عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
بات طرح إسم سعد الحريري في قصر بعبدا سبباً في إثارة جو عارم من السخط!
مردّ ذلك إلى تمادي الحريري في استخدام العبارات”المتدنّية جداً” في حملاته الموجّهة نحو “العونيين”، والتي تنمّ عن حالة من العداء المفرط التي تجاوزت أصول الخلاف السياسي. نشوء السخط بات يُعدّ في الظرف الراهن “حالة مرضية” تجتاح كافة الصروح، وما ينطبق على الحريري في بعبدا ينطبق على الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل في عين التينة ووادي أبو جميل وسواها.
ما يُعزّز ذلك، التوتّر المُستجدّ الذي ساد بعبدا وعين التينة منذ حوالي أسبوع. لقد تعمّق خلال الساعات الـ48 الماضية على نحوٍ مقلق للغاية، من خلال تحوّله إلى تراشق إعلامي “مستتر”، دفع أولاً برئيس المجلس نبيه بري إلى توجيه رسائل إلى قصر بعبدا عبر قناة “الميادين”، سرعان ما ردّ عليها الأخير ببيان ـ موقف – طال به مقر الرئاسة الثانية أكثر مما طال “وكر” الإشتباك الأساس المتموضع في بيت الوسط، سيّما حين اتهمها بـ”التدخل في عملية التأليف” من خارج الدستور.
ما دفع إلى تأجيج المشاعر بين بعبدا وعين التينة، إخطار الأولى من قبل معنيين بأن بري بات قائماً أصيلاً على وضعية الحريري الحكومية، بعدما مارس الأخير وكالته التعطيلية وفرغ منها. وبهذا المعنى، نما شعور لدى القصر يسوده اعتقاد بأن عين التينة هي المتسبّب الرئيسي، بكبح الحريري عن الإعتذار بعدما نزعه من جيبه ووضعه على الطاولة، وهذا يعني أن برّي يتعمّد تمديد مفاعيل الأزمة التي تُستخدم بغرض تشويه صورة العهد، والمزايدة على قاعدة أنه المسؤول عن حالة الإنهيار وفقدان الأمل بتأليف حكومة، وبالتالي، تُصبح عين التينة طرفاً ومبادرتها ساقطة. على المقلب الآخر، يحتلّ عين التينة الشعور بأن جبران باسيل يتحلّى بصفات تعطيلية كثيرة، من بينها نسف “الإيجابيات” التي تمخّضت عن اجتماعات “الخليلين”. وبهذا المعنى، وحين أدرك باسيل إمكانيات الحلّ “نوعاً ما”، بادر الى إستفزاز بيت الوسط، ومن ثم “وَثب” نحو عين التينة لإسقاط أي إمكانية للحلول!
عملياً، لم يبقَ من مبادرة الرئيس برّي، سوى أنه يفرض على الحريري تأجيل اعتذاره. بري، وعلى ما يبدو، يتوجّس من احتمال عدم الإتفاق على رئيس مكلّف بديل ما دام الحريري قد خرج “زعلاناً” ولا يربطه شيء بالعهد، وهذا يقود إلى تبرير عين التينة بأنها “تفرض” على الحريري التريّث لأمرين: إما إقناعه وبعبدا بتوفير أجواء توحي بالثقة لتبادل الأفكار الحكومية، أو – وإن كان وقوع الواقع محتماً – أن يجري تأمين اتفاق “شفهي” يقضي بالتزام الحريري تبنّي تسمية خلف له، وهو ما تراه أوساط متابعة بـ”الأمر المحال نظرياً”.
وعلى الأعمّ الأغلب، بات الحريري، وفي الواقع، يجد عملة رائجة في رفع بيان الإعتذار وإسقاطه في كل مرّة يعتبر نفسه مزروكاً، إذ أن تبادل الرفع والإنزال دورياً يعود عليه بأثمان وفوائد من قبيل تعزيز وضعيته كما جرى في دار الفتوى السبت، وهو تعزيز مريب لأنه يأتي تسليحاً في وجه ميشال عون وتزخيماً ومداً حيوياً في المواجهة ضده، وليس نابعاً من دفع بغرض تأليف الحكومة إطلاقاً.
على أي حال، بلغ قصر بعبدا خلال الساعات الماضية، أن رئيس الحكومة المكلّف في صدد التوجّه إليه مدعّماً بتشكيلة حكومية من 24 وزيراً، ليس لمناقشتها، إنما لتقديمها على قاعدة “لقد فوّضت أمري”، على غرار ما فعل خلال الشتاء الماضي، حين وضع في عهدة عون تشكيلة أولى من عيار 18 قيراطاً. يبقى أن تلك المزاعم لم تركن إلى معلومات حقيقية سوى تسريبات تُنقل عبر وسائل الإعلام. والإعتقاد السائد حالياً أنها كناية عن حفنة من الترّهات التي يُقصد من خلالها “توليع المشهد السياسي”، أكثر مما هو ملتهب.
ثمة إدراك حقيقي بأن الحريري الذي وضع صلاحية توقيت اختيار اعتذاره في عهدة عين التينة، التي ضمنت أن تلتزم بذلك ضمن مهلة قصيرة ومحدّدة، لن تبلغ أكثر من أسبوع في ظل إعادة بري حقن حراكه بجرعة تزيد مدة صلاحيتها ، لن يفرّط بما حقّقه من نتائج سياسية نالها من خلال إقحام دار الإفتاء بعمق المشهد، وبهذا المعنى، تلقى الحريري نصيحةً بأن امتثاله لعرض تقديم حكومة إلى عون، هو أقرب إلى حكومة “الأمر الواقع”، تمثّل “فاولاً” سياسياً سينجح “التيار” سريعاً في الإستفادة منه على قاعدة أن الحريري لا مقصد له من وراء ذلك سوى “زَرك” قصر بعبدا ودفعه نحو المواجهة وإظهاره كمعرقل، وهذا إنما سيرتدّ سلباً على الحريري الذي سيظهر بمظهر “معدّ الكمائن”، وليس مؤلف حكومات!
بهذا المعنى، لن يغدو الحريري “عقرباً متحرّكاً” يسير بإتجاه قصر بعبدا، تماماً كما أنه بات في صورة أن تقديمه اعتذاره سينمّ عن أثمان سياسية قد يحقّقها قصر بعبدا، لو أن قراءة آخرين كـ”حزب الله” مثلاً، توحي بانطباع أن تقديم الحريري لاعتذاره سيدخل البلاد في فوضى عارمة، وما معارضة “الحزب” لهذا الخيار، إنما يأتي انطلاقاً من قاعدة أنه لن يوفّر ظروف “فوضى” في الشارع لعلمه المسبق بأنها سترتد عليه وعلى بيئته.
بناءاً عليه، طار الإعتذار أقلّه أسبوعاً، على قاعدة البحث عن مخارج. السائد حتى الآن، أن فكرة الإعتذار انتُزعت من ذهن الحريري. وفي حالة الركون إلى مبدأ المفاضلة، يعتقد كثيرون أن بقاء الحريري على تكليفه ولو بالدرجة الحالية مبقياً على تجميد الإعتذار مقابل “الركّ” بالحد الادنى على حكومة تصريف الأعمال، لهو أفضل من الدخول في حالة من الفراغ، لن تؤدي لاحقاً إلى تسمية أي مكلّف بعدما اقتضى الأمر إغلاق دار الفتوى لأبواب التسميات والمرشّحين.
خلاصته: البلد باقٍ في حالة شلل، إلى أن تقتضي الإنتخابات أمراً كان مفعولاً.