خضر حسان – المدن
تبتلع أزمة المحروقات كامل حمولات البواخر التي تتأخر في التفريغ، بسبب عدم إسراع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بإعطاء الموافقة على فتح الاعتمادات لدعم شراء المحروقات، علمًا أن احتساب الدولار المدعوم انتقل من 1515 ليرة إلى 3900 ليرة، وارتفع سعر صفيحة البنزين على المحطات، إلى نحو 70 ألف ليرة. ومع ذلك، تزداد الأزمة توسّعًا بصورة تُنبىء بانعدام الحل.
تقنين الاعتمادات
يعلم سلامة أن فتح الاعتمادات لاستيراد المحروقات، أمرٌ مفروغ منه. فالقرار السياسي برفع الدعم نهائيًا لم يُتَّخَذ بعد، وربما لم يحن أوان اكتمال جرعات امتصاص رد فعل الناس حول رفعه. وإن كانت تغطية الاستيراد حاصلة لا محالة، فـ”لماذا المماطلة؟”، يسأل عضو نقابة أصحاب المحطات، جورج البراكس.
الشركات المستوردة للنفط محدَّدة ومعروفة، إلا إن كان الحاكم يشكك بهويّاتها وبصحة استيرادها للمحروقات للسوق المحلي. وفي جميع الأحوال، التدقيق في هذه التفاصيل ليس من اختصاص الحاكم، فالوزارات المعنية والقوى الأمنية لديها الحق باجراء الرقابة قبل الاستيراد وبعده، وصولًا إلى التأكّد من توزيع المخزون على المحطات، ومنها إلى المواطنين.
يقنّن الحاكم تأمين الدولارات، فيوقف البواخر أمام الشاطىء. وحجم الطلب المتزايد على المحروقات، يمتص المعروض، فيتكامل التقنين مع الطلب والفوضى في إفراغ السوق وجعله بحاجة دائمة إلى مخزون.
“الحل يحتاج إلى قرار”، يقول البراكس في حديث لـ”المدن”، ويخلص إلى أن “لا أحد يريد اتخاذ قرار بالحل، فالجميع لديه مصلحة بإبقاء الوضع كما هو”.
الأسعار ترتفع
وافق سلامة على تأمين اعتمادات لباخرتين راسيتين قبالة الشاطىء، لكن مخزونهما يكفي لنحو 3 أسابيع فقط، سيجري خلالها بيع جزء من مخزون الشركات المستوردة وتهريب قسمٍ آخر وتخزين كمية. والجزء المباع سيُخزَّن بدوره ويُفرَج عن بعضٍ منه للسوق السوداء التي يقودها جيش من الموظفين على المحطات، يغطّون الاستفادة الفعلية لأصحابها. الكثير من الزبائن بدورهم يبتكرون طريقة للاستفادة، يملؤون سياراتهم بالوقود، يُفرغونها في “غالونات” ثم يبيعونها بأسعار تصل إلى 6 أضعاف السعر الرسمي، ففي حين يبلغ سعر صفيحة البنزين رسميًا نحو 70 ألف ليرة، تُباع الصفيحة بما يصل إلى 400 ألف ليرة، للمغتربين، وكمعدّل وسطي لغير المغتربين، تُباع بنحو 250 ألف ليرة.
الاقتتال على المحطات وإقفال بعضها ليس مؤشّرًا إيجابيًا، بل نذير التحضير لمرحلة جديدة أكثر قساوة. مرحلة يرتاح فيها الحاكم من مسألة الدعم، والمواطنون “سيعتادون”، قالها سلامة يومًا، ويُبرهن صدقها مع الوقت.
وعليه، فقدنا السيطرة على الأزمة والأكلاف المرتبطة بها. ولا أحد يصدّق أكذوبة الركون إلى رفع الأسعار للحد من التهريب وتعزيز قدرة السوق المحلي. فالتهريب متواصل حتى وإن أصبح سعر الصفيحة مليون ليرة في لبنان، وأقل بقليل منها في سوريا، فحجم السوقين مختلفين، والسوري يؤمّن الدولارات الطازجة للمهرّبين، أي للمرجعيات التي تقف خلفها.
الأحزاب المسيطرة على أرض الواقع، هي الدولة بالمقلب الآخر، وبعضها يحمي سلامة بالشكلين المباشر وغير المباشر، فالمصالح متقاطعة، وإن مع بعض أعداء السياسة. ومَن لا يدعم سلامة، يستفيد من مماطلته لتعزيز سوق التهريب، فتكون الفائدة مشتركة وإن عن غير قصد.
وقد يكون الإشهار والوضوح غير مُحَبَّذان، لكن الحقيقة لا تُخفى ما دام قرار تهدئة الوضع العام في البلاد غير موجود. فلا حَل لأزمة المحروقات مهما بلغت الخطابات السياسية مداها.