خالد ابوشقرا – نداء الوطن
لطالما شكّل “عسل” الإقتراض بالنسبة للسلطة، سبباً من أسباب “الكسل” للقيام بالإصلاحات والواجبات. ولو أن “ربع الوقت” الذي قضته بالبحث عن التمويل من المؤتمرات الدولية، والجولات العربية المكوكية، والهندسات المالية الداخلية.. في مكافحة الهدر والفساد وبناء الإقتصاد، لما وصلنا إلى الإنهيار. أمّا وقد أدركنا الإفلاس، فهل يصح بعد الإستقراض؟
بعد إجتماع بعبدا للبحث بآليات ترشيد الدعم عن المشتقات النفطية، أصدر مصرف لبنان بياناً أكد فيه استعداده لإقراض الدولة بناء على المادة 91 من قانون النقد والتسليف. لم يُعرف إن كانت مبادرة المركزي فردية بهدف “إستثارة” السلطة السياسية و”دغدغة” رغباتها الدفينة بالحصول على المال السهل، أم أن الإعلان أتى بطلب وضغط! في جميع الحالات “تعكّز” المركزي في بيانه بشكل مجتزأ على المادة 91 من قانون النقد والتسليف. معللاً، أن للحكومة الحق بالإستقراض من المصرف المركزي، بحجة مرور البلد في “ظروف إستثنائية الخطورة”.
مخالفات قانونية بالجملة
لم يكتف المركزي بالتحجج بـ”لازمة” الظروف الإستثنائية، التي رافقت التعاميم منذ بداية الأزمة، في البيان فحسب، بل إنه قفز بحسب مصدر قانوني رفيع المستوى فوق المادة 90 من قانون النقد والتسليف. فهذ المادة، التي تسبق المادة 91 مباشرة، تنص صراحة على أنه: “باستثناء تسهيلات الصندوق المنصوص عليها بالمادتين 88 و89، فالمبدأ ألا يمنح المصرف المركزي قروضاً للقطاع العام”. وعليه فان إقراض القطاع العام في المادة 91 هو الإستثناء وليس القاعدة. ولهذا الإستثناء شروط وموجبات؛ أولها أن تكون هناك حكومة تطلب الإستدانة، و”تدرس مع المصرف إمكانية استبدال مساعدته بوسائل أخرى. وتصر في النهاية على طلبها “في الحالة التي يثبت فيها انه لا يوجد أي حل آخر”. فأين هي هذه الحكومة اليوم؟ وعلى أي أساس يتبرع المركزي بالإقراض “على طبق” من غياب السلطة التنفيذية؟ وهل يكفي توقيع رئيس الحكومة على الإقتراض فقط، كما حصل مع ترشيد الدعم على المحروقات؟ الأكيد لا، يجيب المصدر القانوني. فالكلمات لها معان في القانون، والمادة 91 تنص على وجوب طلب الإقتراض والموافقة عليها من حكومة أصيلة، وليس من حكومة تصريف أعمال أو رئيسها”.
ثانياً، إذا سلمنا جدلاً بان الحكومة اجتمعت واعتبرت نفسها مخولة باتخاذ القرار وطلبت الإستقراض، فالمادة 91 تنص على آلية كاملة من المفاوضات، وتأكد “المركزي” من إمكانية الحكومة تسديد الدين. وهذا الشرط غير متوفر، ويجافي أبسط قواعد العمل المصرفي بعدم إقراض من يثبت عليه عجزه عن الإيفاء. فالدولة أشهرت إفلاسها في آذار 2020 وأقرت بالتخلف عن سداد ديونها بالعملة الأجنبية، ولم تبدأ لغاية اليوم التفاوض مع الدائنين. كما أن مواردها من الضرائب والرسوم تتراجع بشكل دراماتيكي، وهي انخفضت في العام 2020 بنسبة 50 في المئة.
النقطة الثالثة التي لا تقل أهمية من وجهة النظر الحقوقية، هي أن “حجة الظرف الإستثنائي التي يستعملها “المركزي” لتبرير الإقراض للدولة، تحتم عليه تعليلها بطريقة قانونية”، يقول المصدر. “حيث أن الإصطفاف بالطوابير أمام المحطات أو الافران، والتقاتل على السلع المدعومة أو غيرها من الظواهر الإجتماعية الناتجة عن سياسة السلطة وانعدام الرقابة، قد لا تكون ظرفاً استثنائياً يبرر سلوك طريق المادة 91 من قانون النقد والتسليف. ذلك أن القرار الذي سيتخذه “المركزي” باقراض الحكومة سيكون عرضة للطعن أمام مجلس شورى الدولة بصفته قراراً إدارياً، إنطلاقاً من تعليله للظرف الإستثنائي الذي يرتكز عليه”.
إقرار بالمخالفات
في المحصلة فإن التحجج بالمادة 91 من قانون النقد والتسليف في منتصف العام 2021 تشكل “إدانة للمصرف المركزي الذي دأب منذ العام 1993 على إقراض الدولة من دون ضمانات جدية كما تنص المادة المذكورة في ختامها”، بحسب المصدر، حيث يجب أن “يقترح المصرف على الحكومة، إن لزم الأمر، التدابير التي من شأنها الحد مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحد من تأثيره، في الوضع الذي اعطي فيه، على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية”. فـ”الإقراض ليس مرتبطاً بـ”توفر الإحتياطي فحسب، بل بحق المصرف في الإمتناع عن الإقراض أيضاً. ما يعني أن البيان الأخير لمصرف لبنان “يشكل إقراراً بمخالفته المادة 91 طيلة السنوات الماضية. وهذا يعتبر بحسب المصدر “جرم يعاقب عليه القانون بحجة الإخلال بالموجبات الوظيفية”.
من ناحية أخرى يرى الخبير المصرفي محمد فحيلي أن “أمام حكومة تصريف الأعمال مصادر أخرى لتأمين العملة الصعبة بعيداً عن الإقتراض من مصرف لبنان. فهناك قرض الحماية الإجتماعية بقيمة 246 مليون دولار من البنك الدولي الذي أقره البرلمان. وهناك أيضاً مجموعة قروض مقرة وموافق عليها من الجهات الدولية عموماً، والبنك الدولي خصوصاً غير مستخدمة”. مثل القرض المخصص لمشروع تطوير النقل العام، ومبلغ متبقّ من مشروع سد بسري… وغيرها. “هذه المبالغ التي طالبت لجنة المال والموازنة بتجميعها في قرض واحد يخصص لمواجهة أعباء الأزمة، قد تصل إلى مليار دولار”. كما بامكان حكومة تصريف الأعمال، من وجهة نظر فحيلي، “طلب المساعدة الإستثنائية من صندوق النقد الدولي والحصول على ما يقرب 700 مليون دولار غير مشروطة بإصلاحات. وعليه فان مجموع هذه المبالغ التي تصل إلى 2 مليار دولار تشكل بديلاً جدياً عن القرض الذي تبرع حاكم مصرف لبنان، وليس المجلس المركزي لانه لم يكن ناتجاً عن اجتماع، لتقديمه الى الحكومة.
بالإضافة إلى الإشكالية القانونية من إقراض الدولة سنداً على المادة 91 من قانون النقد والتسليف، فان “يلي يجرّب مجرّب بكون عقله مخرّب”، يقول فحيلي. فـ”الدولة تعثرت بطريقة غير نظامية، ولم تُظهر أي رغبة أو نية حسنة بالتفاوض مع الدائنين، حتى المحليين منهم المتمثلين بالمصارف، والذين يحملون النسبة الأكبر من الدين الحكومي. ومن المستغرب كيف يعطي حاكم مصرف لبنان الضوء الأخضر بالإستدانة بالعملة الصعبة لحكومة وسلطة لا تتحمل أدنى مسؤولية”.
ما بين “القضم” مما تبقى من أموال المودعين، أو الإستدانة من الجهات الدولية يبقى الخيار الثاني صائباً أكثر بحسب الخبراء. إلا أن المشكلة تبقى بفشل السلطة بوضع التمويل موضع التنفيذ حتى في حال توفره. وهذا ما حصل مع قرض الحماية الإجتماعية المعطى من البنك الدولي، والمقر من البرلمان، بسبب محاولة المسؤولين اللبنانيين “التذاكي” على مواصفات ومعايير الجهات المقرضة الخارجية.