ابتسام شديد – الديار
مع ان التوجه العام يميل الى موقف حاسم قد يتخذه الرئيس المكلف سعد الحريري قريبا يرجح كفة الاعتذار الا ان قراءة المؤشرات ترجح ألا يقدم الرئيس المكلف على خطوة من هذا النوع في المدى القريب على الأقل لأسباب وعوامل كثيرة، اذ تؤكد مصادر سياسية بارزة ان اي خطوة متسرعة من هذا النوع تراكم المشاكل السياسية كما ان عين التينة تتمسك بتكليف الحريري الذي بدوره لا يمكن ان يخذل الثنائي الشيعي الذي يقوم بتدوير الزوايا للدفع نحو التأليف.
في اعتقاد مصادر سياسية بارزة فان الحريري لن يعتذر لأن اعتذاره او عدمه لن يغير شروط النائب جبران باسيل وان تكليف بديل عن الحريري كما يروج في الصالونات السياسية ليس أكثر من مناورات سياسية لأن تكليف شخصية سياسية لن يمر الا عبر موافقة الحريري والرأي العام السني الذي صار واضحا انه يرفض البديل عن الحريري وبالتالي فان المشهد كما تقول المصادر حافل بالتناقضات، فرئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل رفضا الأصيل فكيف يمكن ان يوافقا على البديل، و من جهة ثانية هناك المكون السني المؤلف من رؤساء الحكومات السابقين والمجلس الشرعي الأعلى الملتزمين حتى الساعة تكليف الحريري.
الاشكالية الأهم كما تضيف المصادر تتمثل في ان تكليف بديل يسميه المكون السياسي والديني للطائفة السنية سواء كان الرئيس السابق نجيب ميقاتي او شخصية سنية موافق عليها من قبل المستقبل لن يكون سقفها السياسي أقل من الحريري مما يعني استمرار المواجهة مع العهد.
هذا وعلى الرغم من تنامي الحديث عن اعتذار الحريري الا ان الموضوع مؤجل في المدى القصير، فالاعتذار قد يكون نتيجة طبيعية لمجموعة تطورات حصلت مؤخرا تتعلق بعلاقته المتوترة مع العهد وما له صلة بالحريري نفسه او بالظروف والأحداث الاقليمية، فالرئيس المكلف فشل في التأليف على الرغم من المحاولات وجولاته على عواصم القرار والدول المؤثرة من دون ان ينجح في تحقيق اختراق في ظل عدم حماس واضح من الرياض المستمر على تكليفه والحديث عن تجهيز شخصية سنية لخلافة الحريري في رئاسة الحكومة لما تبقى من ولاية ميشال عون الرئاسية.
البت في الاعتذار وجلاء الصورة «مسألة وقت» وتفاصيل معينة، الا ان البحث اليوم يتخطى موضوع اعتذار الحريري للدخول في ايجابيات وسلبيات الخطوة وانعكاس الاعتذار داخليا و«تقريشه» في حسابات الربح والخسارة لكل من فريقي بيت الوسط وبعبدا.
بالنسبة الى كثيرين فان خروج الحريري من معركة الحكومة بعد أشهر من التكليف انتكاسة لمسيرته السياسية وانتصار للعهد بعد جولات طويلة من حروب التصفية والالغاء بين بيت الوسط وبعبدا خصوصا ان رئيس تيار المستقبل رفع سقف التحدي في وجه رئيس الجمهورية وفريق بعبدا السياسي فارضا ذاته المرجعية الوحيدة في التأليف على قاعدة «أنا من يؤلف او لا أحد»، مما تسبب بأكثر من أزمة وجولة اشتباك.
ومن هذا المنطلق ترى مصادر سياسية ان اعتذار الحريري ان حصل انتكاسة للحريري أولا لأنه رفع سقف شروطه وتمسك بمعادلة «اعتذاري مقابل استقالة ميشال عون» في مرحلة معينة. النظرية الثانية تتناقض مع الرأي الأول وترى ان هناك مصلحة للحريري بالاعتذار، فالخطوة من شأنها ان تساهم في شد العصب السني حول بيت الوسط المتضامن مع زعيمه، وفي هذه الحالة يمكن القول أيضا ان الحريري الذي سيذهب الى المعارضة الشرسة ينقذ نفسه من تحمل تبعات الانهيار ويقف شاهدا على غرق سفينة «التايتنك» اللبنانية من خارج مشهد السلطة حيث يواجه العهد الانفجار الاجتماعي وقنبلة رفع الدعم فيما يقف الحريري بمنأى عن التداعيات ويظهر كمن «خلص نفسه بعد ان قفز من غرق السفينة تاركا الاخرين يغرقون».
وتؤكد مصادر سياسية ان الرئيس المكلف في حال قدم اعتذاره لن يذهب الى منزله بسلام او يقف مكتوف اليدين بل سيذهب الى المعارضة القوية وحيث وضع المقربون في بيت الوسط في حالة جهوزية سياسية واعلامية تحسبا لأي خطوة لمواكبة الأحداث ووضع خطة مواجهة وتأمين خروج سياسي مشرف من التكليف. الخطة تقتضي لم شمل الطائفة والجمهور وقلب الطاولة وتأليب الشارع السني في وجه أي تكليف جديد تكرارا لتجربة مصطفى أديب او ما حصل عند تكليف حسان دياب، على قاعدة ان اعتذار الحريري لن يكون مكلفا له وحده وان التكلفة ستعمم وتشمل الجميع.