عماد مرمل – الجمهورية
شيئاً فشيئاً، تتسرّب حسابات الانتخابات النيابية المقبلة الى أجندات اللاعبين المحليين ورعاتهم الاقليميين والدوليين، فما الجديد في هذا الشأن؟ وكيف يواكبه الاتحاد الأوروبي؟
بدأ هاجس الانتخابات النيابية يخيّم على كواليس القوى السياسية وسلوكياتها، بحيث انّ ملفات عدة باتت تتم مقاربتها منذ الآن من زاوية مقتضيات المصلحة الانتخابية ومعيار الربح والخسارة في صناديق الاقتراع.
الانطباع السائد لدى أغلب المعنيين بالانتخابات هو انها ستحصل في موعدها الدستوري المقرر في أيار 2022، وانّ اي محاولة لتأجيلها لن تمر بسلام هذه المرة وستترتّب عليها كلفة مرتفعة داخلياً ودولياً، بينما لا يغفل آخرون احتمال تأجيلها والتمديد للمجلس الحالي في ظل وضع داخلي متقلّب ومرشح لكل الاحتمالات.
واذا صمد لبنان المترنّح حتى الانتخابات ولم يحصل الانفجار الاجتماعي الضخم قبلها، فإنّ الاستحقاق الديموقراطي المفترض لن يكون فقط اختباراً حاسماً لقدرة القوى الداخلية على عودة قوية تسعى اليها بعدما تعرضت في معظمها للضمور والاستنزاف بعد حراك 17 تشرين، وإنما هو كذلك اختبار لا يقلّ دقة للناخبين الذين ستتوقف على حجم مشاركتهم وطبيعة تصويتهم اتجاهات مرحلة ما بعد الانتخابات التي لن يكون لهم الحق بعدها الاستمرار في الشكوى و«النق».
ومع تلاحق الإشارات الدولية الى الاهتمام بالانتخابات المقبلة، علماً انّ هذا الاهتمام لا ينفصل في بعض جوانبه عن رهانات سياسية على «التغيير الناعم»، زارت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات بيروت حيث التقت رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أكد أمامها انّ الانتخابات ستحصل في موعدها في ربيع 2022، مُبدياً الترحيب بوجود مراقبين دوليين لها كما جرى عام 2018. كذلك، التقت البعثة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في حضور وزيري الدفاع والداخلية للبحث في الاستعدادات للانتخابات.
وتفيد المعلومات انّ وزارة الداخلية أطلقت ورشة التحضير للاستحقاق الانتخابي، وانّ الوزير العميد محمد فهمي يتصرّف على اساس انّ المرحلة الأولى منه ستنجز يوم الأحد في 8 أيار المقبل.
ومع تحوّل الدولة اللبنانية دولة مكسورة ومتسولة، ترفع نداء «مِن مال الله يا مُحسنين»، نتيجة الانهيار المالي الذي لم يوفّر قطاعاً، عُلم انّ فهمي طلب خلال الاجتماع مع بعثة الاتحاد الأوروبي في السرايا الحكومية ان يتولى الاتحاد تمويل جانب من احتياجات الانتخابات المتعلقة بسد النقص في صناديق الاقتراع وتأمين الحبر والقرطاسية وغيرها من التفاصيل اللوجستية، وهو أبلغَ الى الوفد الأوروبي صراحة بأنّ الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر بها لبنان تفرض طلب هذا الدعم، تاركاً للوفد أن يختار الآلية المناسبة لتقديم المساعدة، على أن يُستكمل النقاش لاحقاً في اجتماع آخر.
ويبدو انّ «النجدة المالية» من الاتحاد الاوروبي لا تخفف فقط الاعباء المادية على السلطة اللبنانية، بل تُقفل أيضاً مسارب الهدر التي كانت تنشط «تقليديّاً» خلال فترة الانتخابات النيابية.
ويُنقل عن فهمي قوله في هذا السياق انّ الهدر كان يلتهم احياناً نحو 35 بالمئة من الموازنة المخصصة للانتخابات، مشيراً الى انه تبيّن له، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أنّ علب الحبر المستخدم في البصم عند الاقتراع كانت تشترى بأضعاف مضاعفة عن سعرها الحقيقي، الى جانب تفاصيل عدة أخرى يحتاج سردها الى وقت طويل.
ويؤكد فهمي، كما يُنسب إليه، ان لا مكان للمنتفعين والسماسرة في الانتخابات المقبلة، ولن أسمح بأي سمسرات او صفقات جانبية.
ويشدد على أنّ الانتخابات ستتم وفق الروزنامة الدستورية، «واذا كان هناك من يريد تأجيلها فعليه ان يتحمّل مسؤولية موقفه، لكن من جهتي أنا ماض في استكمال الترتيبات الضرورية لإتمامها».
إلّا انّ أكثر ما يُقلق فهمي حتى ذلك الحين هو اهتزاز الأمن الاجتماعي تحت وطأة الازمة الاقتصادية، وهو أبلغَ إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، خلال لقائه به أمس الأول، انّ الأمن الكلاسيكي ممسوك ومتماسك، «أما ذاك المجتمعي فينحدر من سيئ الى أسوأ والخشية من أن يكون الآتي أعظم».