ما إن أعلن الاتحاد العمالي العام الإضراب اليوم، حتى بدأت أحزاب السلطة الحاكمة وأدواتها تعلن تباعاً الانضمام إليه. في بياناتها، لم يكُن ينقص سوى أن ترفَع شعارات ضد الشعب كأنه هو المسؤول عن عدم تشكيل الحكومة أو سياسات الانهيار. وفي انتظار ما ستؤول إليه معركة «الميدان» اليوم، كانَ الحدث أمس حرب «الأمر لي» التي اندلعت بين الرئيسَين ميشال عون ونبيه بري
البيانات المتبادلة بين الرئاستين الأولى والثانية، أمس، تنبئ بأن الأمور تتجه نحو مراحل أشدّ ظلاماً. طُويت صفحة مبادرة الرئيس نبيه بري، رُغم التأكيد أنها «مستمرة». غادَر الجميع طاولة التفاوض، وعادَ كل طرف إلى موقِعه لتبدأ اليوم لعبة جديدة مفتوحة على مزيد من التناحر في السياسة، كما في الشارِع الذي ستنفجِر فيه القلوب المليانة غضباً ضد «العهد».
اليوم، سيخرج الجميع من ساحة تبريد النفوس إلى ميادين التوتير، حيث ستدور المعركة بلا قفازات بينَ أقطاب الصراع الحاد. وسيكون المشهد سوريالياً بعدما أعلنت المنظومة الحاكمة بغالبية أحزابها وأدواتها ونقاباتها الإضراب العام مستترة خلفَ عناوين اقتصادية واجتماعية للضغط من أجل «تشكيل حكومة إنقاذ». اليوم، سينزل المُذنبون والمرتكبون والمسؤولون عن انهيار البلد، وشركاء جريمة سرقة أموال الناس وتجويعهم وإذلالهم جميعهم كجبهة واحدة للمطالبة بوضع حدّ للأزمة.
فالإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام، سرعان ما فتحَ سباقاً ستشارك فيه أطراف في السلطة ضد أطراف أخرى في السلطة نفسها، ما يطرح السؤال عن مدى انفلات الأمور على الأرض وانزلاقها إلى أعمال شغب على شكل قطع طرقات وحرق دواليب وتخريب، وعن سقف التمادي في استخدام الشارع. فهل تكون رسالة سريعة وخاطفة بأن البديل من النقاش هو قلب الطاولة على رؤوس الجميع؟ هل التحرّك التصاعدي الذي سينطلِق سيواكب بتحركات أخرى تترجَم بفوضى عارمة في حرب «الأمر لي» بينَ بعبدا وعين التينة؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ستتظهّر خلال ساعات النهار، حين تنكشِف خطة عرّابي الإضراب أي «حركة أمل» و«تيار المستقبل» بالشراكة مع كل خصوم الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحرّ، الذي بدوره دعا الى الالتزام بدعوة الاتحاد «تحت شعار الإسراع وعدم التلكّؤ في تأليف حكومة فوراً» في صورة تدعو إلى الدهشة! أما المنضمّون الى حفلة «الخوات»: جمعية المصارف التي أعلنت أنها ستقفل أبوابها اليوم، بالإضافة إلى نقابات عمال من بينها متعهّدو الشحن في المرفأ، مستخدمو منشآت النفط في الزهراني، ومستخدمو وعمال شركة طيران الشرق الأوسط والشركات التابعة.
توقفت الاتصالات السياسية وحلّ مكانها تراشق البيانات
وكانَ تيار «المستقبل» قد أصدرَ بياناً صباح أمس دعا فيه إلى الانضمام إلى الإضراب «في وجه كل من يستثمر في الانهيار لتحقيق مصالحه الضيقة من حساب الشعب اللبناني».
وعشية الإضراب، توقفت الاتصالات السياسية، وحلّ مكانها تراشق البيانات بين بعبدا وعين التينة. فبعد بيان رئاسة الجمهورية، أول من أمس، أوضح برّي أن «من حقي أن أحاول بناءً على طلب رئيس الحكومة المكلف أن أساعده في أي مبادرة قد يتوصل إليها»، وأضاف «أنتم تقولون: لا نريد سعد الحريري رئيساً للحكومة. هذا ليس من حقكم، وقرار تكليفه ليس منكم، والمجلس النيابي قال كلمته مدوّية جواب رسالتكم إليه». ورداً على الردّ، أصدر القصر الجمهوري بياناً رأى فيه أن «بري أسقط عنه صفة الوسيط وجعله طرفاً لا يستطيع أن يعطي لنفسه حق التحرك باسم الشعب اللبناني». واستُكمل التراشق بموقف لبرّي عبر مكتبه الإعلامي قال فيه «لنا الرغبة أن نصدق ما ذهبتم إليه إذا كنتم أنتم تصدقونه، مذكّرين إياكم بأن فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون هو صاحب القول بعدم أحقيّة الرئيس ميشال سليمان بأيّ حقيبة وزارية». فكانَ جواب بعبدا أن «سليمان لم يكن يحظى بدعم وتأييد أكبر كتلة نيابية. ومع ذلك أعطي على الأقل ثلاثة وزراء في الحكومات». فأجاب مكتب الرئيس برّي بشكل مقتضب «طالما الأمر كذلك، لماذا أعلن التكتل أنه لن يشارك ولن يعطي الثقة؟».
وكانَ بري قد التقى النائب وليد جنبلاط لمدة نصف ساعة في عين التينة، وخرج الأخير من دون الإدلاء بأي تصريح. وقالت مصادر مطّلعة إن «الاجتماع كان بهدف تنسيق الموقف والاستيضاح من الرئيس بري عن الأسباب التي أدّت إلى وصول الأمور الى ما هي عليه الآن». بينما لفتت مصادر سياسية مطّلعة على الأجواء الى أن «بري لم يكُن متحمّساً للإضراب»، نافية ما يقال عن أنه الجهة المُحرّكة. وأشارت إلى أن «التحليلات عن الإضراب مبالغ فيها ولن تؤدي الى انفجار في الشارع»، مؤكدة أن «المبادرة لم تمُت، فهي عبارة عن مبادئ عامة المطلوب الالتزام بها، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للوصول الى حل». بدورها، استغربت مصادر 8 آذار «انضمام أحزاب السلطة الى الإضراب، والحديث عن حكومة إنقاذ»، قائلة «يخرجون ويحاضرون بأحوال العامّة وينتقدون الفساد ويدعون الى حكومة إنقاذ، فلماذا لا يذهبون إلى تأليف حكومة والقيام بإصلاحات سريعة تعالج الانهيار، لكنهم بدلاً من ذلِك يثورون في الشارع. ضدّ من يفعلون ذلِك؟ ضدّ أنفسهم فهم المنظومة الحاكمة. هذا اسمه تقريق على الناس».