سابين عويس – النهار
في يده، يمسك الدستور، وفي عقله المفعم بحنكة ودهاء سياسيين اصبحا نادرين هذه الايام، يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري ان يتجاوز المناورات السياسية التي تستهدف مبادرته، سعياً الى اسقاطها، ليس لشيء إلا لإدراكه ان الأهداف الحقيقية وراء تلك المناورات ليست المبادرة في حد ذاتها، بل الرئيس المكلف سعد الحريري، والحكومة الغارقة في مخاض ولادة عسير.
لا تختلف قراءة رئيس المجلس للمعطيات المتصلة بالأوضاع العامة او بالملف الحكومي اليوم، عما كانت عليه قبل ايام. والقصد ان السقوف العالية التي رفعها رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل يوم الأحد، مستهدفاً المبادرة ومستنجداً بالأمين العام لـ”حزب الله” للحفاظ على “الوجود المسيحي”، لم تغير في تلك القراءة، بل زادت تلك السقوف بري اقتناعاً بما هو مقتنع به أصلاً بأن باسيل لا يريد الحريري ولا يريد حكومة.
قد يكون المعطى الوحيد الذي استجد لدى بري هو ما سمعه من ممثل المفوضية الأوروبية قبل ايام، والذي تقاطع مع هواجس بري حيال خطورة الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والحاجة الملحّة الى حكومة جديدة قادرة على الذهاب الى برنامج مع صندوق النقد الدولي لإخراج لبنان من الانهيار.
بري المتوجس من الخطر الامني الذي يتهدد البلاد اذا استمرت حال التفلت الراهنة، مقتنع بأنها لا تحتمل اكثر من ثلاثة الى أربعة اشهر في حد أقصى قبل ان تخرج الامور كلياً عن السيطرة.
أياً تكن الاسئلة التي نتوجه بها الى رئيس المجلس حول السيناريوات التي تنتظر البلاد في حال تعذّر تأليف الحكومة، تدور الاجوبة لتصب عند التأليف. ذلك ان لا حل بالنسبة الى الرجل لاستعادة الثقة ووقف الانهيار إلا بحكومة جديدة، ودائماً برئاسة الحريري، في اشارة الى تمسكه بالرئيس المكلف، بعدما وضع الاخير مصير تكليفه بين يديه.
لا تخفي عينا بري عتباً قديماً على الحريري، خصوصاً وهو يستعيد بالذاكرة بعض المحطات التي قدم فيها للرجل “لبن العصفور”، ومع ذلك تركه. لكنه في الوقت عينه صاحب مقولة ان في السياسة لا عداوات بل خصومة سرعان ما يتراجع عنها رجل الدولة لمصلحة البلد. ثم يستطرد متسائلاً: مَن يمثل السنّة اليوم؟ هذا واقع على جميع القوى الاعتراف به.
تعود الذاكرة ببري ايضا الى مبادراته الاولى ثم الثانية فالثالثة والاخيرة التي نجح من خلالها في تلبية مطلب رئيس الجمهورية برفع التشكيلة من 18 الى 24، وان تكون تسمية وزير الداخلية من الرئيس. ووافق الحريري، وكان الرئيس راضياً الى ان برزت عقدة تسمية وزيرين مسيحيين التي لا تزال قائمة حتى اليوم.
اما مسألة توزيع الحكومة على ثلاث ثمانيات فلها عند صاحب المبادرة حكاية اخرى، هي ربما تيمّناً بتلة 888 حيث كان مركز الجنرال عون في سوق الغرب! يستغرب بري الطرح مشيرا الى ان الفريق الوحيد الذي سيحظى بـ 8 وزراء هو فريق العهد. فلا الشيعة لديهم اكثر من خمسة وزراء ولا السنّة كذلك. حتى الحريري اذا حصل على الوزراء السنّة مع وزيرين مسيحيين يصبح لديه سبعة وزراء وليس ثمانية. وحده فريق العهد سيكون لديه ستة وزراء مسيحيين وواحد طاشناق وواحد درزي، ويصر على اثنين بعد ليصبح العدد 10!
يتذكر بري تسمية الوزيرين الشيعيين، فيقول قدمت للحريري خمسة اسماء رفضها، فسلمني اسمين اعترضت على احدهما ووافق على الآخر، وهو يوسف الخليل ابن اخ النائب السابق الراحل علي الخليل ابن صور الذي لم يصوت لي يوماً ولكنه لم يقف ضدي يوماً. يقول بري هذا الكلام ليخلص الى ان مَن يسمي هو الرئيس المكلف، ومَن يرفض او يقبل هو رئيس الجمهورية. ولو صدقت النية بالرغبة في تسهيل التأليف لكان الحريري اضطر الى تسمية كل الاسماء حتى يقبل الرئيس.
يرفض بري الاستسلام او التراجع عن مبادرته. ولا يعير كلام باسيل اهمية، مجدداً التأكيد انه لن يتخلى او ييأس عن محاولة إيجاد حل. اما اذا قرر الحريري الاعتذار، وهذا قرار كبير وخطير في رأيه، فهو مقتنع بان الحريري لن يلجأ الى قرار كهذا من دون التنسيق معه.
لا يزال بري يرى أفقاً لمبادرته. وهي غير خاضعة لشروط باسيل او سقوفه، وكلام الاخير لا يعني أبداً انه أقفل الباب أمامها. فهو وافق على أعمدة “الطابق الاول”، اي توزيع الحقائب مذهبياً وتمسكه بوزارة الطاقة. بقيت تسمية الوزيرين المسيحيين.
لجوء باسيل الى السيد حسن نصرالله لا يسحب المبادرة من يد بري، علماً ان السيد كان اقترح تكليفه من دون ان يراجعه.
يُقسم بري ان المبادرة لاقت مباركة داخلية من جميع القوى باستثناء تيار العهد. حتى الخارج ولا سيما دول الغرب وأخيرا ممثل المفوضية الأوروبية. وحتى ايضا الدول العربية بما فيها تلك المعارضة التي التزمت عدم التدخل. يستمر بالدفع بمبادرته، حتى بعد كلام باسيل، ويقول انه كان تم التوافق مع الوفد الذي يقوم بالتفاوض على لقاء جديد سنرى اذا كان سيعقد.
اما عن موقف “حزب الله” من كلام باسيل، فيؤكد بري انه لم يتبلغ شيئاً بعد، لكنه مؤمن بأن المحركات ستبقى “شغّالة” لأن البلد لا يحتمل تضييع الوقت.
ماذا عن خيار الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة؟ لا يرى بري جدوى منها لأن تعديل الموعد والتحضير سيحتاج الى بضعة اشهر لا يملك البلد ترف تضييعها لانه سينهار قبل ذلك. لذلك يتمسك بإبقاء الانتخابات في موعدها.
اما عن احتمال اعتذار الحريري فيجيب: اذا اعتذر يذهب البلد الى الانهيار الكامل.
إذاً، ما الحل؟
في رأيه على الفريق المتعنت بموقفه ان يتوقف عن التعنت، وعلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ان يقرآ في كتاب المحبة. والا فإن البلد ذاهب نحو الانهيار.