ المبلغ المُحرّر هو للمصارف، كوسيط، وللمودعين أنفسهم كأصيل. وبالتالي، خفض نسبة الاحتياطي الالزامي يستوجب إعادة الاموال الى المصارف. أما القول ايضاً، انّه يمكن اعادة هذه الاموال الى المصارف لكي توزعها بدورها على المودعين وفق المبادرة، ففيه الكثير من التبسيط، لأنّ توزيع الاموال ينبغي ان يتمّ بعد التوافق على كيفية توزيع الخسائر، وعلى نسبة الهيركات وفق الفئات، وعلى هذا الاساس يتمّ توزيع اموال الى المودعين.
لكن، ومن خارج سياق كل هذه التساؤلات الأشبه بمعضلات عصيّة على المعالجة، هناك نقطة أهم وأخطر من كل ما هو مطروح.
وهنا، لا بدّ من التذكير بأنّ مفهوم (concept) الكابيتال كونترول، انّه بمثابة وضع اليد على الاموال في البلد، وادارة هذه الاموال مؤقتاً بالنيابة عن صاحب الحق الأصلي، (المصرف / المودع)، لأنّ الوضع الاستثنائي يستلزم اجراءات استثنائية تتجاوز حق الملكية الفردية والاقتصاد الحر – انّه أشبه بمصادرة المصانع في زمن الحروب وتحويل انتاجها الى المجهود الحربي- لكنه إجراء مؤقت يهدف الى إنقاذ البلد وناسه اولاً، والى حماية اموال المودعين تالياً، من خلال حماية القطاع المالي برمته.
والأهم انّ موعد الرفع التدريجي لقانون الكابيتال كونترول يرتبط بمندرجات الخطة الإنقاذية التي تحدّد الزمان الذي يفترض ان تكون الثقة بالقطاع المالي قد عادت جزئياً على الأقل. ورفع الكابيتال كونترول بالكامل يتمّ عندما يتبيّن انّ النسبة الاكبر من المودعين، لن يتوجّهوا الى صناديق المصارف لسحب ودائعهم ونقلها الى الخارج او الى المنازل، بل سيبقون على ودائعهم في المصرف، لأنّهم باتوا يثقون بأنّ وديعتهم مضمونة. فهل ينطبق هذا التوصيف على مندرجات «مبادرة إراحة اللبنانيين»؟ وهل من مودع في هذا الوضع سيقول للمصرف انّه لا يريد سحب وديعته بل سيبقيها في المصرف لأنّه لا يحتاجها حالياً؟ وماذا سيكون مصير المصارف ومصرف لبنان بعد تنفيذ المبادرة في هذا التوقيت؟ وماذا سيكون مصير كل الودائع المتبقية وتقارب قيمتها الـ120 مليار دولار، اذا حذفنا منها الـ11 مليار دولار على افتراض انّها أُعيدت الى المودعين؟ وماذا سيكون وضع الليرة اذا تمّ توزيع حوالى 50 الف مليار ليرة، وهو المبلغ المقترح لتسديد ما يوازي الـ11 مليار دولار؟
من المستغرب أن يهلّل خبراء من الداخل والخارج لخطة توزيع الاموال في اطار اعادة جزء من الودائع، ويعتبرون انّها خطوة في الاتجاه الصحيح. الأهم في هذا الموضوع، ماذا سيكون مصير لبنان واللبنانيين بعد توزيع كل هذه الاموال، من دون خطة ولا من يخطّطون؟