السبت, نوفمبر 23
Banner

«الحالة تعباني… ودوا ما في»

سابين الأشقر – الديار

«أسوأ حياة في العالم»… ليسَ بغريبٍ أن يُصنِّف الّلبنانيّون حياتهم بـ»السيّئة» لا بل «الأسوأ»، في حين أنّ 4 في المئة فقط من الّلبنانيّين صنّفوا حياتهم بشكلٍ ايجابيّ بحسب مؤشّر «غالوب» العالميّ، الّذي من جهته اعتبرَ أنّها أسوأ نتيجة في سجلِّهِ لأيّ بلدٍ على الإطلاق. دراسة «غالوب» أتت بنتائجها الصادمة عام 2020، أي قبل استفحال الأزمة الإقتصاديّة وزيادة حدّة تفشّي وباء كورونا، والضغط النفسي من الحجر المنزلي وما ترافق من طردٍ تعسّفي وخفضٍ للأجور، ومن ثمّ كارثة انفجار المرفأ.

أمام هذا الواقع وبسبب «الإكتئاب الجماعي» الّذي طالَ الّلبنانيّين، بات الطلب على مهدّئات وأدوية الأعصاب يزداد وباتت أدوية الأعصاب من أوّل الأدوية الّتي فُقِدَت من الصيدليّات الّلبنانيّة، فهل من بديلٍ عنها؟ كيف يُبرِّر علم النفس ازدياد الطلب على الأدوية المهدّئة والحالة النفسيّة لدى الّلبنانيّين؟ وما علاقة الإكتئاب بالتدخين لدى الّلبنانيّين عموماً والشّباب خصوصاً؟

يوضح نقيب الصيادلة غسّان الأمين، أنّ «أصنافاً عديدة من الأدوية لم تَعُد موجودة على رفوف الصيدليّات وعلى رأسها أصناف للأمراض المزمنة كأدوية الأعصاب».

يقول الأمين «أدوية الأعصاب والمهدّئات من أوّل الأدوية التي فُقِدَت من الصيدليّات اللبنانيّة، إذ وضع البلد غير طبيعي وحالات الإكتئاب والأعصاب قد ازدادت، ما زاد بدوره الطلب على الأدوية». ويُتابع «ليسَ من بديلٍ عن أدوية الأعصاب المفقودة، فنحنُ لا نعتمد على أدوية الجينيريك وإذا استمرّ الوضع بهذا السوء فشهرٌ يفصلنا عن توقّف البلدان المصدّرة عن تصدير الأدوية إلى لبنان».

تُشير المعالجة النفسيّة د. زينة بو خير معوّض، إلى أنّ «الإكتئاب في لبنان ازداد بسبب زيادة «العوامل الخارجيّة المؤدّية للقلق» أو «Anxiety Factors» منها عدم الإستقرار الماديّ، السياسيّ، الأمنيّ والإجتماعيّ، فَمَن كان لا يُعاني من أيّة أعراض فرضت عليه الظروف الّتي يمرُّ بها البلد أن يشعرَ بالقلق والإكتئاب، أمّا الأشخاص الّذين كانوا يُعانون من الأمراض النفسيّة سابقاً فهم أيضاً تأثّروا بفعل هذه العوامل لذلك ازداد الطلب على الأدوية المهدّئة وأدوية الأعصاب».

بحسب مؤشّر «غالوب»، ارتفعت نسبة القلق لتبلغ 43 في المئة، أي حاليّاً وبفعل ما مرّ به البلد في السنتين السابقتين فيمكن الحديث بحسب د. بو خير عن «القلق الجماعي» أو «Collective Anxiety».

تقول د. بو خير بما يتعلّق بفقدان الأدوية من الصيدليّات وحالة الإكتئاب الجماعي الّتي طالت الّلبنانيّين أنّ «المخاطر قد تنعكس على الأشخاص الّذين يُعانون من الإكتئاب ما قد يؤدّي إلى الإنعزال وقد تصل نتائجها إلى الكآبة، القلق والعدوانيّة عن غير نيّة لإلحاق الأذى، وهذا ما نلاحظهُ اليوم في الطوابير أثناء الإنتظار على محطّات الوقود».

تشير د. بو خير إلى أنّ «هناك فئة تعي أنّ تصرّفاتها قد تغيّرت، وأنّها غير قادرة على السيطرة عليها، فتقصد المعالج النفسي. أمّا الفئة الأُخرى فهي الّتي تأثّرت بفعل العوامل المؤدّية للقلق نتيجةً للأوضاع العصيبة الّتي يمرّ بها البلد، لكنّها لا تعي أنّها فعلاً قد تأثّرت إزاء تلك العوامل، ما يعني أنّها لن تقصد المعالج النفسي ما يستدعي القلق في حال استمرّت بحالة الإكتئاب والعصبيّة عينها». وتُتابع: «إنّ المشكلة الأكبر الّتي قد تنتج عن فقدان الأدوية هي على الأشخاص المصابين بأمراض نفسيّة خطيرة مثل «الذُّهان»، فهم لا يتأثّرون بالعالم الخارجي وأوضاع البلد ولكن في حال عدم ايجاد الدواء قد تنعكس المشكلة على صحّتهم كأفراد، فيمكنها أن تؤدّي إلى الإنتحار، كما وعلى عائلاتهم وعلى المجتمع من حيث زيادة العنف والعدوانيّة والجرائم الّتي قد تنتج عنها».

تؤكّد د. بو خير أنّ «المعالجة النفسيّة قد تكون «خير علاج» من دون أدوية إذا كانت حالة الإكتئاب طفيفة، ما فقد يكون بديلاً عن الدواء الّذي بات «مفقوداً» في الوقت الراهن. لكن ومن جهة أخرى إنّ كلفة العلاج النفسي باتت باهظة، فبتنا كمعالجين نفسيّين نشعر أنّ العلاج النفسي بات من حقّ طبقة أو شريحة معيّنة من الّلبنانيّين في حين أنّ الشريحة الأخرى لا تستطيع تأمين تكلفة العلاج النفسي بعد تدهور الوضع الإقتصادي وقيمة الليرة مقابل الدولار». عاملٌ آخر مُساهِم بعدم التّردد لدى المُعالج النفسي بحسب د. بو خير وهو «وَصمَة المجتمع في بعض المناطق والمُدن؛ «شدّ حالك شوي وبيمشي الحال» هذا ما تتوصّل إليه بعض العائلات الّتي ترى «العيب» بالتردّد لدى مُعالجٍ نفسي».

بحسب ما تُلاحظهُ د. بو خير في عيادتها يوميّاً أنّ «الإكتئاب العائلي» أو «Familial Anxiety» أيضاً قد ازداد، على سبيل المثال إذا خسر الوالد عملهُ قد يؤثّر ذلك على الإكتئاب لدى الولد، إضافةً إلى أنّ الفئة العمريّة ما بين فترة المراهقة والعقد الثاني والثالث من العمر تواجهُ عقبةً كبيرةً في اختيار اختصاصها الجامعي، وفي تقرير مصيرها بسبب الوضع الإقتصادي المُنعدم. لذلك بحثاً عن الراحة النفسيّة، في المرحلة الأولى يلجأ المُراهقون إلى التدخين لما يوفّرهُ النيكوتين من شعورٍ بالراحة، ليُصبح في ما بعد تعلّقاً شديداً وإدماناً». في هذا السياق تُشير الإحصاءات الأخيرة أنّ «مليونَين و200 ألف علبة سجائر تُباع في اليوم الواحد في لبنان وهذا الرقم كان يسجَّل قبل أزمة كورونا»، بحسب مدير البرنامج الوطني للحدّ من التدخين في وزارة الصحة فادي سنان. ووفقاً لآخر إصدار من «المسح العالمي لصحة الطلاب في المدارس الّلبنانيّة» إنّ «32.9 في المئة من الإناث و40.9 في المئة من الذكور، الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة، هم مدخّنون حاليّون أي بمعدّل أكثر من 36 في المئة من إجمالي القاصرين».

إزاء هذا الواقع النفسي، هل سيعتاد المواطن الّلبناني على «حالة الإكتئاب الجماعيّة» الّتي يعيشُها والاستسلام لفقدان الأدوية أو حان الوقت لانفجار جماعيٍّ؟

Leave A Reply