جاء في صحيفة الديار : لا يبشّر مجرى الأحداث في لبنان في الآونة الأخيرة بالخير أو بامكانية الخروج من “عنق” الأزمة المستفحلة اقتصادياً ومعيشياً، لا بل تشير الأمور الى ان الانهيار الوشيك في عدد كبير من القطاعات والخدمات آتٍ في ظل تجاهل تام من قبل المعنيين بتشكيل الحكومة العتيدة لمعطيات مقلقة جداً عن قرب توقف معامل انتاج الكهرباء الواحد تلو الآخر عن العمل بعد تمنّع مصرف لبنان عن فتح اعتمادات لبواخر الفيول الراسية قبالة الشاطئ اللبناني، اضافة الى أزمة الأدوية المقطوعة والتي طالت تلك المرتبطة باصحاب الأمراض المزمنة والمستعصية من سرطان وغيره، ما يشكل تهديدا كبيرا للأمن الصحي الذي يوازي بأهميته تهديد وباء كورونا وأثره على المجتمع اللبناني، وهذا دون أن ننسى أزمة المحروقات والتي لا تطال فقط قطاع النقل وحركة المواطنين اليومية بل تتعدى مفاعيلها الى قطاعات رئيسية كالزراعة والصناعة والسياحة حيث لن يكون بمقدارها الاستمرار دون تلبية حاجاتها من المازوت والبنزين وباقي المشتقات.
المسار الحكومي معطل
بالعودة الى الوضع الحكومي المعطّل، وفي ظل هذا الوضع المأساوي اقتصادياً ومعيشياً، لا تزال الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة تمارس لعبة الشروط المتبادلة والمعطّلة لهذا المسار، وبالتحديد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس كتلة لبنان القوي النائب جبران باسيل والرئيس المكلف سعد الحريري. اذ كما اصبح معلوماً اصطدمت مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري باصرار عون-باسيل على تسمية الوزراء المسيحيين مقابل تأكيد الحريري على رفضه عدم وجود وزراء مسيحيين في كتلته الوزارية داخل الحكومة الموعودة. كما برز معطى جديدا في المسار الحكومي اثناء اجتماع باسيل في قصر بعبدا بكل من معاون أمين عام حزب الله حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا اضافة الى الوزير السابق علي حسين خليل عن حركة أمل، حيث فاجأ باسيل ممثلي الثنائي الشيعي برفضه اعطاء الثقة لحكومة الحريري حتى ولو حصل على مطالبه بتسمية الوزيرين المسيحيين ما دفع الوزير علي حسين الخليل الى الاستشاطة غضباً معتبراً هذا التوجه خارج عن اي منطق سياسي، وأن باسيل يضع العراقيل أمام مبادرة بري بهدف دفع الحريري الى الاعتذار.
من جهة أخرى، تساءلت مصادر مسيحية عن ما سمته “تسلط” الحريري على الحصة المسيحية عبر اصراره على تسمية وزيرين مسيحيين ضمن فريقه الوزاري، معتبرة ان الحريري يستضعف العهد ويحاول فرض شروطه على عون فيما هو لا يجرؤ على المطالبة بوزير “شيعي” ضمن حصته.
وقالت هذه المصادر أنه لو كانت نوايا الحريري “صافية” لكان طالب بأن تتضمن حصته الوزارية وزراء من مختلف الطوائف، كما اعتبرت ان عدد النواب المسيحيين في كتلة المستقبل النيابية لا تخوّله المطالبة بوزيرين مسيحيين من ضمن حصته.
الى ذلك اعتبر وزير في حكومة تصريف الأعمال، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في اتصالٍ مع الديار أن الرئيس المكلف سعد الحريري يتهيب تشكيل حكومة مهمتها التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ اجندته ومطالبه الغير شعبية، فيما الانتخابات النيابية المقبلة تبعد عشرة أشهر من الآن ما قد يتسبب بخسارة في حسابات الحريري السياسية والانتخابية من ناحية عدد المقاعد النيابية التي سيستحوذ عليها، خاصةً ان احصاءات اجريت مؤخراً أظهرت تراجع شعبية الأحزاب السياسية، فكيف الحال اذا طبقت حكومته اجراءات تقشفية قاسية وسياسات مالية واقتصادية غير مرغوبة شعبياً؟
ويضيف الوزير المستقيل عن أن الحريري استعمل المبادرة الفرنسية لاعادة تعويم نفسه سياسياً و”تبييض” صفحته مع المملكة العربية السعودية وهذا ما لم يحصل، بل اصيبت مساعيه لترميم علاقته بالرياض بفشل كبير. ويعتبر الوزير ان الحريري لا يريد التشكيل فهو اليوم في الموقع الأفضل له، اذ يمسك بورقة التكليف ولا قدرة لأحد لنزعها منه وفي الوقت نفسه يصور نفسه على انه معارض ما يكسبه تعاطف شعبي، ليختم الوزير انه على الأرجح سوف يكون من نصيب حكومة تصريف الأعمال الإشراف على الانتخابات المقبلة في حال حصولها.
الهجرة الكثيفة
وقالت مصادر كنسية للديار أن وتيرة الهجرة لدى الطوائف المسيحية بلغت أرقاماً مخيفة، وأشارت المصادر أن طلبات الهجرة الى الخارج ازدادت بشكل مهول بعد انفجار 4 آب وأن شكل الهجرة هذه المرة مغاير عن سابقاتها، حيث في الماضي كان ربّ العائلة أو المعيل يهاجر لتأمين معيشة عائلته في لبنان بينما اليوم تقول المصادر “نشهد هجرة عائلات بكامل أفرادها مع بيع منازلها او قسم كبير من ممتلكاتها ما يهدد بافراغ بلدات ومدن من مسيحييها في حال بقيت الوتيرة على ما هي عليه.
غياب الأدوية والمستلزمات الطبية
وفي ظل هذه الصورة السوداوية حكومياً، بدأت الأزمات تتعاظم الواحدة تلو الأخرى بما ينذر بانهيار كبير ينتظر الدولة واللبنانيين، فلقد لفت مدير مستشفى بيروت الحكومي فراس الأبيض، إلى ان “عدم الوضوح والتردد في سياسة دعم المستلزمات الطبية أدى إلى نقص حاد وغير مسبوق في المستشفيات، مما يؤثر الآن حتى على الخدمات الطبية الأساسية. إذا لم يتم ايجاد حلول قريبًا، فستكون التداعيات كثيرة وعلى مستويات مختلفة.”
فيما غرّد رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي على “تويتر” قائلاً: الأدوية والمستلزمات المحجوزة بمستودعات المستوردين تمثل (70%) من حاجة السوق منهم (87) دواء للأمراض السرطانية والمستعصية الحل ان يتم الافراج عنها بقرار من الدولة وتوزع على الصيدليات وتحفظ حقوق المستوردين بعد التحقق من صدقية فواتيرهم وان يصدر وعد من مصرف لبنان بدفع الدعم لاحقآ.
شح المحروقات والتقنين في الكهرباء
كذلك في ما خص المحروقات، لا تزال مشاهد الطوابير أمام محطات الوقود تتصدر المشهد في ظل معلومات عن تقليص عدد الاعتمادات المفتوحة من قبل مصرف لبنان لاستيراد المشتقات النفطية. أما في الكهرباء، فتنذر الأمور الى تقنين كبير حيث قالت مؤسسة كهرباء لبنان أن الطلب هذا الصيف سيبلغ 3500 ميغاوات بينما الانتاج لا يتعدى الـ 600 ميغاوات حيث ستحصل مدينة بيروت على 6 الى 8 ساعات من التغذية، بينما بقية المناطق تعطى بين 2 و 4 ساعات من التيار الكهربائي يومياً.
وفي الاطار نفسه قال رئيس تجمع المولدات الكهربائية عبدو سعاده في تصريح صحفي إلى أن “في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي وشحّ المازوت سيعدّ التجمّع برنامج تقنين بمعدّل يتراوح ما بين الـ 4 والـ 5 ساعات، يعمم على المشتركين الأسبوع المقبل، رغم عدم رغبتنا بذلك إلا أن لا خيار آخر أمامنا”. وأضاف: “نعاني صعوبة في الجباية ونسبة كبيرة من المشتركين عاجزة عن تسديد الفواتير. والخطر الأكبر متمثّل في حال رفع الدعم عن المازوت ما سيؤدّي إلى ارتفاع التسعيرة 4 أضعاف، وهي مرتبطة بسعر المازوت وسعر الصرف دولار وساعات القطع. وكلّما زادت ساعات القطع تضرّر أصحاب المولّدات”.
من جهتها، أعلنت المديرية العامة للنفط، في بيان، أن “بعض القيمين على قطاع المولدات الكهربائية يطالعنا يوميا بفقدان مادة المازوت لتزويد حاجة المولدات، واستخدام هذه الحجة مطيّة للاعلان عن خفض التغذية وبرنامج تقنين.
وأضافت المديرية ان عدد شركات التوزيع التي تستلم المادة هي في حدود 200 شركة موزعة على المناطق كافة، وبالسعر الرسمي الوارد في جدول تركيب الاسعار الصادر عن وزارة الطاقة والمياه ووفق نظام حصص يتم مناقشته واقراره بناء على الطلب والعرض وحاجة السوق. كما أن كل المؤشرات المتوافرة لدينا تؤكد إشباع السوق بالمازوت، اذ أن منشآت النفط في طرابلس والزهراني وحدها زودت السوق اللبنانية كافة بعشرين مليون ليتر من مادة المازوت لهذا الأسبوع.