غسان ريفي – سفير الشمال
وفي الشهر التاسع مات الجنين الحكومي بإعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري بعدما ضاق ذرعا بمطالب رئيس الجمهورية ميشال عون المنبثقة من شهوة جبران باسيل الى السلطة والحكم والى الثلث المعطل الذي يبقيه على قيد الحياة سياسيا.
من المسؤول عن موت الجنين الحكومي؟..
كالعادة تبادل عون والحريري الاتهامات، الأول عبر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية الذي أكد أن الحريري كان يفتش عن سبب لكي يعتذر، والثاني عبر مقابلته مع الزميلة مريم البسام عبر قناة الجديد حيث قال “إن عون لم يبدل من شروطه فهو يريد الثلث المعطل وتسمية الوزيرين المسيحيين ولا يريد لتياره السياسي برئاسة باسيل أن يمنح الحكومة الثقة، وكلما أعطيتهما حقيبة طالبا بأخرى”..
أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فكان رأيه الذي ترجمه عبر تغريدة على تويتر أن “الرئيسين عون والحريري مسؤولان بالتكافل والتضامن عن إجهاض المبادرة الفرنسية”.
ترى مصادر سياسية مطلعة أن تغريدة جنبلاط كانت الأقرب الى الواقع، فالرئيس عون تناسى أزمات البلد ومعاناة اللبنانيين على كل صعيد وخطر الانهيار وكوارث “الارتطام الكبير” وتجاوز كل المساعي الدولية، وتعامل مع تأليف الحكومة بشخصانية وأنانية، حيث لم يكن يريد الحريري رئيسا للحكومة كرمى لعيون صهره جبران باسيل الذي سبق وقال: “إما أنا وسعد داخل الحكومة أو أنا وإياه خارجها”، وأيضا: “ستكون طريق العودة الى السراي الحكومي طويلة جدا”، كما نقل عنه في مجلس خاص بأن “الله لا يخليني إذا خليتو يشكل حكومة”..
وقد كان عون وباسيل مستعدان لتبديل موقفيهما من الحريري بشرط واحد هو تشكيل حكومة على قياسهما بثلث معطل يستطيع باسيل من خلاله الاشراف على عمل الحكومة والتحكم بقراراتها إلا أن الحريري رفض ذلك وإستمر بالرفض الى أن أعلن إعتذاره عن التأليف.
في حين أكد الرئيس المكلف أنه يريد تشكيل حكومته وليس حكومة ميشال عون، لكن في الوقت نفسه تخفف بإعتذاره من أعباء كان يتهيبها لجهة تشكيل الحكومة بخلاف رغبة المملكة العربية السعودية ورفضها تقديم أي دعم مالي، وإبعاد عنه كأس شروط صندوق النقد الدولي، وترسيم الحدود مع العدو الاسرائيلي، وإعادة النازحين السوريين وما يتطلب ذلك من تواصل مع الحكومة السورية، ورفع الدعم عن السلع الغذائية والمستلزمات الضرورية، والانتخابات النيابية التي بات يستطيع أن يخوضها بحرية من دون أي تكبيل حكومي وهذا ما ألمح إليه في مقابلته التلفزيونية.
لكن من تابع الحريري في مقابلته، فوجئ بمهادنته العهد برئيسه ميشال عون وبالصهر جبران باسيل حيث كان ينتظر الجميع هجوما عنيفا وكشف المستور الذي بقي مغطى تحت شعار “نريد أن نتعاون لكي نبني البلد”، ما دفع بعض المراقبين الى الاعتقاد بأن الحريري يرغب بتكليف جديد، في حال نجحت المساعي العربية في إعادة المياه الى مجاريها بينه وبين السعودية التي وجه إليها كمّا من الرسائل الايجابية مؤكدا أن لحم أكتافه من خيرها وأنه من الأوفياء لها.
وما يعزز هذا الاعتقاد، أن الحريري قدم أوراق إعتماد جديدة الى السعودية، فهو إعتذر عن تشكيل الحكومة ولم يخالف توجهاتها، كما شن هجوما على حزب الله متهما إياه بالاساءة الى المملكة وبأنه لم يضغط على عون وباسيل كما يجب لتشكيل الحكومة، وإكتفى بتوجيه الشكر الى الرئيس نبيه بري، وتحدث بإسهاب عن عطاءات المملكة للبنان رافضا أن “يبق البحصة” عن ظروف إحتجازه، ومؤكدا بأنه يزور السعودية متى يريد، لكنه لم يقنع أحدا بالسبب الذي يمنعه من زيارتها وهو “الكورونا” فيما هو يتنقل من بلد الى آخر.
وترافق ذلك أيضا مع تأكيد الحريري بأنه كان ولا يزال يشكل الحل، معلنا أنه في حال كان رئيسا للحكومة فإنه قادر على تثبيت سعر صرف الليرة، والتعامل مع صندق النقد الدولي، والحصول على ثقة دولية للبنان، ما يشير الى أنه ما يزال راغبا بتكليف جديد إذا لم يكن مباشرة فربما بعد فترة، خصوصا أن المعطيات تشير الى أن التكليف الجديد لن يكون بالأمر السهل، خصوصا أن ما لم يعطه الحريري لعون لن يستطيع أي رئيس مكلف إعطاءه إياه، كما أن أي تكليف من دون تسمية النواب السنة سيكون غير ميثاقي الأمر الذي سيفتح الأمور على توترات في الشارع، وهذا ما ألمح إليه الحريري الذي بدا طامحا لأن يرسو التكليف عليه مع تبدل في الظروف لا سيما على المستوى السعودي.
وبغض النظر عن توجهات وطموحات الحريري، فإن مصادر مواكبة تؤكد بأنه بالرغم من الاعتذار والتهويل القائم والتحركات في الشارع وإرتفاع سعر الدولار فإن الانهيار ما يزال ممنوعا، حيث أن المبادرة الفرنسية مستمرة لكن بشخص آخر، وأن باتريك دوريل من جملة ما بحثه مع المسؤولين هو مرحلة ما بعد الحريري، وبالتالي فإن مؤتمر الدعم الفرنسي في 4 آب المقبل سيقام بالتزامن مع العمل على خطين الأول تشكيل حكومة مهمة تعمل على الاصلاحات ولا تتلهى بالصراعات السياسية، والثاني الحفاظ على مؤسسات الدولة من جيش وأجهزة أمنية أخرى، إضافة الى ترجمة كلام الفاتيكان بحماية المدارس والمستشفيات وتوفير سبل العيش للبنانيين، وذلك الى أن تبدأ عملية الانقاذ الفعلية على يد من هو قادر على قيادة المرحلة.