حسن الدّر
أسقط اعتذار الرّئيس سعد الحريري آخر محاولات الرّئيس نبيه برّي لتسوية الأوضاع بين قطبيّ التّسوية الرّئاسيّة (الحريري وباسيل) الّتي رفضها منذ البداية.
وتعنّت الوزير باسيل أفقده فرصة الخروج من مأزقه السّياسيّ، وحفظ ماء وجه عمّه في آخر شهور العهد الجهنّمي، فبتنا قاب قوسين أو أدنى من الفوضى الموعودة، في ظلّ تفاقم الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وتعذّر العثور على “انتحاريّ” سنّيّ يقبل مهمّة التّكليف، فصار حالة الدّولة أشبه بالعبارة المكتوبة على أغلب شاحنات النّقل: “سارحة والرّبّ راعيها”.
ثمّة مفارقة فيما ورد أعلاه، هي أنّ المتّهم بمحاربة “العهد القويّ” أكثر حرصًا من ثنائي العهد، فلم يألُ جهدًا لاصلاح ما خرّبه الشّابّان الطّموحان على نفسيهما وعلى اللّبنانيين، ولم يترك فرصة إلّا واستثمرها لتدارك الانهيار وانقاذ ما تبقّى من ماء وجه الدّولة أمام مواطنيها، وأمام الخارج المتربّص بها.
سلوك الرّئيس نبيه برّي الوطنيّ غريب عن سياسيي الصّدف وممتهني السّلطة باسم الطّائفيّة والحسابات الشّخصيّة.
ولأنّ برّي يعمل بقاعدة “لا يجتمع الحقد مع السّياسة” تغاضى عن إساءة جبران باسيل الشّخصيّة له، وتناسى ذهاب الحريري إلى التّسوية الرّئاسيّة دون التّنسيق معه، ثمّ استقال غداة السّابع عشر من تشرين بعدما قدّم له برّي لبن العصفور، واليوم أعاد الكرّة ثالثة.
يأخذ بعض مناصري حركة أمل على قيادتهم ترفّعها الدّائم عن الرّدّ على حملات التّشويش والتّشويه الّتي يشنّها فريق العهد عليه، ذلك الفريق الّذي يعلّق شمّاعة “ما خلّونا” على بوّابة قصر عين التّينة تهرّبًا من عجزه وفشله، وتغطيةً على صفقاته وسمسراته من معامل وبواخر الكهرباء المظلمة، إلى سدود المياه الجافّة إلى آخر الملفّات المتراكمة؛ علمًا بأنّ الفريق نفسه أوهم جمهوره، قبل خمس سنوات، بأنّ نبيه برّي انتهى سياسيًّا، و “العهد القويّ” سيفقده صفة “المايسترو” في التّركيبة الجديدة.
وعلى سيرة حملات التّشويه الّتي تطال الرّئيس نبيه برّي وحركة أمل، يجب الوقوف عند بعض المحطّات والوقائع والأرقام، لأنّ الأحداث المتسارعة والمترافقة مع سياسة “الحقنة تحت الجلد” تكاد تنجح في تحقيق غايتها بعدما جنّدت وسائل الاعلام ومواقع التّواصل، وفتح الهواء للأبواق المأجورة، فيحاضر المطرود بالعفّة والنّزاهة، ويعلو صوت المرتزق لتعلو تسعيرته عند مشغّليه!
وهؤلاء الّذين نخروا رؤوسنا بالحديث عن فساد حركة أمل ورئيسها، والّذين لم يقدّموا مستندًا واحدًا يثبت ادّعاءاتهم، يتغافلون عن حقيقة أنّ حركة أمل تفرّدت عن باقي الأحزاب بطرد ورفع الغطاء عن وزراء ونوّاب ومدراء عامّون وموظّفين، وأحالتهم إلى القضاء، فتحوّل بعضهم، بحكم الوقاحة، إلى فلاسفة ومنظّرين ومحلّلين استراتيجيين!
لكنّهم يخفون عن الرّأي العام أنّ “أمل” بعيدة كلّ البعد عن كلّ مسبّبات الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، فالحركة لا تملك امتيازًا ولا احتكارًا لمورد واحد من موارد الدّولة على كامل أراضيها، ولا تملك شركة تجاريّة احتكاريّة واحدة، ولا وكالة استيراد أو تصدير، ولم يدّعِ أحد علاقتها بشبكات تهريب النّفط والمواد الغذائيّة وشتّى أصناف الممنوعات.
حركة أمل ورئيسها لا تملك مصرفًا ولا مساهمة لها بأيّ مصرف، في حين استفادت معظم القوى السّياسيّة من نهب أموال المودعين، ومن عائدات الهندسات الماليّة بمئات ملايين الدّولارات.
والحركة لا تملك شركة لاستيراد النّفط وتكديس الأرباح، ولا مطحنة أو فرنًا تحتكر فيه طحين الفقراء، ولا حتّى صيدليّة أو مستودعًا للأدوية تتاجر فيه بأدوية المرضى المعذبين، ولا مستودعًا للمواد الغذائيّة تبيع فيه المواد المدعومة على حساب النّاس.
وإذا كانت حركة أمل قد تولّت وزارة الماليّة، ولمرّة واحدة، فالقاصي والدّاني يعلم أن لا وصاية للوزارة على البنك المركزيّ وحاكمه الّذي يعمل بقانون “النّقد والتّسليف”.
وإذا كان إقرار سلسلة الرّتب والرّواتب خطأً، فالحركة ليست وحدها الّتي أقرّت السلسلة، الّتي كانت مطلبًا شعبيًّا ضاغطًا وقت إقرارها، واستفاد منها معظم اللّبنانيين.
وإذا أردنا محاسبة “أمل” فلتحاسب في “مجلس الجنوب” الّذي أدارته، وخاضت من خلاله معركة إنماء الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، فبنت مئات المدارس ومئات شبكات الكهرباء والمياه والآبار والطّرقات والجسور والمراكز الصّحّيّة وغيرها من البنى التّحتيّة اللّازمة لتثبيت النّاس في أرضهم، وأعادت بناء القرى المهدّمة والمنازل المتضرّرة، وساعدت جميع عوائل الشّهداء والجرحى والمحرّرين، وأعادت المهجّرين إلى قراهم..
كلّ ذلك بأقل من مليار وثلاثمئة مليون دولار خلال ثلاثين عامًا، أي ما يوازي 80% من مصروف الكهرباء في سنة واحدة، ولم تسجّل باسم الحركة منشأة واحدة، بل سجّلت باسم الدّولة اللّبنانيّة مع الأرض الّتي بنيت عليها، ليردّ “مجلس الجنوب” المبالغ الّتي وضعت بين يديه أضعافًا إلى الدّولة اللّبنانيّة!
“حركة أمل تلفظ أنفاسها الأخيرة، ونبيه برّي انتهى”
لا أذكر كم مرّة تردّدت هذه العبارة، لكنّني متأكّد أنها “Slogan” لكلّ استحقاق يمرّ به لبنان، وبعد كلّ استحقاق تثبت “حركة أمل” أنّها شجرة طيّبة، أصلها ثابت في الأرض بأكثر من سبعة آلاف شهيد ارتقوا لأجل وحدة لبنان وحرّيّته وسيادته.
وما بني على حقّ فهو حقّ، والحقّ لا يموت..
وللحديث تتمّة..