عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
ما كان على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، أن يتسبّب بافتعال كل هذه الجلبة الإعلامية. يا أخي، كنتَ جالساً في منزلك “وبالصلاة على النبي”، وتقول أنك لا تبتغي التصريف بأكثر من حدوده المعلومة/المنصوصة، وآخر دعوة وردت إليك من رئيس الجمهورية رفضتها، فما الذي أو من الذي دفعك إلى هذه “الورطة”؟
لا نقول هنا أن حسان دياب كان مخطئاً في دعوة “ثلّة وقحة” من السفراء إلى مجلسه في السراي. معاذ الله! خطوة رئيس الحكومة مرحّب بها إنما مطلوبة طالما أن هؤلاء يتجاوزون ودولهم الأصول والأعراف. لكن المشكلة تبقى في التخريجة، و حسان دياب ليس استثناءً من بين الرؤساء. جميعهم عندهم علّة تدعى “المستشارين”… فليدعه المنتجون والمخرجون المنتشرون من حوله بسلام.
أكثر ما يحزّ في النفس، أن نرى وزراء حكومته منصرفين عن رئيسهم! أحياناً الآدمية لا تنفع. لهي سابقة في حكومات لبنان أن ينعزل الوزراء عن رئيسهم إلى هذه الدرجة التي بلغت فيها القطيعة والتنمّر حداً. تصوّروا أن أحد الوزراء “قصّ” مقطع “تقريع” السفيرة الفرنسية لدياب، وأخذَ يوزّعه! آخرون لم يتحرّك فيهم “حسّ سياسي” لنصرة رئيسهم. ليس سراً أن هاتف دياب “لم يرن” ولم يبلغه لسان وزير!
يجوز لحسان دياب أن يشتم هنا، يشتم المحيطون به قبل غيرهم. يشتم من دفعه إلى الأمام ثم ولّى هارباً نحو الخلف. في الواقع، تجوز الشتيمة في السياسة ولا إثم للشتّام هنا! على أي حال إننا لا نعيش في بيئة سياسية صالحة، نحن أقرب إلى مزرعة، وفي المزرعة يعلو الشتم والصراخ.
المآخذ على حسان دياب أنه ابتدأ بفعل جميل، لكنه لم يختمه بفعلٍ جميل. هشّمه. سرد وقال ما لديه في محضر استدعاء السفراء ووضع إصبعه على الجرح واتهم “دول الحصار” بالمشاركة في الحصار، لم يكن تقليدياً، وهذا المطلوب في زمن غير تقليدي، لكنه أخطأ في الحساب في لحظة إحالته “الميكروفون” إلى “هيئة الإنتداب” الممثلة بالسفيرتين. كان يجدر، أن يسهب رئيس مجلس الوزراء ويقول ما لديه، وليكتفِ السفراء بالإستماع. ليس مطلوباً منهم التعليق أساساً، وإن أرادوا فثمة وسائل إعلام كثيرة تسبح في بركهم، لكنه سار وراء النصيحة.. ثمة نصائح أحياناً “بتفوت بالحيط”، ومعه حق رئيس الجمهورية حين استوقفه سائلاً عن المقصد من وراء الجلسة متى أنه كان “منزوع قدرة المواجهة” في آخرها؟
ما علينا، إكتفى دياب بسماع ردود الفعل والكلام الجارح، وكان لا بدّ له من أن يرد، طالما أنه، وفي الأساس، رسم من وراء الإجتماع بأنه “غاوي إشتباك”. بخلاف ذلك، تخلى عن هذه الصلاحية وتركَ الحاضرين “يجودون”. عملياً، حسان دياب ليس لديه شيء ليخسره ولم يكن لديه شيء ليخسره. كان في إمكانه تحويل الجلسة إلى “محاكمة عامة” لسياسات سفراء وتدخلاتهم، وليشاهد اللبنانيون نوعية السلك الدبلوماسي الذي لديهم! كان متاحاً له أن يكشف عن الجانب السرّي من تصرفاتهم، وهو الخارج بعد حين من “جحيم السراي” (كما يصفه). كان في إمكانه الهجوم والمناورة وتسمية الأشياء بأسمائها، كان التوقيت مناسباً لكشف النقاب عن المداولات السرّية التي كان يأتي السفير السعودي ليعمّمها في السراي ما دام الحضور إلى السراي لم يعد على سجيته! كان مفيداً فيما لو استعرض جانباً من تهديدات وابتزازات دوروثي شيا… بخلاف كل ذلك، صمت دياب. وقف متفرجاً. بدل أن يكون إماماً لمكاشفة تسقط القناع عن سفراء، تحول إلى مجرم بحق السياسة اللبنانية. في الحقيقية يستحقها، إن الركض خلف “البوم” يأتي بالنحس!
بصرف النظر عن كل تلك الأخطاء، يُعد صمت “نادي رؤساء الحكومات السابقين” استثناءاً. لعل هؤلاء أكثر من ثاروا رافضين التعرّض لصلاحيات رئيس الحكومة، لموقعه، لشخصه. أين حسان دياب من معايرهم؟ الرجل متهم بأنه مرتمٍ في أحضانهم! أقل الواجب أن يجد من “يضع كتفاً” معه. بخلاف ذلك، تُرك حسان دياب، رئيس الحكومة وشغاّل المركز السني الأول في الجمهورية، لـ”غراب البين”. لم تستدعِ كل الإهانات ولو “انتفاضة”. يجدر، وإبتداءً من هنا، أن يخطّ دياب تصنيفاته السياسية لكي تكون عناوين في الكتاب القادم!
عملياً، لا يرى أصحاب مذهب “الرباعي الرئاسي” في دياب أكثر من شاغل لمنصب لا يمتلكه ـ هم يمتلكونه – ولا يغدو أكثر من ضامن له في لحظة الإشتباك السُني ــ المسيحي. “سقطة دياب” إنما تجسد سقطةً للحريري ـ أو سواه – في حال أراد عبور “جلجلة السراي” مجدداً. نظريًا أرسى دياب قاعدة شاذة. كُسر التابو. بات مباحاً لأي سفير أن يخاطب أو يُقرّع أي رئيس، في العلن وكما يشتهي.