ايفا ابي حيدر- الجمهورية
مشهد جديد من المعاناة بدأ يطلّ برأسه ليُضاف الى سلسلة الأزمات التي تعاني منها البلاد، فبعدما علت صرخة المستشفيات والافران أخيراً بسبب النقص الحاد الذي تعانيه من مادة المازوت، العنصر الاساس لاستمرارية الخدمات والانتاج، جاء دور المصانع التي بدأ بعضها بالإقفال قسراً خصوصاً الصناعات التي تحتاج الى طاقة مكثفة بسبب النقص الحاد بمادة المازوت ما يهدّد الامن الغذائي وينذر بكارثة اجتماعية تتمثل بتسريح العمال وارتفاع نسب البطالة الى مستويات غير مسبوقة.
في السياق، كشف نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش لـ»الجمهورية»، انّ كل المصانع التي تستعمل طاقة مكثفة اي فيول ومازوت بكميات كبيرة، اي ما بين 15 الى 20 طناً يومياً، توقفت عن العمل الى حين توفّر المازوت. وقال: «المازوت متوفر في السوق السوداء، بحيث يمكن شراء حوالى 2 طن اسبوعياً، الّا انّ هذه الكمية أقل بكثير من حاجة هذه المصانع التي تصل الى 20 طناً. كذلك هناك العديد من المصانع التي توقفت عن العمل لأيام، قبل ان تؤمّن حاجتها من المازوت انما من السوق السوداء وبسعر مضاعف عن السعر الرسمي. واكّد انّه اذا استمر الوضع على ما هو عليه فإنّ كل المصانع ستتوقف عن العمل في خلال ايام، وهذا ما سينعكس نقصاً في المواد الاستهلاكية والغذائية والادوية وتسريح للعمال وارتفاع للبطالة وتفاقم للكارثة الاجتماعية التي نعاني منها. وفي الواقع، نحن بغنى عن اية ازمات اضافية في هذه الظروف الصعبة. أضف الى ذلك توقف عقود الصناعيين مع الخارج، مع ما يعنيه ذلك من تراجع لكمية النقد النادر التي تدخل البلاد. واالمؤسف أنّ احداً لا يهتم بالامن الاجتماعي للبنانيين فيما المهربون يعملون بنشاط ولا شيء يحدّهم».
ورأى بكداش، انّ «حل أزمة المازوت هو بيد فريقين: الفريق الاول هو الفريق الامني من جيش وقوى أمن، والذي من واجبهم مراقبة الحدود البرية لمنع التهريب. اما الفريق الثاني فيتمثل بالأحزاب المسيطرة على معبري الشمال والبقاع، وكل ما عدا ذلك هو تضييع للوقت وبمثابة ذرّ الرماد في العيون». واستغرب بكداش كيف يمكن لبعض السياسيين المسيطرين على المعابر ان يظلموا الشعب اللبناني ويقطعوا عنه الدواء والمواد الغذائية والمحروقات كرمى لعيون الدول المجاورة مقابل حفنة من المال. أضاف: «نحن بوضع استثنائي وخطير جداً خصوصاً واننا بتنا على مقربة من موسم الشتاء، حيث يحتاج فيه الشعب الى المازوت للتدفئة، وعليه، اذا بقي التهريب قائماً دون اي اجراءات فاعلة ورادعة فنحن متجهون نحو كارثة حقيقية».
وتابع: «استناداً الى بيانات مصرف لبنان التي تُظهر اننا استوردنا محروقات اول 6 اشهر من هذا العام بما يوازي مجموع ما استوردناه خلال عام 2019، فهذا يدل الى انّ الفارق اي النصف، إما جرى تهريبه وإما جرى تخزينه، مع العلم انّ التخزين اذا حصل فلا يستحوذ على اكثر من 15% من هذه الكميات، ما يعني انّ هناك 85% من هذه الكميات تُهرّب». واقترح بكداش «بدل ايقاف رجل امن على كل محطة من اجل تسهيل حركة المرور بسبب الطوابير، لما لا يرسلون 5000 عسكري على الحدود لمكافحة التهريب ومراقبة المعابر الشرعية التي تبيّن انّها اخطر من المعابر غير الشرعية التي تمرّر من لبنان الى سوريا المواد المدعومة».
فغالي
من جهتها، تؤكّد مدير عام منشآت النفط اورور فغالي لـ»الجمهورية»، انّ المنشآت وزعت أمس حوالى 4 ملايين ليتر مازوت للاسواق، وانّ الادارة ستسعى جاهدة لتلبية طلب الصناعيين للحؤول دون إطفاء، معاملهم كما سبق واتفقت مع اصحاب المستشفيات والافران والمطاحن على تلبية طلبهم من المازوت بأسرع وقت ممكن. واعلنت انّها تعدّ لقاءً بينها وبين مدير عام الاقتصاد محمد ابو حيدر ومدير عام الصناعة داني جدعون والصناعيين، من اجل متابعة حيثيات هذا الموضوع.
الصناعيون: ارحمونا
وكانت أصدرت جمعية الصناعيين اللبنانيين امس بياناً رفعت فيه الصوت، محذّرة من انّ المصانع مهدّدة بالتوقف عن العمل والإقفال بشكل تام بسبب فقدان مادة المازوت. كما حذّرت من انّ إقفال هذا القطاع الحيوي من شأنه تهديد الأمن الاستهلاكي والغذائي والدوائي والصحي للبنان واللبنانيين، في ظل قيام المصانع اللبنانية بتأمين معظم هذه الإمدادات للسوق المحلية مع تراجع القدرة على الاستيراد بسبب شح الدولار.
وطالبت الجمعية جميع المسؤولين التحرك بأقصى سرعة وتأمين المازوت للمصانع فوراً، و»إلّا فالمصيبة كبيرة، لأنّ تداعياتها لن تقتصر على القطاع الصناعي والعاملين فيه فحسب، إنما ستصيب كل مواطن لبناني وفي كل نواحي حياته اليومية».
وأعلن البيان، أنّه بعد النداءات المتكرّرة التي أطلقتها الجمعية الأسابيع الماضية لتأمين المازوت للقطاع الصناعي بسبب الصعوبات الكبيرة التي واجهتها المصانع للحصول على كميات قليلة منه، ها هي أعداد كبيرة من المصانع اللبنانية تتوقف لساعات طويلة عن العمل، وهناك اعداد أخرى توقفت لايام بسبب فقدان مادة المازوت.
وسألت الجمعية: «ماذا يمكن أن يفعله الصناعيون، لا كهرباء ولا مازوت، والنتيجة إطفاء المعامل، ما يعني إطفاء آخر قطاع لا يزال يقاوم في الاقتصاد اللبناني المتهالك».
وقالت: «سمعنا كلاماً كثيراً ومزايدات، بضرورة دعم القطاعات الانتاجية لأنّها تشكّل أسساً صلبة للاقتصاد الوطني، وكذلك مساندة الصناعة كونها تشغّل أيضاً أعداداً كبيرة من اليد العاملة اللبنانية. اليوم دقّت ساعة الحقيقة، فلا يكفي الاقوال نريد أفعالاً، وأقله تأمين المازوت».
وختمت الجمعية بيانها برفع الصوت قائلة: «إذا كان هناك من مسؤول يسمع في هذه الدولة، نريد تأمين المازوت لمصانعنا، نريد بإلحاح المازوت الآن قبل فوات الأوان.. إرحمونا!».