جاء في “الديار” : رؤساء الحكومات السابقون يدرسون وضع شروط لعدم تكرار تجربة الحريري مع العهد
لبنان في “الانتظار” لتكليف جديد… هل سنكون امام فراغ مفتوح ام حكومة قريباً ؟ – نور نعمة
الالم الذي يعيشه المواطن اللبناني فاق كل التوقعات، وبات في القعر وحيدا، مذلولا فقيرا، جائعا وخائفا، في حين ان السلطة تجر البلاد الى الفوضى وعدم الاستقرار الامني، وكأنها لم تكتف بانهاك مؤسسات الدولة وافلاسها.
الدولار تجاوز 22000 ليرة لبنانية، وازمة الدواء لا حل لها حتى اللحظة، والمستشفيات تستغيث بعد تردي احوالها. الجمود السياسي هو سيد الموقف اليوم، ولبنان في انتظار استشارات نيابية تسبقها مشاورات للاتفاق على اسم الشخص الذي سيكلف لرئاسة الوزراء. انما التجارب اظهرت ان التكليف ليس امرا صعبا، انما التأليف هو مسار محفوف بالعقد والعناد والمحاصصة. فهل سيكون لبنان امام فراغ مفتوح ام سيكون لديه حكومة؟ فعليا، المواطن هو من يدفع الثمن غاليا بسبب الصراع الموجود بين احزاب السلطة، وهو الذي اضحى شهيدا حيا في دولة لم تؤمّن له شيئا، بل برعت في افقار الناس وافلاس المؤسسات.
بئس هذا الزمن الرديء حيث اصبح المظلوم يدفع فاتورة افعال الظالم. بئس هذا الزمن الكارثي الذي يعيشه الشعب اللبناني نتيجة اداء العهد و”تيار المستقبل” وكل الاحزاب التي امعنت في سرقة مال الدولة لسنين طويلة وفي تعذيب شعبها وقهره.
فلا حكومة ولا عدالة لضحايا انفجار بيروت، ولا رجال دولة يريدون وقف النزيف اللبناني. فلا رئيس مكلف يعتذر بعد فترة وجيزة لانه غير قادر على التأليف، بل هناك رئيس مكلف وضع الشعب في حالة “انتظار” لمدة تسعة اشهر ومن ثم اعتذر، رغم انه كان يعلم في قرارة نفسه، ان لا حكومة ستبصر النور. وعليه، رمى الرئيس المكلف سعد الحريري كل المسؤولية وكل اسباب الازمة، فضلا عن كرة النار المعيشية، بوجه الشعب اللبناني لخلافه مع العهد ومبرئاً نفسه من تداعيات الاعتذار الكارثية التي اتت على حساب المواطن اللبناني والمآسي التي يعيشها والتي لا تحصى. هذا والعهد لم يُقدم على اي تنازلات، حيث تشبث ومعه التيار الوطني الحر بمطالب غير قابلة للتفاوض، بدلا من تدوير الزوايا من اجل خلاص لبنان و”شعبه العظيم”.
تزامنا مع الجمود السياسي الداخلي، كانت لافتة وتيرة ولهجة البيانات الخارجية الدولية الآسفة للواقع الحكومي والمستعجلة التكليف والتشكيل والمحذرة من الوضع المعيشي- الانساني الصعب.
وتؤكد اوساط ديبلوماسية اوروبية في بيروت لـ”الديار” ان هناك تنسيقا سعوديا- اميركيا-فرنسيا- مصريا للحث على تشكيل حكومة سريعة مهمتها الانقاذ والتحضير الانتخابات،وتقول ان بعد رحيل الحريري لا يستبعد ان يكون هناك شخصية لبنانية اخرى في بال السعودية، وقد يظهر اسمه فجأة الاسبوع المقبل، المهم على ما يبدو عند السعودية ازاحة الحريري والانطلاق نحو مرحلة للتفاهم مع الايرانيين ومن خلفهم حزب الله.
اوساط مقربة من حزب الله: المرحلة اليوم للتشاور وللاتفاق على اسم البديل
بموازاة ذلك ، اشارت اوساط مقربة من حزب الله لـ”الديار” ان الجميع بانتظار اجراء الاستشارات النيابية التي ستحصل على الارجح بعد عيد الاضحى، لافتة الى ان الفترة الممتدة من اليوم الى موعد الاستشارات سترتكز على المشاورات بين الاقطاب للاتفاق على اسم الرئيس المكلف. وتابعت ان الشخصية التي ستكلف لتأليف الحكومة غير معروفة حتى الآن، فلا اسم محددا لذلك، فضلا عن ان هناك انقساما في مقاربة الخط السياسي لرئيس الحكومة، واشارت الاوساط الى ان العهد يريد تسمية شخصية سنية لرئاسة الوزراء خارج “نادي رؤساء الحكومات السابقين”، على سبيل المثال فؤاد المخزومي، جواد عدرا او جمال كبي. اضافت ان العهد يريد طي صفحة الحريري والتوجه نحو شحصيات جديدة. في المقابل، يريد الرئيس نبيه بري وبعض الاطراف السياسية ان يكون نجيب ميقاتي هو البديل وان يكون الاخير رئيس الحكومة المقبل. وتساءلت الاوساط المقربة من حزب الله اذا كان الشخص المرشح لرئاسة الحكومة خارج “نادي رؤساء الحكومات السابقين” سيحظى بتغطية سنية وبتأييد دولي؟ لان اي مرشح سني لا يرضى عليه الرئيس سعد الحريري سيكون ضعيفا وفقا لهذه الاوساط.
ونددت الاوساط المقربة من حزب الله بالفراغ الحكومي، حيث اعتبرت ان المتضرر الوحيد من عدم ولادة حكومة هو الاقتصاد وامن البلد.
وعن انتقادات الحريري لحزب الله وقوله انه لم يساهم في تسهيل التأليف، قالت هذه الاوساط ان حزب الله أيد علنا الحريري ليكون الرئيس المكلف، كما أيد مبادرة بري من اجل تذليل العقبات التي كانت تمنع تشكيل الحكومة، كما كشفت ان الاتصالات بين حزب الله و الحريري كانت جارية دائما وجيدة ، وتابعت الاوساط ان الحزب تدخل بكل جدية لتشكيل الحكومة وباسرع وقت ممكن، مشيرة الى ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله طالب جميع الافرقاء في كلمة له بتقديم التنازلات من اجل مصلحة لبنان وشعبه.
ماذا بعد مرحلة اعتذار الحريري؟
الى ذلك، قالت اوساط سياسية مطلعة ل “الديار” ، ان هناك عدة احتمالات تطرح بعد اعتذار الحريري منذ يومين:
– الاحتمال الاول: ان تستمر حكومة تصريف الاعمال على ما هي عليه.
– الاحتمال الثاني: ان تذهب الامور الى انهيارات متتالية وفراغ مفتوح، وان تنزلق الامور نحو الانفجار الاجتماعي. واشارت هذه المصادر الى ان الاحتمال الثاني قد يحصل، لان الحريري يريد الانتقام من العهد الذي احرجه فاخرجه، وبالتالي يريد ان يضع كل ثقله لتحقيق ذلك.
– الاحتمال الثالث : ان العهد يريد ان يوظف الاندفاع الدولي غير المسبوق لتأليف حكومة، ذلك ان المجتمع الدولي لا يتكلم عن اسم واحد لرئاسة الحكومة كسعد الحريري او غيره، بل جلّ ما يريده حكومة للبنان دون ان يشترط الشخصية التي ستترأس الحكومة، الا انه يشترط ان يكون للحكومة برنامج اصلاحي.
والحال ان هذه الاندفاعة الدولية، لضرورة تشكيل حكومة في لبنان، انطلقت بعد المؤتمر الذي عقد في الفاتيكان، حيث انعقد اجتماع ثلاثي فرنسي- اميركي- سعودي في روما وفي بيروت في الرياض. وهذا المنحى هو الوحيد الايجابي للبنان، لان المجتمع الدولي يريد الحفاظ على استقرار لبنان ولا يريد سقوطه، وفقا للاوساط السياسية التي توقعت ان تحصل الاستشارات النيابية قريبا وبعدها تكليف وآخرها تشكيل للحكومة التي طال انتظارها.
ولفتت هذه الاوساط انه في حال تشكلت حكومة، ستنفذ اصلاحات بالحد الادنى لادارة الانتخابات النيابية لاحقا، وتابعت ان الحريري يكون قد خرج من هذه المعادلة، علما انه كان باستطاعته وضع الماء في كأس نبيذه، وفقا لما قاله له رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وان يقوم بتسوية مع العهد، لا ان يتعاطى معه على قاعدة غالب ام مغلوب ، ولو قارب الحريري الامور بهذه الطريقة، لكان وفر على اللبنانيين معاناة ومآسي ومرحلة ارهقت لبنان، حيث دخل الحريري رئيسا مكلفا والدولار بسعر سبعة آلاف ليرة، وعندما خرج وصل الدولار الى 23000 ليرة لبنانية.
مصادر بعبدا: الرئيس يتمسّك بمبدأ المشاركة ومواقفه تستند دائماً الى نصوص الدستور
من جهتها،اعربت مصادر مطلعة على موقف قصر بعبدا عن املها في ان تلبي الحكومة التي ستشكل بعد الاستشارات النيابية الملزمة ، مستلزمات الانقاذ الذي يتوق اليه اللبنانيون والذي يعمل له رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع جميع المخلصين من المتعاطين بالشأن العام من دون استثناء احد ، لا سيما وان الاساس هو وقف الانهيار واجراء الاصلاحات المالية والاقتصادية ، والعمل على اعادة الودائع الى اصحابها ، وتطوير النظام السياسي .
وفيما اعتبرت هذه المصادر، ان اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن تأليف الحكومة بعد تسعة اشهر تقريبا من تكليفه ، امر مؤسف ولا يجوز ان يشكل انتصارا لاحد ، واكدت انها ليست في وارد الدخول في سجال حول ما يثار بالنسبة الى مسألة الاعتذار، وما ينسب الى الرئيس عون من اتهامات بخرق الدستور ، لان مواقف الرئيس عون استندت دائما الى نصوص الدستور والى مندرجات وثيقة الوفاق الوطني ، والى تمسكه بمبدأ المشاركة في صناعة القرارات الوطنية في الاستحقاقات الدستورية الكبرى .
وسجلت المصادر بايجابية موقف الرئيس الحريري بانه لن يقاطع الاستشارات النيابية المقبلة، لان في ذلك احساسا بالمسؤولية واحتراما للنظام الديموقراطي الذي ينظم الخلاف او التنافس السياسي ، علما ان الخروج الطوعي من التكليف ليس خروجا من الحياة السياسية ، ولا بد من التعاون ، كل في موقعه ، من اجل الخير العام .
بري حريص على الدستور: الاستشارات النيابية اولا
ونقل عن زوار عين التينة ان الرئيس نبيه بري حريص على تطبيق الدستور واحترامه، ولذلك يترقب اعلان رئاسة الجمهورية عن موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتقوم الكتل النيابية بتسمية شخصية لرئاسة مجلس الوزراء ولتأخذ اللعبة الديمقراطية مجراها.
اجتماع مرتقب لرؤساء الحكومات السابقين
وعلمت “الديار” ان رؤساء الحكومات السابقة سيجتمعون قريبا للبحث وتقييم التطورات الاخيرة” حيث يدرسون وضع شروط مسبقة لترشيح اي شخصية منهم، لعدم تكرار تجربة الحريري مع العهد والتي انتهت باعتذار الحريري من التكليف.
برودة “قواتية” حول اعتذار الحريري
الى ذلك، لفتت مصادر وزارية ل “الديار” ان “القوات اللبنانية” تعاملت ببرودة تامة مع اعتذار الحريري، لعدة اعتبارات ابرزها، ان القوات تولي اهمية عالية لعلاقتها الجيدة مع المملكة العربية السعودية التي وضعت “فيتو” على الحريري ولم تدعمه في مسار تأليف الحكومة لا معنويا ولا ماديا، وبالتالي، لم تبد “القوات” اهتماما بما اقدم عليه الحريري. وايضا،جاء كلام الحريري في المقابلة التلفزيونية انه لن يرشح الدكتور سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، ليزيد هذا الاعلان الشرخ الحاصل بينهما. وهذا الواقع يدل على عمق الخلاف بين “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية”، وان الهوة تزداد بين الطرفين عند عدة استحقاقات دستورية.
عبدالله: نتمنى حصول الاستشارات بسرعة في ظل الظرف الاستثنائي
من جهته، قال النائب بلال عبدالله لـ “الديار”، وهو عضو في الحزب التقدمي الاشتراكي: “حاولنا قدر الامكان دعوة الفرقاء السيايين لتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية ولكن لم ننجح بمساعينا” ، وتابع: “اليوم وفي ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، نتوقع ان يدعو رئيس الجمهورية للاستشارات النيابية الملزمة بسرعة، لان البلاد لا تحتمل الفراغ، كما نرجو ان لا تتكرر تجربة التكليف الذي حصلت مع الحريري والتي انتهت دون نتيجة”. وحذر النائب عبدالله من توجه البلاد نحو مزيد من التفلت الامني ومزيد من تدهور الحالة المعيشية والمالية والاقتصادية.
اما عن كلام البعض عن تدويل لبنان، بعد فشل السلطات بتشكيل حكومة،اعتبر عبدالله “ان الازمة السورية تم تدويلها ورأينا بام العين ما حصل ويحصل من التداعيات السلبية للتدويل، فكيف يمكن لعاقل ان يرغب او يطالب بتدويل لبنان”؟ اضاف : “هل يحتمل لبنان ان يتم تدويله، وفي الداخل الافرقاء لم يحسموا خياراتهم ولم يقوموا بواجباتهم الوطنية” ؟ ورأى “ان التدويل هو وضع لبنان في خضم العاصفة الاقليمية”، الا انه لفت ان “الواقع لا يشير الى ان لبنان على “بال” أحد في المجتمع الدولي”. واشار الى ان فرنسا “هي الدولة الوحيدة العازمة على مساعدة لبنان، ولكن للاسف لم يتجاوب الاطراف اللبنانيون معها”.
“القوات”: التكليف مضيعة للوقت… وكان الاجدر الاستقالة المشتركة من البرلمان
بدورها، اوضحت مصادر “القوات اللبنانية” ل “الديار” ان “برودة موقف القوات اللبنانية من اعتذار الحريري مردها ان القوات توقعت امرا من اثنين : اما ان يعتذر في نهاية المطاف، اما ان تلقى حكومته المصير المشابه لحكومة الرئيس حسان دياب، اي ان لا تتمكن من القيام باي اصلاحات او اي عمل يفيد لبنان. من هنا، تعاملت القوات مع خطوة الاعتذار بطريقة ان الامر لا يعنيها، لانها منذ اللحظة الاولى اعتبرت ان كل ما حصل في الفترة الماضية الى لحظة الاعتذار هو مضيعة للوقت، لان تسعة اشهر ليس بوقت قليل ،خاصة في هذه الظروف الصعبة والاستثنائية التي يمر بها لبنان”. واعتبرت المصادر “كان الاجدر الذهاب الى استقالة مشتركة بين “القوات” و”المستقبل” والحزب التقدمي الاشتراكي من مجلس النواب عندما كانت مطروحة الاستقالة، من اجل فرض الانتخابات النيابية المبكرة. اما اليوم تغيرت الامور، فالاشتراكي يدعو للتسوية، واوساط الحريري كانت تقول انه عندما يعتذر الحريري سيترافق ذلك مع استقالة من مجلس النواب، ولكن ذلك لم يحصل”.
واكدت المصادر نفسها “ان اولوية القوات تندرج في اربع اولويات اساسية: العنوان الاول الانتخابات النيابية، والعنوان الثاني التدقيق الجنائي لجهة ان هذا الامر لا يجب اطلاقا التهاون فيه، لا بل يجب الذهاب به حتى النهاية. وكشفت ان هناك اطرافا تتعامل مع التدقيق الجنائي على طريقة الالتفاف المقصود في هذا المسار. والعنوان الثالث الحفاظ على الاحتياطي الالزامي، خاصة بعدما بدأ البعض يمس به والذي يشكل الخميرة المتبقية للناس وللدولة.اما العنوان الرابع، فهو رفع الحصانات عن كل الذين شملهم قرار قاضي التحقيق العدلي طارق بيطار في ملف انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020. واعتبرت المصادر ان اي شخص بريء يجب ان يفسح المجال لبيطار بان يضع بيده كل المعلومات من اجل الوصول الى الحقيقة، وتابعت ان هذه المجزرة التي دمرت نصف بيروت لا يجب التعاطي معها بهذه الخفة، وعليه ستعمل القوات بكل جهد للدفع نحو العدالة في جريمة 4 آب”.
حسابات الحريري الخاطئة
في الحقيقة، لم يعد خافيا على احد ان الحريري اجرى حسابات خاطئة حيث ارتكزت على انه سيكلف في لحظة انهيار يعيشها لبنان، وبالتالي العهد بحاجة لرافعة يشكلها الحريري، وعليه سيتمسك به رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. كما ان الحريري اعتبر ان باسيل غارق في ازمة شعبية بعد ثورة 17 تشرين، وهذا يعني انه في وضع مأزوم وسيكون بحاجة للحريري. اما بالنسبة للثنائي الشيعي، وتحديدا حزب الله، فهو بحاجة للحريري لتشكيل حكومة لابعاد التدخل الدولي، فضلا انه حليف لبري، وبالتالي، يرتكز عليه الى جانب تمتعه بشبكة علاقات خارجية.
وانطلاقا من هذه المقومات التي بنى عليها الحريري حساباته، اعتبر انه سيتمكن من الامساك بالامور ووضع شروطه على العهد، وراهن على حزب الله بانه سيكون الى جانبه، وسيضغط على الرئيس ميشال عون. وهنا كانت الحسابات الخاطئة . فلا العهد استسلم وخضع لشروط الحريري، ولا حزب الله جعل الحريري اولوية بالنسبة له على حساب علاقته مع العهد.
اما العلاقات الخارجية، فلم تفرض على الداخل اللبناني اي تغيير في المسار السياسي. وبعد حين، ادرك الحريري ان حساباته كانت رهانات خاطئة، ولكنه لم يعتذر، لانه رأى ان تحدي العهد ومواجهته سيكسبه شعبية في الشارع السني، خاصة ان الحريري ادرك انه بات ضعيفا في بيئته السنية في السنوات الماضية. والاسوأ من ذلك، انه وضع معادلة قوامها انه سيخرج من التكليف اذا خرج الرئيس عون من قصر بعبدا ولم يعد رئيسا للجمهورية. فاين اصبحت هذه المعادلة اليوم؟
وانطلاقا من كل هذه المعطيات المذكورة، لم يخرج الحريري مهزوما فقط ، بما انه اشترط اعتذاره باستقالة الرئيس عون، واذ برئيس الجمهورية لا يزال في موقعه، انما ادخل البلاد في هلاك ما بعده هلاك. الحريري كسب شعبية عند اللبنانيين السنة، انما اقل من المتوقع، ولكنه ارهق لبنان مدة تسعة اشهر. والحركة التي ظهرت في الشارع كانت منظمة ومحدودة وغير مؤثرة على نطاق البلد برمته، ناهيك عن مقابلته التلفزيونية، حيث لم يظهر بموقع القوة لناحية تخريج موقفه السياسي للناس. هكذا دخل الحريري قويا عند تكليفه وخرج ضعيفا، ولكن الثمن الكبير من الفراغ الحكومي دفعه الشعب اللبناني المسكين الذي يتخبط بفشل وفساد السلطة.