في الموقف العام، تجلّت “التفليسة” بمختلف أوجهها، الرئاسية والسياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، على عناوين ومضامين إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” أمس، ولم يجد أمام فشل الأكثرية الحاكمة وعجزها عن إنقاذ البلد وشعبه، سوى أن يتمظهر بصورة العاقل والداعي إلى التعقّل في مقاربة الأزمة، فصارح اللبنانيين بأنّ المرحلة المقبلة ستكون “صعبة” عليهم وليس أمامهم سوى أن “يتحمّلوا” و”يشدّوا الأحزمة”… أما من ينفد صبره من الناس أو يفقد عقله في “طوابير الذل” بحثاً عن بنزين أو دواء أو غذاء أو حليب أطفال مفقود، فما عليه سوى أن يصبر على مصيبته والاختيار من بين مروحة خيارات وضعها أمامه السيد حسن نصرالله للتنفيس عن غضبه والتعبير عن جوعه وعوزه، تبدأ من الاعتصام السلمي وتنتهي بالعصيان المدني، لكن تحت سقف عدم التظاهر وقطع الطرق و”خدمة العدو” بهزّ الاستقرار العام.
أما في الموقف من طلب “اللجوء الحكومي” الذي رفعه إليه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فلم يكسر نصرالله بخاطره وتعامل معه على مستويين، الأول شكلي شكره فيه على “الثقة والمحبة” مؤكداً الاستعداد لتلبية نداء “الاستعانة بصديق”، بينما في الجوهر أخذ نصرالله باسيل “عالبحر وردّو عطشان”، بعدما أعاد “ترجمة وفهرسة” عباراته بشكل فرّغ نداءه من كل ركائزه ومرتكزاته.
كما كان لأمين عام “حزب الله” ردّ منمّق وغير مباشر على اتهام رئيس الجمهورية ميشال عون الحزب بمناصرة “الباطل” في معركة العهد الحكومية حين استشهد أخيراً بقول الإمام علي: “المحايد خذل الحق ولم ينصر الباطل”. فذكّر نصرالله عون، من دون أن يسمّيه، بوقوفه شخصياً إلى جانبه في مواجهة هجمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومساندته في إجهاض تشكيلة السفير مصطفى أديب، مروراً بمجاراته في عدم تسمية الرئيس المكلف سعد الحريري، ووصولاً إلى دعم حقه بالشراكة في التأليف ورفض نيله وتياره 4 وزراء فقط في الحكومة العتيدة.
وبالعودة إلى “نداء” باسيل، بدا واضحاً حرص نصرالله على إبقاء أي حراك أو مسعى يقوم به “حزب الله” في اتجاه مساعدته، تحت سقف مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري حصراً، مقابل إبداء رفضه الصريح للعب دور “الحَكَم” بين الطرفين على اعتبار أنّ باسيل “أذكى” من أن يفكّر بمحاولة الإيقاع بين الثنائي الشيعي… فكان نصرالله عملياً “أذكى” من باسيل حينما أوجد لندائه مخارج لغوية نزعت منه مفاعيل “التفويض” من أساسه، مع تأكيد رفضه أيضاً مجرد المقارنة بين ما يرتضيه كل من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” لنفسه حكومياً، نظراً لتفاوت الأحجام والدور والأولويات والموقع بين “حزب الله” بما يمثله من “قوة سياسية وغير سياسية” وبين “التيار الوطني” وسائر الأفرقاء والأحزاب في البلد.
باختصار، أعاد الأمين العام لـ”حزب الله” صياغة مفردات رئيس “التيار الوطني” تحت عنوان “مبادرة بري”، فذكّر بأنه كان قد سبقه إلى “الاستعانة بالصديق” رئيس المجلس ووعده بمساندة المبادرة التي “قام ولا يزال يقوم بها مشكوراً”، ناسفاً في الوقت عينه فكرة “المثالثة” المذهبية التي عابها باسيل على مبادرة بري، ربطاً بكون الحصة الشيعية لم تتجاوز 5 وزراء في الحكومة وكذلك الحصة السنية، بينما المطروح على بساط البحث يبيّن أن عون وتياره سيحصلان على حصة من 8 وزراء من بينهم وزيران للطاشناق وطلال أرسلان… ليخلص نصرالله في محصلة موقفه إلى إبقاء الباب مفتوحاً على “مناقشة أفكار جديدة مع باسيل في سبيل معالجة القضايا العالقة” بشكل يتيح استكمال النقاش بين “حزب الله” وبري، وبين بري والحريري، باعتبار ذلك هو “الإطار الوحيد الذي يمكنه الوصول إلى نتيجة”.
في الغضون، وبينما كان عون يراسل البابا فرنسيس سعياً إلى إدخال بعض “الإسقاطات العونية” على فحوى اللقاء الفاتيكاني للقيادات الروحية المسيحية اللبنانية في الأول من تموز، وكان باسيل يراسل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس سعياً إلى تسويق فكرة العمل على “تسهيل تشكيل حكومة تلتزم الإصلاحات” في الأروقة الأممية… كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يؤكد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن أنّ المجتمع الدولي “يعرف المعرقلين والمتسببين بأزمة لبنان”، مؤكداً الاتفاق على خطة تعاون فرنسية – أميركية حيال الملف اللبناني تقوم على “الضغط على السياسيين لإنهاء معاناة اللبنانيين”.
وبدوره، أكد وزير الخارجية الأميركي “استعداد واشنطن لمساعدة لبنان على التغيير لكنها تحتاج إلى قيادة حقيقية في بيروت”، موضحاً أنّ “اللبنانيين يعانون من فساد السياسيين ونحن نريد المساعدة في إنهاء الأزمة”.
نداء الوطن