عزة الحاج حسن – الجمهورية
تمتهن السلطة في لبنان سياسة الهروب إلى الأمام. فرغم شح الدولار في البلد وتلاشي قدرة مصرف لبنان على الاستمرار بدعم استيراد المحروقات، لا تزال السلطة تبحث في آلية دعم تضمن لها استمراريتها، وارتهان الجمهور لها، عبر تقديمات وهمية لا تتجاوز منافعها حاجة كارتيل الشركات والمحتكرين والمهرّبين.
ومع بلوغ ملف الدعم عموماً، ودعم المحروقات خصوصاً، الحائط المسدود، وأمام عجز السلطة عن اجتراح البدائل وإن كانت من البديهيات كتشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات، اشترط مصرف لبنان على الحكومة تأمين تغطية قانونية له، في حال الإصرار على استمرار الدعم وإن وفق سعر صرف 3900 ليرة للدولار وليس 1515 ليرة، واستنزاف ما تبقى من احتياطات دولارية لديه.. فارتأت السلطة السياسية اعتماد سياسة المماطلة، بدلاً من تحمّل المسؤوليات.
الدعم وفق 3900 ليرة
طرح استمرار الدعم على سعر صرف 3900 ليرة للدولار لم يلق توافق كافة أطراف السلطة، وجبه بالرفض بشكل أساسي من رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب. وقد تخلّف عن حضور اجتماع بعبدا، الذي عقد اليوم بحضور وزير الطاقة ريمون غجر وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وهكذا، لم يخرج المجتمعون بأي اتفاق. فرئاسة الجمهورية وفق مصدر مواكب الاجتماع، ومعها وزير الطاقة، طرحت الاستمرار بدعم المحروقات من قبل مصرف لبنان وفق سعر صرف 3900 ليرة، مع عدم التعهد بتصويب الدعم أو ضبط التهريب، في مقابل رفض دياب تقليص أو وقف الدعم قبل إطلاق البطاقة التمويلية. وقد اشترط الأخير خفض الدعم تدريجياً بعد إقرار البطاقة.
اختلاف وجهات النظر بين المجتمعين، استدعت من مصرف لبنان إصدار بيان (راجع “المدن”) أزاح فيه مسؤولية الدعم عن كاهله، مشترطاً إقراض الحكومة الأموال المخصصة للدعم من احتياطاته الإلزامية، في حال إصرارها على ذلك، شرط تأمين التغطية القانونية اللازمة.
فشل اجتماع بعبدا
عملياً، فشل اجتماع بعبدا بالتوصل إلى حل قريب المدى لأزمة المحروقات. فالسوق شبه جافة من مخزون البنزين والمازوت، وطوابير السيارات على حالها في معظم المناطق اللبنانية، في حين أن عشرات المولدات الكهربائية أطفأت بسبب نفاد مادة المازوت.
وواقع الحال أن الأزمة ستستمر أقله على المدى المنظور، فلا حكومة تصريف الأعمال مستعدة لتحمل مسؤولية خفض الدعم على المحروقات، قبل إقرار البطاقة التمويلية والمباشرة بتطبيقها، ولا السلطة السياسية مستعدة أن تجيز رسمياً لمصرف لبنان استخدام دولارات الاحتياطات الإلزامية، لتغطية الدعم. وليس لديها أي نية جدّية لضبط الحدود ووقف عمليات التهريب إلى الخارج. ويُضاف كل إلى ذلك تمسك مصرف لبنان بتأمين التغطية القانونية لمد الحكومة بالأموال اللازمة للدعم مهما كان شكله. والنتيجة أن أزمة شح السوق من المحروقات مستمرة. لا بل قد تتصاعد في الأيام المقبلة، ما لم يتم وضع حلول بديلة لمسألة الدعم واستيراد المحروقات.
40 مليون ليتر
يُذكر ان باخرة محمّلة بنحو 40 مليون ليتر من البنزين لا تزال متوقفة قبالة الشاطئ اللبناني منذ أسابيع، لم تُعط الإذن للتفريغ في السوق اللبنانية، بسبب تأخر وربما تمنّع مصرف لبنان عن فتح اعتمادات لها. وهو ما يعزوه مصدر في قطاع المحروقات إلى محاولة مصرف لبنان ممارسة ضغوط على السلطة السياسية لتأمين التغطية القانونية اللازمة، قبل فتح اعتمادات للباخرة تلك، والتي من الممكن أن تغذي السوق المحلية لقرابة الأسبوع.
وإذ يطالب البعض بتمرير مصرف لبنان ملف الباخرة المتوقفة في المياه اللبنانية لتهدئة السوق، إلى حين البت بمسألة الدعم، يؤكد عضو مجلس نقابة اصحاب محطات المحروقات، جورج البراكس، أن لا نهاية لطوابير البنزين إلا بايجاد الحلول الجذرية لمعضلة توفر مادة البنزين في المحطات بكميات كافية. ويرى أنه مهما كان القرار، يجب ضبط مسألتين أساسيتين هما: تأمين فتح الاعتمادات لاستيراد المحروقات بكميات تكفي حاجة الأسواق بصورة متواصلة، ومن دون تأخير ولجميع المستوردين، من جهة. والتأكد من وصول مادة البنزين المسلمة للسوق المحلي بكاملها الى كل المحطات على كامل الاراضي اللبنانية، بمعنى ضبط التهريب من جهة أخرى.
ولا تقتصر أزمة شح المحروقات في البلد على طوابير البنزين. بل تتعداها إلى ما هو أكثر خطورة. فقد حذّرت نقابة المستشفيات اليوم من خطر توقفها عن العمل، في حال نفاد مادة المازوت من خزاناتها، والتي تعد عنصراً أساسياً لضمان استمرار عمل المستشفيات في ظل الغياب شبه التام للتيار الكهربائي.
والحال عينه تشهده الأفران، التي تعتمد بشكل أساسي على مادة المازوت للتشغيل. وقد حذّرت مجموعة أفران بينها أفران منطقة عكار من خطر التوقف عن العمل وتصنيع الرغيف، في حال لم يتم تغذية المنطقة بالمحروقات.
وليس وضع قطاع مولدات الطاقة بأفضل حال. فقد توقفت العشرات منها عن العمل بعد تعثر حصول أصحابها على مادة المازوت، في مقابل اعتماد الغالبية الساحقة من المولدات الكهربائية سياسة تقنين قاسية تتناسب وكميات المازوت المتوفرة.