يتساءل اللبنانيون العاديون وكذلك الباحثون والدارسون عن حقيقة حياة اللبنانيين، فالأرقام وتصريحات المسؤولين والخبراء تفيد بأن الحياة صعبة وأن أكثرية اللبنانيين من الفقراء والمعوزين، بينما مظاهر كثيرة تدل خلاف ذلك وتناقضه تماماً فأين الحقيقة وأيهما أصدق تعبيراً؟
بحسب تقرير لـ«الدولية للمعلومات»، تفيد الأرقام والتقديرات المتوفرة بالتالي:
يقدر عدد اللبنانيين المقيمين في لبنان نحو 4.3 مليون نسمة. وتقدر نسبة الفقر بـــ 55% من اللبنانيين المقيمين أي نحو 2.365 مليون لبناني، منهم نسبة 25% دون خط الفقر أي 1.075 مليون وهؤلاء لا يكفي دخلهم لتوفير الكميات الكافية والصحية من الغذاء، و30% منهم فوق خط الفقر أي 1.290 مليون وهؤلاء يكفي دخلهم لتوفير الغداء ولكنهم يعانون من ظروف معيشية صعبة من السكن والملبس والتعليم وغيره. وأن نحو 45% من اللبنانيين المقيمين لا يتمتعون بأية تغطية صحية إلا ما تؤمنه وزارة الصحة العامة.
وتعاني معظم المناطق اللبنانية من انقطاع في التيار الكهربائي إلى أكثر من 10 ساعات يومياً. ولا تتوفر الخدمات الأساسية لا سيما مياه الخدمة في أكثر الوحدات السكنية لا سيما في فصل الصيف فيتم اللجوء إلى حفر الآبار الخاصة وشراء الصهاريج، كما لا تتوفر مياه الشرب أو لا يثق بها أكثرية اللبنانيين فيتم اللجوء إلى شرائها.
تعليميًا، هناك تدني في مستوى التعليم الرسمي، فالمدارس الرسمية تضم نسبة 32% فقط من الطلاب في مرحلة التعليم العام ما قبل الجامعي.
أما بما يخص توزيع الثروة، فيتبين أن نحو 5% فقط من اللبنانيين هم من الأثرياء والأغنياء أي 215 ألف لبناني. وأن أكثر من 95% من العاملين في لبنان يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية التي فقدت 767% من قيمتها.
إقتصاديًا، نسبة التضخم بلغت 85% في العام 2020 ونسبة 26% في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2021 أي ما نسبته 111%. وارتفعت كلفة المواد الغذائية الاستهلاكية الأساسية لأسرة مؤلفة من 5 أفراد من 450 ألف ليرة شهرياً في العام 2019 إلى نحو 1.250 مليون ليرة شهرياً.
ويظهر لنا أن 70% من العاملين في لبنان تتراوح رواتبهم الشهرية ما بين 1.5 مليون ليرة – 3 ملايين ليرة. في حين بلغت نسبة البطالة 35% أي نحو 480 ألفاً وهناك نحو 300 ألف يعملون بصورة متقطعة في مهن غير دائمة ولا تشكل استمرارية.
المظاهر والوقائع
منذ نحو أسبوعين وعلى أبواب فصل الصيف بدأ اللبنانيون يشاهدون مظاهر لا تمت إلى الأرقام السابقة بصلة ولا تعكسه. فهناك زحمة كبيرة في معظم المطاعم بالرغم من أسعارها الخيالية (لمن دخله بالليرة اللبنانية)، كذلك هو الحال في العديد من محلات الألبسة والأحذية، وهناك حجوزات وإشغال بنسبة عالية في الفنادق والشقق، وأخذت بعض المسابح والمنتجعات التي فتحت أبوابها تشهد زحمة كبيرة بالرغم من ارتفاع أسعار الدخول. وهذه المظاهر توحي إلى أن الأرقام المذكورة أعلاه هي غير صحيحة، فهل اللبنانيون في رفاه ورخاء؟
الحقيقة
في الواقع إن الفقر والعوز موجودان وهناك شواهد كثيرة على ذلك في ضواحي بيروت الشرقية والغربية وفي طرابلس والهرمل وعكار والمنية والضنية والعديد من المناطق في جبل لبنان، كما أن مظاهر الرفاه موجودة من خلال ما ذكرنا. وفي تفسير هذه الظاهرة من الرفاه نورد ما يلي:
هناك 5% من الأثرياء الأغنياء أي نحو 215 ألف فرداً من أعداد اللبنانيين المقيمين قدرتهم الشرائية عالية. وهناك نحو 200 ألف أسرة أي نحو 850 ألف فرداً يتلقون تحويلات من الخارج من أهاليهم وأقاربهم وتتراوح قيمة الحوالة ما بين 200 دولار و2,000 دولار شهرياً ما يعطي هذه الفئة قدرة شرائية عالية. وتفيد إحدى شركات تحويل الأموال الالكترونية أن مقدار التحويلات من الخارج عبرها تصل إلى 150 مليون دولار شهرياً، وأن إجمالي تحويلات العاملين في الخارج تقدر بنحو 7 مليارات دولار سنوياً وفقاً لتقديرات البنك الدولي.
هناك لبنانيون يملكون ودائع كبيرة في المصارف (من ضمنهم فئة الـ 5% من الأثرياء والأغنياء). وهؤلاء تمكنوا في خلال الفترة الماضية من سحب وتحويل 36 مليار دولار من ودائعهم منها نحو 12 مليار بالدولار الأميركي وبالتالي فهؤلاء لديهم قدرة إنفاق عالية.
أدت الأزمة الاقتصادية إلى إقفال آلاف المطاعم والفنادق والمحالات التجارية وبالتالي من الطبيعي أن تشهد المؤسسات المستمرة بفتح أبوابها أعداداً أكبر من الزبائن.
تقدر أعداد اللبنانيين الذين كانوا يسافرون سنوياً لقضاء إجازاتهم وعطلاتهم في الخارج بنحو 300 ألف-500 ألف لبناني لا سيما منهم من كان يذهب إلى تركيا ومصر وقبرص وقسم من هؤلاء ونتيجة تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار تحولوا إلى السياحة الداخلية ما أحدث تحسناً في القطاع السياحي والفندقي.
مع بدء موسم الصيف بدأت أعداد من اللبنانيين العاملين في الخارج بالتوافد إلى لبنان لقضاء العطلة الصيفية لعدة أسباب منها ما هو تقليدي ومنها لانخفاض كلفة المعيشة في لبنان لمن يملك عملات أجنبية، كما أنه بسبب كورونا أحجمت عن المجيء في العام الماضي. فإنحسار فيروس كورونا وفتح المؤسسات التجارية والسياحية، فقدمت أعداد من الزبائن للتعويض عما فاتها من المرحلة الماضية.
وهكذا نتبين أن هناك نحو مليون لبناني لديهم قدرة مالية وشرائية عالية ودخل مرتفع بالدولار (نسبة الـ 5% من اللبنانيين الأثرياء + 850 ألف لبناني يتلقون تحويلات بالعملات الأجنبية من الخارج) ما يعطي مظاهر رفاه غير واقعية وهي لا تلغي حقيقة أن هناك نحو 3 ملايين لبناني مقيم يعيشون في ظروف وأوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، وهذا يؤكد على استمرار التناقض الكبير الذي لا يزال موجود في لبنان.
اللواء