رجاء الخطيب – الديار
قد يكون ما يميّز لبنان ويجذب السيّاح إليه من أقاصي الأرض تضعضع، ولكن مطار هذا البلد الصغير لا يهدأ حتى في أعتى أزمة اقتصادية نعيشها اليوم، وصنفها البنك الدولي من أقسى الأزمات اقتصادية حول العالم.
إن السياسات الاقتصادية والريعية التي حكمت لبنان، وأوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، لم تكن لتصمد كل هذا الزمن لولا أن لبنان بلد يتغذى على القطاع السياحي والخدماتي مقابل قطاع إنتاج شبه لا يعمل.
كانت جائحة كورونا وتبعاتها من إقفال المطارات والحد من حركة المسافرين، الشعرة التي قصمت ظهر البعير في لبنان، خصوصاً وأنها حصلت في خضم الانهيار وتدهور العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي.
عانى بعد ذلك قطاع السياحة بشكل عام والفنادق بشكل خاص، من تعثرات وصعوبات كادت أن تودي به بشكل نهائي حيث أعلن «البريستول» خبر اغلاقه العام المنصرم، و كان قد سبقه «الحبتور» و «غابريال» و «مونرو» و «رمادا» وغيرها.
مع انخفاض أعداد كورونا في لبنان واعلان وزارة الصحة العامة الفرنسية أن «فرنسا أدرجت لبنان في قائمة الدول الخضراء في تصنيفها المستند إلى المؤشرات الصحية، والذي سجل التراجع الحاصل في نسبة التفشي الوبائي في لبنان وعدم تسجيل متحورات خطرة للفيروس»، علمًا أن قائمة التصنيف الواردة على الموقع الرسمي للحكومة الفرنسية تبدأ من البلدان الخضراء الأقل خطرًا وتتدرج صعودا باتجاه البرتقالي فالأحمر، وبالتزامن مع شبه العودة للحياة الطبيعية في بعض المناطق اللبنانية، ومع التشجيع على السياحة الداخلية، وحثّ المغتربين على زيارة أهلهم هذا الصيف لدعم صمود الوطن، شهد القطاع بعض الانتعاش.
في خضم هذه المؤشرات الإيجابية والجهود الحثيثة، كان لا بد للدولة أن تلعب كما دائماً، دور مفسد المسرات، فبرزت أزمة الكهرباء والمازوت والتهديد بالعتمة الشاملة تنغيصاً لأي بصيص أمل قد يشهده هذا القطاع، فما هو حاله فعلياً؟ وماذا عن مقومات صموده؟
نقيب أصحاب الفنادق السيد بيار الأشقر اكد لـ «الديار» أن أزمة إنقطاع الكهرباء يتعايش معها القطاع منذ ٣٠ عاماً بمعدل ١٦ الى ١٨ ساعة في اليوم، وحاليا مع زيادة ٦ ساعات إضافية، بلغ القطع ٢٠ لى ٢٢ ساعة، واشار الى أن الفنادق التي تملك ٥٠ غرفة فما فوق، لا تعتمد نظام الاشتراكات وتمتلك مولدات خاصة بها، وفي بعض الحالات هناك فنادق تمتلك أكثر من مولد تفادياً لأي خلل أو أعمال صيانة مفاجئة، خصوصاً وأن نوعية الخدمات المقدمة لا تحتمل أي انقطاع للكهرباء، حيث ان الارتفاع المستمر في تكلفة المازوت يؤثر وينعكس على الفاتورة الفندقية بطبيعة الحال.
اما عن السيناريو الأسوأ في موضوع العتمة، لفت الأشقر الى أن الفنادق ليست بمعزل أو بمأمن في حال حدوث الكارثة، مؤكداً أن هناك بعض عمليات التخزين المحدودة التي تقوم بها بعض الفنادق، مجبورة، ولكنها تبقى غير كافية ولا تغطي سوى بضعة أيام لا تتعدى العشرين يوم في أفضل الحالات.
فضّل الأشقر التحلي ببعض الإيجابية والتفاؤل رغم سوداوية المشهد وعدم الاكتراث لمشاكل وقضايا هذا القطاع على مدى عقود من الزمن. تفاؤله هذا متأتٍ عن حجوزات للمغتربين اللبنانيين من الخليج العربي وافريقيا تحديداً والذين عادةً ما يزورون لبنان مرتين في العام، بالإضافة إلى اللبنانيين من الطبقة المتوسطة والذين استعاضوا عن سفراتهم إلى اليونان وتركيا وما إلى ذلك، بالمكوث في لبنان وممارسة السياحة الداخلية.
إذاً هي الدولة نفسها، بفسادها نفسه، تجهض مجدداً أي محاولة للتنفس أو النهوض، مجهزة على اولادها دون أن يرف لها جفن. لا أحد يهتم فعلياً بإيجاد حل مستدام لأزمة الكهرباء ولا أحد ينظر في خطورة وأبعاد الأزمة وانعكاساتها الكارثية على كافة القطاعات المنتجة وحتى غير المنتجة في البلاد. فبينما يترنح مواطنو هذا البلد على شفير الموت المظلم، تتصرف أقطاب الحكم كالطفل المدلل الذي يعلم أنه مهما تمادى في أفعاله فان أحداً لن ينال منه ولو حتى بضربة كف!