ريمون ميشال هنود – اللواء
تسعى باريس في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تضرب أعاصيره لبنان إلى توفير الدعم الدولي للجيش اللبناني.
لا شك أن المبادرة الفرنسية ظهرت في اطار محاولات الاليزيه دعم لبنان دولةً وجيشاً عبر السعي الدؤوب لوقف عجلة الانهيار الاقتصادي في بلاد الأرز نظراً لأن فرنسا تعتبر أن المؤسسة العسكرية هي المؤسسة الوحيدة التي بقيت على تماسكها رغم الضغوط السياسية والاقتصادية التي تستهدف لبنان بضراوة، مع علم الفرنسيين بأنه في حال استمرار مشاهد الانهيار المريع وارتفاع درجاته، فإن الكارثة لن توفر المؤسسة العسكرية اللبنانية، وهنا يكمن القلق الفرنسي وخصوصاً أن القائد جوزيف عون سبق أن حذر المسؤولين اللبنانيين من العواقب الوخيمة على الجيش في حال استمرت كرة الانهيار الاقتصادي اللاهبة بالتدحرج. ومن الناحية السياسية تجد فرنسا أن هناك فرصة لاقناع قائد الجيش اللبناني بترشيح نفسه لانتخاب رئاسة الجمهورية في العام 2022 وتعتبر أي فرنسا بأن للرجل العسكري مناصرين من جميع الأطياف والمشارب اللبنانية.
لذا تؤمن باريس بان ترشيح العماد جوزيف عون مباشرةً بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون يعتبر فرصةً ثمينة لتدارك الوقوع في فراغ رئاسي جديد خصوصاً أن قائد التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون، تضاءلت حظوظه من ناحية الوصول إلى سدة الرئاسة الأولى بعد أن فرضت عليه عقوبات أميركية.
وتعتبر باريس أن القائد جوزيف عون قد يكون الاوفر حظاً في تبوء السلطة وذلك جراء العجز الشديد عن تشكيل حكومة لبنانية جديدة منذ تشرين الأول 2020.
من هنا باتت باريس تؤمن ايماناً راسخاً وعميقاً بدعم الجيش اللبناني كمقدمة لتشكيل حكومة مؤقتة تكون كفيلة بانتشال لبنان من أتون الانهيار، وتعمد إلى القيام في الوقت عينه بالاصلاحات الضرورية الكفيلة باقناع المجتمع الدولي بدعم لبنان بواسطة المساعدات المادية، ما يتيح للجيش اللبناني أن يكون مؤهلاً بمفرده لتوزيع المساعدات المالية وذلك لانعدام ثقة قسم هام من التركيبة الفسيفسائية لنسيج المجتمع اللبناني بالجهات السياسية الرسمية الاخرى التي رأوا في أغلبيتها مجموعة اناس نخر الفساد نفوسهم وأسقمها.
وحسب باريس وبعض المصادر في لبنان يتجه الاعتقاد الراسخ بأن لبنان مقبل على الأرجح في الفترة المقبلة على حدوث تزايد في الاضطرابات الأمنية بسبب الميل الكبير إلى رفع الدعم عن المزيد من المواد الأساسية الامر الذي سيدفع المواطنين إلى التظاهر بكثرة وستكون التظاهرات مصحوبةً بأعمال شغب وفوضى عارمة.
من هنا تعتقد فرنسا بان تقوية الجيش اللبناني ستكبح إلى درجة ما حالات العنف المنتظرة والمتوقع أن تكون محصلتها النهائية الهجرة غير الشرعية وبكثرة إلى دول القارة العجوز الأوروبية. اما السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيّا فقد أعلنت في ختام تمرين الاتحاد الحازم الذي جمع بين الجيشين الاميركي واللبناني خلال فترة ما بين 17 و 28 أيار المنصرم عن تقديم بلادها مبلغ 120 مليون دولار إلى الجيش اللبناني لاستعمالهم في مجالي التدريب والوسائل الدفاعية، اضافة إلى اهداء الجيش ثلاثة زوارق خفر سواحل للدوريات البحرية، و59 مليون دولار لتقوية قدرات الجيش في حماية الحدود الشرقية، وأشارت السفيرة الاميركية إلى أن أعمال المؤتمر الاميركي اللبناني الخاصة بموارد الدفاع انتهت في 21 أيار الفائت بمشاركة كبار القادة من وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين والجيش اللبناني، وقد طغى النقاش حول طرق دعم الجيش اللبناني على ما عداه من أمور أخرى نظراً لمرور لبنان باوقات عصيبة وحرجة اقتصادياً، ولفتت السفيرة إلى أن الجيش تسلم مؤخراً من واشنطن 95 حاوية ذخيرة تقدر قيمتها بأكثر من 55 مليون دولار لتجهيز عمليات الجيش اللبناني ومساعدته في أداء واجباته، علماً بأن الدعم الاميركي للمؤسسة العسكرية اللبنانية يتجلى بدعم سنوي من خلال برامج عدة ومتنوعة أبرزها برنامج foreign Military sales، وتتراوح قيمة ما يتلقاه الجيش اللبناني سنوياً ما بين 70 إلى 150 مليون دولار أميركي.
اما العامل الرئيسي للتحرك الاميركي تجاه الجيش اللبناني فهو محض امني، حيث يرتبط بالحفاظ على استقرار الحدود مع دولة الاحتلال الاسرائيلي.
وتعتقد الادارة الاميركية الحالية أنه ما عاد بالامكان الاتكال على القوى السياسية اللبنانية التقليدية والتي حسب تعبيرها تحولت إلى حلقة واسعة من الفساد، بالتزامن مع استمرار تعملق قوة حزب الله وتراجع دور قوى 14 آذار، لذا أرتأت واشنطن أن البديل الأمثل ما هو إلا الجيش اللبناني لأنه بنظرها جعل الطائفية المستشرية في البلاد وانفلاشاتها الفئوية والمذهبية عاجزتين عن اضعافه او ضربه.