خالد أبو شقرا – نداء الوطن
يُنتظر أن تخرج جلسة لجنة المال والموازنة النيابية المنوي عقدها اليوم بتصور جدّي بما خص مصير اقتراح قانون “الكابيتال كونترول”. فاللجنة التي استلمت كرة النار الملتهبة عن الحكومة أملاً بإحداث خرق في جدار الأزمة، تواجه تضليلاً متعمداً من المصارف. الأرقام غير المدققة والمتناقضة التي تقدمها الأخيرة عن كلفة القانون، تربك اللجنة وتصعب عليها اتخاذ القرار، خوفاً من أن قد تكون نتائجه كارثية.
تفيد أوساط اللجنة أن “تقديرات المصارف لكلفة قانون “الكابيتال كونترول” بدأت بـ 4 مليارات دولار ثم ارتفعت الى 6.4 مليارات، لتنتهي مؤخراً على رقم 8,8 مليارات دولار، من دون أن تكون للجنة القدرة على التحقق من مصداقيتها. حتى أن لجنة الرقابة على المصارف لا تؤكد صحتها، وهي قد دأبت عند إصدار المصارف لأي رقم على تكرار أن هذه الأرقام غير مدققة وهي على مسؤولية البنوك. وفي ما خص بند التحويلات إلى الخارج فقد أرسلت جمعية المصارف كتاباً في شهر نيسان يتضمن موافقتها على سقف 20 ألف دولار للتحويلات بدلاً من 50 ألفاً، التي يلحظها اقتراح القانون. لتعود في 31 أيار الماضي وتبلغ لجنة المال بقدرتها على تحويل 10 آلاف فقط، أي بتخفيض نسبته 50 في المئة في ظرف أقل من شهر.
التضليل مستمر
“هذا التخبط عند المصارف غير المستند إلى أرقام دقيقة، عطل آلية اتخاذ القرار في لجنة المال، وأعاد إلى أذهاننا قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أقر على السقف الأعلى من دون تبيان لحجمه الحقيقي، فكانت نتائجه كارثية على الإقتصاد ومالية الدولة”، بحسب أحد مصادر اللجنة. فـ”كلفة سلسلة الرتب والرواتب التي بدأت على خلفية تقييم وزارة المال بـ1800 مليار ليرة تخطت 5 آلاف مليار وكانت سبباً من أسباب الإنهيار. واليوم يتكرر الأمر نفسه مع قانون “الكابيتال كونترول”، حيث قد تكون نتائج اقراره بالسقوف الأعلى كارثية على الإقتصاد والمودعين على حد سواء. وتلقى اللائمة على لجنة المال بافلاس المصارف، مع العلم أنها مفلسة أساساً”.
البنوك تملك السيولة
في الوقت الذي “كسرت” فيه المصارف “يدها وشحدت عليها” أمام لجنة المال والموازنة، عُلم أنها اتفقت البارحة مع مصرف لبنان على آلية تسديد جزء من الودائع بالدولار التي وعد بها الحاكم مؤخراً ببيان صحافي. حيث ستعمد المصارف إلى التسديد من الودائع لغاية 50 ألف دولار نقداً، مناصفة بين الليرة والدولار. فتدفع لغاية 25 ألف دولار، 400 دولار شهرياً كحد أقصى لمدة 5 سنوات. وتسدد 25 ألف دولار بالليرة اللبنانية على سعر 12000 ليرة. وستمول هذه الآلية مناصفة بين المصارف والمركزي بكلفة سنوية تبلغ 3 مليارات دولار. هذا الإتفاق الذي سيكلف المصارف 7.5 مليارات دولار، يناقض ادعاءها فقدانها للسيولة، ويثير الشبهات من أن يكون رفض “الكابيتال كونترول” هو لاستمرار تحويل الأموال إلى الخارج استنسابياً بعيداً من أي ضوابط أو موانع”، برأي مصدر متابع.
أكبر من دورها
هذا التناقض في الأرقام، والتخبط في الخطط والإقتراحات كان من المفترض على الحكومة متابعته والفصل به. إلا أن إصابتها بالشلل قبل أن تستقيل، ودخولها في “الغيبوبة” بمرحلة تصريف الأعمال، دفع بلجنة المال والموازنة بشكل خاص إلى تلقف كرة نار “الكابيتال كونترول”. “مع العلم أن اللجنة تفتقد للقدرات التقنية التي تمكنها من تحديد كلفة البنود المالية، وفي حال تزويدها بها، فلا قدرة لها على التحقق من صحتها. وذلك على عكس الحكومة وإداراتها وأجهزتها ومفوضيها الحكوميين الموجودين في كل المؤسسات”، يقول مصدر نيابي، “إلا أن هذه الدولة التي تكلف سنوياً أكثر من 20 ألف مليار ليرة لا تقوم بدورها، ولا نستطيع اخذ رقم دقيق واحد منها نبني عليه خطة تساهم في الإصلاح. ومع هذا استمرت اللجنة في عملها رغم كل حملات التشويه والذبذبة التي تهدف إلى تعطيل “الكابيتال كونترول” وإبعاده عن المصارف، لانه يغربلها ويفضح الجيد منها من السيئ ويعيد هيكلتها بشكل أو بآخر، فتخرج البنوك غير القادرة وتبقى المليئة والتي تستطيع الإستجابة للتحديات الكثيرة”.
وبحسب المصدر “فإن كان هناك من يجب أن يُحمل مسؤولية الفشل والتعطيل ويحاسب فهي الحكومة. فصحيح أن اللجان النيابية تعمل بجد ونشاط، إلا ان النتائج التي ستخرج عنها قد تكون كارثية لافتقادها القدرة على الوصول إلى الأرقام والاحصاءات الدقيقة. فالمركزي لم يقدم مستنداً واحداً رسمياً، ولم يُجِب لغاية الساعة عن أسئلة لجنة المال والموازنة رغم تكرار السؤال له 3 مرات”. من هنا، “ليس عبثياً أن يكون من يعد الموازنة، وخطط الدعم، وسلسلة الرتب هي الحكومة وليس مجلس النواب. فالأخير إن لم يرفد بالأرقام والمعطيات الصحيحة والدقيقة، لا يملك القدرة لاعداد مشروع “الكابيتال الكونترول”، ولا القوانين والحسابات المالية ولا الإعتمادات الإستثنائية لبطاقة تمويلية. لانه في حال كانت الأرقام خاطئة فان نتيجة الإقرار ستكون كارثية”.
خيارات لجنة المال
تقع لجنة المال والموازنة النيابية تحت خيارين أحلاهما مرّ بالنسبة للإقتصاد في حال عدم تسلمها أرقام كلفة القانون من “المركزي” وجمعية المصارف، أو حتى في حال تسليمها أرقاماً مضخمة. الخيار الأول، التسليم بالتعطيل ومصارحة اللبنانيين بكل العقبات التي واجهتها في مراحل العمل. والثاني، العمل على إقرار المواد التي لا يوجد لها أثر مالي وتأجيل الإستثناءات والسحوبات إلى ان تتضح الصورة أكثر. إلا أن هذا لا يعني، بحسب المصدر، “إمكانية إحالة اقتراح القانون إلى لجنة الإدارة والعدل والهيئة العامة في هذا الشكل، لانه يكون عندها يخدم المصارف ويبرئ ذمتها ويحميها من دون أن يستفيد المودع بدولار واحد. وإن لم تكن هناك استفادة حقيقية للمودعين من هذا القانون فلن يبصر النور على أيدينا”.
“جلجلة” مواقف الكتل
إذا قدّر للجنة المال والموازنة إخراج اقتراح القانون سليماً وغير مشوه، فسيواجه في المرحلة الثانية “جلجلة” الهيئة العامة. فمهاجمة عضو كتلة التنمية والتحرير النائب أنور الخليل اقتراح القانون في الجلسة الأخيرة أثارت شكوكاً حقيقية من مواقف الكتل النيابية في حال طرح الإقتراح على التصويت. وعلى الرغم من تأكيد النائب أنور الخليل للنائب علي فياض أن موقفه شخصي، فقد ساد هرج ومرج في الجلسة، ليخرج أحد نواب الكتلة ويقول بالفم الملآن “منتبنى موقف الشيخ أنور”. وبالتالي فان التصويت عليه غير مضمون. وبحسب المصدر فان المشاريع عادة ما تأخذ موافقة كل النواب في اللجان الفرعية من ثم يتراجع بعضهم في اللجان المختصة، ليعود ويغير موقفه بشكل جذري في الهيئة العامة عندما تتظهر المواقف الحقيقية للاحزاب. وهذا ما حدث في قانون السرية المصرفية على سبيل المثال. حيث استبدلت كلمة تلغى السرية بـإيجاز إلغائها وتم ربط التطبيق بالهيئة الوطنية غير المعينة. ما يعني تطيير القانون وجعله غير قابل للتطبيق.
بعد نحو سنة و8 أشهر على انفجار الأزمة ما زال التخبط سيد الموقف. وبحسب مصادر اللجنة فان الكابيتال ما زال موجوداً والكونترول ضرورة وهو يشكل الخطوات الأولى لأي عملية إصلاح ستنفذ.