يروي أحد المصرفيّين البارزين أنه بدأ يتلمّس وجود مشكلة كبيرة في لبنان بعد انضمام روسيا وإيران الى حزب الله في معركة منع سقوط النظام السوري. ويلفت، استناداً الى ما يعتبره معطيات دقيقة، إلى أن الحملة التي انتهت بالحصار الفعلي على لبنان، انطلقت من يومها، ليس فقط لمعاقبة لبنان على عدم منعه حزب الله من التدخل في سوريا، بل لمنع روسيا وإيران من الاستفادة من تطوّرات الأزمة السورية في لبنان.
وقائع مداولات الاتحاد الأوروبي حول لبنان: الحاجة إلى فرض الوصاية
على رغم نفي مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، أمام ممثلي البعثات الدبلوماسية، فإن الفرنسيين يروّجون في كواليس لقاءاتهم مع بعثات دبلوماسية دول أخرى لدى الاتحاد الأوروبي، لفكرة الانتداب على لبنان.
ويبدو أن الفرنسيين يروّجون في الأوساط الأوروبية للفكرة بوصفه لبنان «دولة فاشلة» في ظل انتقادات بالجملة من المسؤولين الأوروبيين لممثلي الطبقة السياسية اللبنانية كافة. ويسود شعور في هذه الأوساط أن على اللبنانيين الاهتمام بشؤونهم الداخلية المتفاقمة وعدم الخوض في مسائل وقضايا وأحداث المنطقة من فلسطين إلى ليبيا وسوريا وغيرها.
ويترافق هذا الكلام مع معلومات كشفتها مصادر دبلوماسية مطلعة عن أفكار وردت على لسان مسؤولين مصريين، ويجري التداول بها في أوروبا، تهدف إلى عقد مؤتمر حوار لبناني – لبناني على شاكلة اتفاق الطائف، وهي أفكار لم تصل إلى مرحلة التبني الرسمي. لكن الأوروبيين رصدوا انزعاجاً من حلفائهم الإماراتيين والسعوديين. وهذا الانزعاج يمكن فهمه من خلال الردود التي سمعها رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان عن رفض الرياض التدخل لحل الأزمة في لبنان ورفضها أي شكل من التعاون مع الرئيس المكلف سعد الحريري.
المصادر الدبلوماسية الأوروبية نقلت تقييماً «إيجابياً» لزيارة بوريل الأخيرة إلى لبنان. وتوقفت عند الشكل والمضمون. إذ إن الجميع كان مرحباً ومستعداً للاجتماع به. لكنها تعتبر أنه رغم أن بوريل سمع ما لم يكن يتوقعه، إلا أنه تمكن من تكوين صورة واقعية عن الأزمة السياسية. وهو عبر عن خيبته من فقدان النور في نهاية نفق الأزمة الدراماتيكية، محملاً المسؤولية لتلك الطبقة مجتمعةً. فالجميع كان يؤيد أمامه فكرة الإصلاحات من دون اعتراض. لكنه لم يلمس من أي من القيادات السياسية أي نوع من الاستعداد للعمل على التطبيق الفعلي لهذه الإصلاحات. ويمكن القول إن التشخيص الأوروبي للعلة المصابة بها الطبقة السياسية اللبنانية هو فقدانها لإدراك الحاجة الملحة للمعالجات السريعة. «no sense of urgency with the political leadership»
بوريل، بحسب المصادر، أعرب للأطراف اللبنانية خلال زيارته عن قلقه البالغ من تدهور الأوضاع. غير أن كل قيادة سياسية كانت لديها اجتهاداتها المتناقضة مع الأخرى، ومن هنا تنبأ بوريل بتداعيات كارثية. لكنه توقف أمام ما قاله قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي حذر بصوت مرتفع من تدهور الوضع الأمني نتيجة تفاقم الأزمة الاجتماعية المعيشية.
الدبلوماسي الأوروبي كان حريصاً على الإشارة إلى أن ورقة العقوبات ليست كما يتخيل البعض. وهو ما قاله أمام دبلوماسيين أوروبيين، شارحاً الموقف على الشكل الآتي: يجب أن يبقى خيار فرض العقوبات على القيادات السياسية وعائلاتهم قيد التداول ليس على لسان المسؤولين الأوروبيين، بل أساساً في أوساط المجتمع المدني والإعلام الأوروبي. لكنه يضيف مستدركاً: «هذا التلويح لا يجب أن يمنع تدفق مساعدات كبيرة في حال تشكيل حكومة تبدأ بتنفيذ فوري لبرنامج إصلاحات حقيقي». وقالت المصادر إن الأوروبيين ينتظرون طريقة تصرف القيادات اللبنانية كافة مع قانون الـ«كابيتال كونترول» وملف «التدقيق الجنائي» ليتقرر ملف المساعدات المشروطة.
الأوروبيون يراقبون كيف ستصرف القيادات اللبنانية مع الـ«كابيتال كونترول» و«التدقيق الجنائي» ليتقرر ملف المساعدات المشروطة
الأوساط المحيطة ببوريل أفادت بأن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ركز على ضرورة مبادرة الأوروبيين إلى تمويل البطاقة التمويلية، وأنه، كما قائد الجيش، حذر من أن نفاد المشتقات النفطية والعجز عن تمويلها خلال شهرين سيقود لبنان إلى كارثة كبيرة وربما إلى فوضى أمنية كبيرة.
ومع أن المصادر تعيد التذكير بمساعي فرنسا لتنظيم مؤتمر خاص بلبنان في الفترة المقبلة، إلا أنها تشير إلى تساؤلات تطرحها البعثات الدبلوماسية لدى الاتحاد الأوروبي حول جدوى المؤتمرات السابقة، بيد أن جواب المفوضية الأوروبية المتكرر: «على الطبقة السياسية اللبنانية تحمل المسؤولية عن شعبها، وتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي».
وكانت فرنسا قد نشطت في أواخر حزيران الفائت عبر تحركاتها الدبلوماسية وعلاقاتها الثنائية مع دول الاتحاد الأعضاء لوضع نظام عقوبات أوروبية على لبنان. وصدرت بهذا الشأن، بحسب المصدر، تعليمات لجميع السفارات الفرنسية لدى دول الاتحاد الأوروبي. وبحسب المقاربة الفرنسية فإن نظام العقوبات المفترض سيكون من دون أسماء. NO NAMES NO LISTING وذلك من أجل تحقيق تأثير رادع يتعامل إيجابياً مع الأزمة اللبنانية بحسب الفهم الفرنسي، It meant to have a dissuasive effect on blocking actors. ويتمحور التركيز الفرنسي على المعيار الثالث في ورقة المعايير المتعلق بسوء استخدام الإدارة المالية من تبييض أموال وتحويلات مالية غير قانونية، إضافة إلى اختلاس الأموال العامة، وفشل إصلاح النظام المصرفي. وتشير المصادر الأوروبية إلى أن العقوبات ستكون شاملة من دون تمييز بين طرف وآخر. وصيغت العبارة على الشكل الآتي: « It will focus on the whole spectrum without discrimination»
وتفترض المقاربة الفرنسية أن يبدي الاتحاد الأوروبي تصميمه بقوة، لا سيما أن فرنسا تسعى لحث هذا الاتحاد من جهة، وكذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، على القيام بالإجراءات التي تراها مناسبة في هذا الصدد.
ويفيد تقييم دبلوماسي أوروبي بأن العقوبات ستتناول قيادات الصف الأول، يليهم رؤساء المصارف والمستفيدون ومجموعة كبيرة من رجال الأعمال. لكن المصدر نفسه يقر بصعوبة تطبيق المعايير المطلوبة بسبب الافتقار إلى الأدلة الكافية وسهولة الاعتراض عليها قانونياً لدى محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، إضافة لكثافة الشخصيات المستهدفة.
وبحسب مصادر أوروبية متعددة تأتي إشكالية نظام العقوبات في أنها مفتوحة بغير حدود، Open ended، في ظل غياب آلية خروج منها في المدى المنظور. إذ إن الاتحاد الأوروبي لا يحبذ إقرار نظام عقوبات يضطر إلى التراجع عنه في اليوم التالي، خصوصاً أن معايير تقييم انتهاج الحكومة المنتظرة للإصلاحات المطلوبة غير واضحة. وفي هذه الأجواء يبقى تأثير التلويح بالعقوبات كافياً، بحسب المصدر، لثني أنظار الشركات الدولية عن الاستثمار في لبنان، فالمجتمع الاقتصادي الدولي لن يتورط في المشاركة في إعادة إعمار القطاعات الحيوية كافة. وتفيد المعلومات بأن ما يتم التحضير له هو «وصفة الكارثة».
وفد فرنسي الى بيروت اليوم
علمت «الأخبار» أن وفداً من نقابة أرباب العمل الفرنسيين (MEDEF) سيزور لبنان ابتداءً من اليوم، وقد أعد له جدول أعمال يستمر حتى الخميس المقبل. ويقتصر برنامج عمله على البحث مع كل السلطات المعنية بمرفأ بيروت حول اعادة اعماره، وكذلك مع المؤسسات المالية الدولية، وبينها البنك الاوروبي للتنمية والبنك الدولي.
ورغم ان المقاربة الفرنسية تغلب عليها الاعتبارات الجيوسياسية والجيواقتصادية، فإن باريس تظهر خشية من مساع حثيثة تقوم بها روسيا والصين وحتى المانيا لتولّي الإشراف على عملية اعادة اعمار المرفأ ومشاريع اخرى في قطاعات المياه والكهرباء والنقل. وتتصرف فرنسا على انها «الأحق» بهذه المشاريع، نظراً إلى علاقاتها «التاريخية» مع لبنان. وهي تراهن على هذا الدور لتعزيز موقعها في المنافسة القائمة على شرق المتوسط، الذي كان حتى الامس القريب بحيرة غربية، لكنه يصبح أكثر تدويلاً اليوم مع دخول منافسين جدد كالروس والصينيين والاتراك. ويتصرف الفرنسيون بعقلية «السطو» على مرفأ بيروت بالتحديد، لتعزيز موقعهم في المنطقة، إضافة الى الارباح الاقتصادية البديهية الناجمة عن اعادة الاعمار.
مفاوضات قمة السبع: تأييد الوصاية
توصلت الاطراف المشاركة في قمة الدول السبع، وتحديداً فرنسا والولايات المتحدة والسعودية، الى تقدير موقف مشترك حيال الأزمة اللبنانية ومسبباتها، مفادها أن الطبقة السياسية اللبنانية بمكوناتها كافة، هي المسؤولة عن حال الشلل التام التي وصلت اليها البلاد، والتي أدخلت كل مؤسسات الدولة واداراتها في مسار انحلال متسارع واحتضار، وتهدد باتجاه البلاد نحو فوضى عارمة وغير قابلة للضبط، مع ما يتمخض عن ذلك من تهديد للاستقرار الاقليمي والدولي ولمصالحها ومصالح حلفائها. يشبّه هؤلاء النظام اللبناني بالتركيبة الكيميائية التي أصبحت مكوّناتها لا يتفاعل بعضها مع بعض، وان المطلوب لتفعيلها إدخال مركّب جديد. يستخدم هؤلاء المثل العربي «الضرب بالميت حرام»، بعد ترجمته الى الانكليزية، للإشارة الى العجز الكامل للقوى السياسية السائدة عن إخراج البلد من مأزقه. يقولون إن الرئيس ميشال عون غارق في سبات عميق، ويتم إيقاظه بين الفينة والاخرى لإطلاق تصريحات لا فائدة منها، وإن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل هو من يدير القصر الجمهوري. أما حزب الله، فهو متفرغ لحروبه الاقليمية، وسعد الحريري لم يعد مرشحاً مقبولاً لرئاسة الوزراء، وإن بقية الاطراف السياسيين التقليديين لا يمتلكون وزناً جدياً ليؤثروا في مجرى الأحداث.
هذه المقاربة الفرنسية تدفع باريس وجهات أوروبية أخرى الى البحث في فكرة الاشراف على اعادة صياغة النظام وادخال المكونات الجديدة، التي ستكون المحرك الكفيل بتفعيل آليات عمله، عبر استخدام أدوات الوصاية على مؤسسات ومرافق حيوية. مصادر مطلعة أشارت الى أن هذا التوجه يتقاطع مع ذلك الذي تعتمده الدبلوماسية الفاتيكانية التي تعمل هي الاخرى على تدويل حل الازمة اللبنانية. المصادر نفسها تضيف ان هناك اتصالات للجهات المذكورة سالفاً مع روسيا. هذه الاخيرة ترى ان بمقدورها لعب دور خاص في لبنان بحكم صلاتها المميزة بالأطراف الاقوى فيه، وبحكم الصلة العضوية بينه وبين سوريا التي أضحت موسكو لاعباً مركزياً فيها. وهي تقول للاميركيين إن منع الانهيار مصلحة مشتركة، وبما أنهم يشرعون في تخفيض «تورطهم» في الشرق الاوسط، فإنها قادرة على المساهمة الحاسمة في مهمة منع الانهيار.
الجيش: 120 مليون دولار نقداً بتصرّف القائد
يعتقد دبلوماسي غربي في بيروت أنه في ظل فشل القوى السياسية في إنتاج حل، وضعف قوى المجتمع المدني وعجزها عن تقديم بديل، فإن الجيش اللبناني لا يزال الجهة الوحيدة التي تحظى بدعم غالبية اللبنانيين، وان الجيش بات الحصان الاخير الذي يمكن للعالم الاتكال عليه. لكن الدبلوماسي يستدرك: «المشكلة الان هي في ان هذا الحصان يحتاج الى علف بصورة دائمة لكي يتمكن من المشاركة في اللعبة والفوز بالسباق»، لافتاً الى ان قرار دعم الجيش صدر اساساً عن الولايات المتحدة التي ألزمت دولاً عربية وغربية بإعداد برامج دعم سريعة له.
اللافت هنا انه، ومنذ وقت غير بعيد، يجري التداول في الاوساط الغربية بفكرة ان للجيش دوراً مركزياً في عملية «إنقاذ» لبنان من خطر الانهيار والتفكك، وان في مقدوره ان يكون رافعة لعملية التغيير المنشودة عبر تكامل دوره مع دور نخبة جديدة يدعم وصولها الى بعض مواقع القرار على الاقل. وبعدما عجزت قوى 14 آذار عن القيام بالوظيفة الموكلة اليها – وهي في الحد الادنى – بالتضييق على المقاومة والحد من قدرتها على التأثير في القرار الداخلي، فإن هذه القوى الغربية باشرت العمل على سيناريوات الوصاية وإقحام الجيش في السياسة الداخلية، وتحاول إعادة إنتاج ١٤ آذار جديدة، تختلف مكوناتها عن تلك السابقة، ولكنها تؤدي الدور نفسه.
وفي هذا السياق، كشفت المصادر الغربية عن تلقّي الجيش اللبناني مساعدة مالية نقدية من الولايات المتحدة تصل قيمتها الى 120 مليون دولار اميركي، وضعت في حساب خاص في مصرف لبنان، تجري إدارته من قبل مكتب قائد الجيش حصراً، ومن دون ضوابط. حتى إن السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا التي أكدت الامر قالت إن لقائد الجيش الحرية الكاملة في التصرف بالمبالغ، بما في ذلك إنفاقها لتحسين رواتب العسكريين ومواجهة حالات الفرار المتزايدة في صفوف جنوده كما في صفوف بعض الضباط.