غسان ريفي – سفير الشمال
لم يعد لدى عهد الرئيس ميشال عون ما يقدمه الى شعب لبنان العظيم الذي يتجه بفعل السياسات الخاطئة للعودة الى العصر الحجري، مع التهديد الفعلي بالعتمة الشاملة نتيجة إنتهاء مخزون الفيول وعدم فتح إعتمادات جديدة لشرائه، وبإنقطاع المحروقات التي يصطف اللبنانيون في صفوف ذل يومية أمامها، وبفقدان الأدوية الذي ينذر بتعميم الموت في مجتمع المرضى، وإقفال المختبرات وبعض الأقسام في المستشفيات، فضلا عن أزمات الاقتصاد والمال والبطالة والفقر والجوع والغلاء الجنوني الذي يطير على جناح الدولار الأميركي الذي وصل تحليقه أمس الى 13 الف و200 ليرة و″لا مين شاف ولا مين دري″.
بات واضحا، أن لا حكومة في الأفق، ولا إمكانية للتأليف في ظل المتاريس السياسية المرفوعة بين المقرات المعنية بالملف الحكومي، ولا إعتذار في المدى المنظور، وإن بات واردا في ظل إنعدام آفاق الحلول وسقوط كل المبادرات، لكنه ينتظر الاخراج اللائق، بشكل لا يقدم من خلاله الرئيس المكلف سعد الحريري “هدايا” مجانية الى التيار الوطني الحر على حساب الطائف والدستور وصلاحيات رئاسة الحكومة.
كل ذلك يشير الى أن الانفجار بات حتميا، وأن خطوط العودة قد أقفلت، ولم يعد بمقدور “الدولة الفاشلة” تأمين أبسط مقومات العيش الكريم الذي سيفتش عنه اللبنانيون بالاعتماد على القوة حينا والواسطة أحيانا ما يعمم شريعة غاب بدأت بوادرها تظهر في الشوارع ويدفع ثمنها المواطن العادي المربك في كيفية مواجهة أزماته، في وقت يلتزم فيه المعنيون بتأليف الحكومة قصورهم ومراكزهم ويتطلعون الى عذابات وآلام اللبنانيين الذين لم يفكروا يوما في أن يأتي عهد يعيدهم الى هذا الذل الذي لم يعيشوه حتى في زمن الحرب.
أمام هذا الواقع، لم يعد أمام العهد إلا بيع الأوهام الى اللبنانيين، بدءا بالشعارات الباسيلية التي يحاول جبران من خلالها الحصول على الثلث المعطل في الحكومة، لجهة “الميثاقية ووحدة المعايير وإستعادة الحقوق والتمسك بالثوابت” التي يحاول من خلالها فريق العهد إيهام اللبنانيين بأنها تصب في مصلحتهم.
إضافة الى الحديث اليومي لرئيس الجمهورية أمام زواره وفي بعض التصريحات والبيانات بالسعي لبناء الدولة وتعزيز مؤسساتها ومكافحة الفساد والبدء بالاصلاحات وتعزيز الاقتصاد وتنشيط السياحة، وكأن عون يتحدث عن بلد آخر، حيث يعد أو يوهم اللبنانيين بالقيام بكل هذه الأمور وتسليم البلد أفضل مما كان، وهم ينتظرون بالساعات لتعبئة صفيحة بنزين ويفتشون في كل الصيدليات عن علبة حليب أطفال أو دواء فلا يجدون.
وكان آخر مسلسل الأوهام “عملية التفخيخ” التي تم التعاطي بها مع قرار مجلس شورى الدولة حول التعميم رقم 151 والذي كان يفضي الى إلزام المصارف بدفع أموال المودعين بالعملة الموجودة ضمن الحسابات، أي إعطائهم ودائعهم بالدولار، الأمر الذي إستغلته جمعية المصارف وأعلنت عن قرارها بدفع دولارات المودعين بالليرة اللبنانية وعلى سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة، وقد سارع مصرف لبنان الى مجاراة قرار مجلس شورى الدولة، بإعلانه تبني قرار جمعية المصارف.
لا يختلف إثنان على أن قرار مجلس شورى الدولة كان يصب في مصلحة المودعين، وبالتالي فإن المصارف لن تستطيع تنفيذ قرار دفع الأموال على السعر الرسمي خوفا من الغضب الشعبي الذي شهدت المناطق اللبنانية نموذجا منه في “ليلة الصرافات الآلية” التي إصطف المواطنون أمامها لتحصيل ما أمكن من مال.
في غضون ذلك، سارعت رئاسة الجمهورية الى التدخل من خلال “بروباغندا” إستدعاء رئيس مجلس شورى الدولة وحاكم مصرف لبنان لإعادة الأمور الى ما كانت عليه في محاولة واضحة لتبييض صفحتها أمام اللبنانيين الذين كان بمقدورهم رفع دعاوى على المصارف لالزامهم بدفع أموالهم بالدولار الأميركي بناء لقرار مجلس شورى الدولة.
في المقابل، ينشط النائب إبراهيم كنعان في العمل على خط ثان في محاولة من التيار الوطني الحر تسريع إقرار الكابيتال كونترول في مجلس النواب، في خطوة إضافية لتبييض صفحة العهد وتياره السياسي وإظهارهما بأنهما يمارسان الضغوطات لرد الأموال الى المودعين بإعطائهم 25 ألف دولار (فريش) و25 ألف دولار على سعر منصة الـ 12 ألف، مقسطة لسنوات لا أحد يعلم متى تنتهي.
أما التحويلات التي سيُفرج عنها “الكابيتال كونترول” فهي ستكون على مدار سنة واحدة أي سنة الانتخابات النيابية التي تحتاج زيادة في الشعبية، وبالتالي فإن ما يحصل اليوم هو بيع للناس من “كيسهم” ولا منّة فيه لأحد، خصوصا أن حسابات الحقل في كل ما يجري لا يمكن أن تتطابق مع حسابات البيدر، في ظل عدم توفر الاحتياطات بالعملات الأجنبية لدى المصارف، الأمر الذي سيكون له تداعيات سلبية جدا، وربما يسرّع في الانفجار، أو يحد منه في حال نجحت المصارف في إعطاء المودعين من “الجمل أذنه” ولفترة قصيرة..