السبت, نوفمبر 23
Banner

الإستشارات الاثنين والرئيس مجهول.. واشنطن وباريس تراقبان.. والإذلال يتجدّد

حالٌ من الضياع تكبس على المشهد الداخلي، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حدّد موعد الإستشارات النيابيّة الملزمة الإثنين المقبل، لاختيار خلف للرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومة. ولكن من دون ان يلوح في أفق هذه الإستشارات اسم الشخصية التي سيرسو عليها الإختيار. وفيما بدا تحديد موعد الاستشارات من قِبل رئيس الجمهورية، وكأنّه محاولة رئاسيّة لحشر الكتل السياسية بمهلة الاسبوع، لتفعيل حركة المشاورات لتظهير اسم الشخصية، أو الشّخصيات المرشحة لهذا الاستحقاق، فإنّ الثابت بالأمس، هو أنّ المستويات السياسية على اختلافها، وكذلك الكتل النيابيّة التي ستسمّي الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، لا تملك أي معطى، ليس فقط حول الشخص المحظوظ الذي سيرسو عليه التكليف، بل حول أسماء المرشّحين المفترضين.

لا اتفاق

وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّه حتى يوم أمس، لم تحصل مشاورات جديّة للتوافق المسبق على “الرئيس المكلّف”، وهو امر سيتكثف خلال الاسبوع السابق لاستشارات الاثنين، ولن تحول عطلة عيد الاضحى دون ذلك. في وقت تجهد بعض “الغرف الخفية” في تطيير اسماء لشخصيات سنيّة في الفضاء السياسي، سواء من باب جسّ النبض حول بعضها، أو ترشيح بعضها أو حرق البعض منها.

وفيما ادرجت مصادر سياسية استشارات الاثنين تحت احتمال التأجيل، بالنظر الى عدم وجود مرشّح جدّي حتى الآن، وليس ما يضمن أن يتمّ الوصول إلى هذه الشخصية من الآن وحتى موعد الاستشارات، أكّدت مصادر سياسية موثوقة لـ”الجمهورية”، انّ الاثنين المقبل سيتمّ تكليف شخصية بديلة للحريري، خصوصاً وانّ القوى السياسية والنيابية ملزمة في الاتفاق على هذه الشخصية، وثمة وقت متاح وكافٍ من الاثنين وحتى ما قبل الاثنين المقبل لبلوغ هذه الغاية، لأنّ كلّ تأخير اضافي له أثمانه السلبية على البلد.

من سيُكلّف؟

وإذا كان من الواضح أنّ رئيس الجمهورية ومعه فريقه السياسي، مستعجل لتكليف شخصية تطوي آثار مرحلة التكليف السابقة، إلّا أنّ الثابت لدى سائر المستويات السياسيّة، هو أنّ استحقاق التكليف هذه المرّة شديدة الحساسية، ما يوجب مقاربته بواقعية وموضوعية وبعيداً من أية خلفيّة استفزازية لأيّ مكوّن في البلد سياسيّاً كان أو طائفيّاً، وذلك حتى لا يكون هذا الإستحقاق منطلقاً لشرارة تشعل فتيل مشكل داخلي يزيد امور البلد تعقيداً وتوتراً.

وتؤكّد مصادر سياسيّة معنيّة بالملف الحكومي لـ”الجمهورية”، انّ الاساس في هذا الإستحقاق، هو الوقوف بداية على موقف المكوّن السنّي، وتحديداً الرئيس سعد الحريري، بالنظر الى موقعه على مستوى الطائفة السنيّة، وبوصفه صاحب الكتلة السنّية الأكبر، ما يعني أنّ أي شخصية تُطرح لرئاسة الحكومة، يتوجب التفاهم حولها أولاً مع الرئيس الحريري، سواء لناحية تسميتها، او تزكية شخصية من بين الشخصيات المطروحة في التداول، او أي شخصية اخرى.

وأكّدت المصادر، انّ رئيس المجلس الينابي نبيه بري مع هذا التوجّه، ويماشيه في ذلك “حزب الله” وسائر الحلفاء الذين سمّوا الحريري في استشارات التكليف السابقة. فالمهمّ هو ان يقوم التكليف الجديد على قاعدة تفاهمية، وليس على قاعدة استفزازية لها عواقبها على المستوى الداخلي بشكل عام.

لا حسان جديداً

إلّا أنّ الأساس في ما يتمّ التداول به بين المستويات السياسية، حول استحقاق الإثنين، هو تحديد مجموعة معايير ينبغي التقيّد بها لإخراج تكليف ناجح، وليس تكليفاً كيفما كان:

اولاً، ان يأتي التكليف بأوسع توافق سياسي، ويرسو على شخصية وازنة محتضنة من بيئتها السنّية السياسية والدينية. أي ألّا يأتي هذا التكليف من لون واحد، ويُفرض على الآخرين.

ثانياً، رفض حكومة الغالب والمغلوب. ولا حكومة من لون واحد، لأنّ هذا النوع من الحكومات أثبت فشله الذريع. وبمعنى اوضح، لا تكرار لتجربة حسان دياب، التي اثبتت حكومته فشلها، بشهادة الجهات التي تحمست لدياب حين تكليفه.

ثالثاً، التعامل مع الاستحقاق الحكومي ككل، بجديّة كاملة، والحسم المسبق لمهمّة الحكومة حتى ولو كان عمرها شهراً واحداً، كحكومة طوارئ فاعلة بمهمّة محدّدة اولويتها بالشروع الفوري في ولوج باب العلاجات للأزمة الراهنة دون أي إبطاء، مهما كانت هذه العلاجات قاسية. وليس حكومة تبدو كحكومة انتقاليّة وظيفتها فقط إجراء الإنتخابات النيابية. فحصر وظيفة الحكومة بالانتخابات النيابية معناه قراراً مسبقاً بتطويل أمد الازمة وتأجيل علاجاتها، ما يعني مفاقمة التدهور والآثار السلبيّة على اللبنانيين.

رابعاً، حتى لا تتكرّر تجربة ما حصل مع تكليف الرئيس سعد الحريري والذي انتهى في نهايته إلى الاعتذار بعد 9 اشهر من المماحكات والتعطيل والشروط والمعايير المتصادمة، فإنّ المعيار الأساس الذي ينبغي الالتزام به سلفاً من كل الأطراف، هو الوصول إلى حكومة وازنة ومتوازنة، لا ثلث معطلاً فيها لأي مكون مشارك فيها، ولا غلبة فيها لطرف على سائر الأطراف. توحي بالثقة للبنانيين وللمجتمع الدولي، وترتكز في تشكيلها على مندرجات المبادرة الفرنسية.

خامساً، المبدأ العام، هو تشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيّين لتولّي المهمّة الانقاذية، ولكن هذا لا يعني أنّ الباب مقفل على نقاش حول حكومة مختلطة من اختصاصيين وعدد قليل من السياسيين، تقوم بالمهمة ذاتها.

إستعجال فرنسي

إلى ذلك، قالت مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ”الجمهورية”، إنّ باريس تتابع دقائق الوضع في لبنان، وتأمل بعد تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة أن يُصار الى تكليف رئيس لحكومة تسارع الى اطلاق المعالجات السريعة للواقع اللبناني الصعب. اضافت المصادر، أنّ باريس تنتظر أن يبادر المسؤولون في لبنان إلى تأليف حكومة سريعاً من دون أي تباطؤ، ولا ترى مبرراً لمزيد من تضييع الوقت والفرص على ما جرى في الأشهر الطويلة من التعطيل، والتي كان من نتيجتها زيادة معاناة الشعب اللبناني.

واشنطن.. تشجيع وقلق

وقد لفتت بالأمس زيارة قامت بها السفيرة الاميركية في لبنان لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، وبحثت معه على نحو ساعة تطورات الوضع الداخلي.

وفيما غادرت السفيرة الأميركية عين التينة من دون أي تصريح، لخّصت مصادر واسعة الاطلاع الموقف الاميركي من التطورات اللبنانية بالآتي:

– اولاً، الحفاظ على الاستقرار في لبنان.

– ثانياً، قلق واضح مما آل اليه الوضع في لبنان، وبلوغ الازمة حداً خانقاً للبنانيين.

– ثالثاً، تشجيع القادة في لبنان على تشكيل حكومة جديدة في اسرع وقت ممكن، تلبّي متطلبات الشعب اللبناني

– رابعاً، إجراء اصلاحات سريعة وجذرية، والعمل بصورة جدّية على مكافحة الفساد، كسبيل لفتح الابواب لتدفق المساعدات الخارجية الى لبنان.

وفد الخزانة

يُشار في هذا السياق، إلى زيارة بدأها إلى بيروت أمس، وفد من مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية التابع لوزارة الخزانة الأميركية. وبحسب بيان للسفارة الاميركية، فإنّ “الوفد سيجتمع مع محاورين من القطاع المالي وجماعات المجتمع المدني للمشاركة في مناقشة القضايا المتعلقة بالفساد والتمويل غير الشرعي ومكافحة الإرهاب”.

وفي السياق، ربطت مصادر سياسية بين زيارة وفد الخزانة الاميركية وبين معلومات تحدثت عن جرعة عقوبات اميركية يجري إعدادها بحق عدد من الشخصيات اللبنانية.

ومن المعلوم هنا، انّ واشنطن اكّدت أكثر من مرّة عزمها على فرض عقوبات على من تعتبرهم قادة فاسدين، اضافة إلى شراكتها مع فرنسا التي جرى الإعلان عنها قبل اسابيع في فرض ضغوط ( عقوبات) على معطّلي الحلول وتشكيل حكومة في لبنان.

عون والحريري

وربطاً بالملف الحكومي، لفتت تغريدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للتهنئة بعيد الاضحى اعلن فيها: “أننا مستمرون في بذل كل جهد ممكن للسعي الى الخروج من الأزمة الإقتصادية الخانقة”، فيما برزت تغريدة للرئيس الحريري في المناسبة ذاتها قال فيها: “يهلّ علينا عيد الاضحى المبارك، ولبنان الحبيب مع شعبه الطيب تعصف به هذه الازمات، والتي كان بوسعنا أن نضع حداً لهذا الانهيار المريع، لولا تعنّت البعض وأنانيته”.

أمل: رجم الشياطين

إعتبرت حركة “أمل” في بيان لمكتبها السياسي امس، انّ ترددات اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة تتصدّر صورة ضبابية للمشهد اللبناني. ودعت إلى الإسراع في إجراء الإستشارات النيابية الملزمة، التي يتوقّع اللبنانيون أن تنتج تسمية رئيس يُكلّف بتشكيل حكومة قادرة على الإنقاذ بعيداً عن التسويف والمماطلة وكل الحسابات والمصالح الخاصة، وتُخرج لبنان من نفق الأزمات المتوالدة التي أثقلت كاهل المواطن، وأن تكون عيدية مناسبة الأضحى برجم شياطين التفرقة والمصالح والأنا والإستئثار والتحكم ونبذها من النفوس جميعها، وأن يتوافق اللبنانيون كلهم على خارطة طريق تؤسس لمستقبل لبنان الواحد، من خلال السعي لإقامة الدولة المدنية للخلاص من عصب الطائفية البغيضة بما يتناسب مع مفهوم الديمقراطية الحقيقية التي تقدّم مدخلاً حوارياً جديراً بالالتفات إليه، بما يحّصن المجتمع ويحفظ تنوع لبنان بكل ألوان طيفه”.

وخلصت إلى التأكيدعلى أنّ العيد هو مناسبة للتضحية بالمصالح الذاتية من أجل إنقاذ لبنان”، مؤكّدة أنّه “يكفي اللبنانيين وجعهم وجوعهم وشظف عيشهم الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ لبنان”، ومنبّهة “من مغبة الايغال في جرح الناس عبر التفلّت والتجاوزات والمتاجرة بحقوق الناس التي قد توصل إلى فوضى متنقلة تستهدف الإستقرار العام”.

ايران

في هذا الوقت، قال المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة امس، رداً على سؤال حول اعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وإجراءات إيران الرامية لاستقرار لبنان: “انّ الشعب اللبناني هو من يقرّر مصير بلاده”. مضيفاً: “لم نتراجع في أي وقت من الأوقات عن تقديم الدعم للأطراف اللبنانية سواء الحكومة أو الفئات أو الأحزاب”.

واشار الى أنّه “في هذه الظروف التي يعاني فيها الشعب اللبناني من ضغوط اقتصادية، أعلنا استعدادنا لتقديم أي مساعدة ممكنة ولن نبخل بها”. وختم خطيب زادة بالقول: “إنّ المهم هو وصول المفاوضات السياسية إلى نتيجة، وأن يتمّ تشكيل الحكومة على وجه السرعة”.

الإذلال

على انّه بالتوازي مع الضباب المسيطر على الاستحقاق الحكومي، فإنّ كلّ يوم يمضي تتكشّف فيه عورات اضافية للسلطة في ذروة عجزها، كما تتكشف الجرائم المتتالية التي ترتكبها المافيات بحق المواطن اللبناني، الذي بلغ حاله أسوأ درجات التردّي، تلوح في افقه القريب نذر الانفجار الاجتماعي الرهيب؛ لا مستشفيات، لا دواء، لا مواد غذائية، واسعار حارقة، وتجار ومحتكرون مجرمون، ومسلسل الإذلال عاد ليحبس الناس في طوابير السيارات امام محطات المحروقات، تُضاف إليها جريمة إخفاء مادة المازوت، برغم ما يترتب على ذلك من انتكاسات، فبلا مازوت، لا كهرباء، لا مولدات، لا أفران، لا زراعة ولا ري، ولا مستشفيات، ولا برادات لتخزين الاساسيات.. واما الأمن، فيتأرجح على حافة الهاوية، باعتراف الأجهزة الأمنية والعسكرية. الشعب ينازع، فيما السلطة مصابة بجفاف سياسي واخلاقي لا سابق له حتى في العصور المظلمة.

المجلس الأعلى

وسط هذه الاجواء، انعقد مجلس الدفاع الاعلى برئاسة رئيس الجمهورية، استعرض فيه حال البلد، من دون ان تصدر عنه أي إجراءات او قرارات نوعية، بل اكتُفي بالإعلان في نهايته عن أنّ “المجتمعين درسوا الأوضاع الأمنية في البلاد، لا سيما مع حلول عطلة عيد الأضحى المبارك وضرورة جهوزية القوى العسكرية والأمنية للمحافظة على الامن والاستقرار خلال فترة العيد. كما درس المجلس عدداً من المواضيع المدرجة على جدول اعماله، واتُخذت في شأنها القرارات المناسبة التي أُبقيت سرية وفقاً للقانون”.

الحصانات

من جهة ثانية، طالبت كتلة “الجمهورية القوية” الرئيس بري، بدعوة الهيئة العامة للمجلس للتصويت على طلب الإذن برفع الحصانة عن النواب غازي زعيتر ونهاد المشنوق وعلي حسن خليل.

وأعلن النائب جورج عقيص في مؤتمر صحافي عقده امس، “رفضنا القاطع لعريضة الاتهام بحقهم الجاري توقيعها من قِبل بعض الزملاء”، ودعا المجتمعَين المحلي والدولي الى مناصرة موقفنا الذي نعلنه اليوم من مجلس النواب”.

وقال عقيص: “انّ المجلس النيابي هو، في أي دولة، مصدر القانون والقاعدة القانونية، وهو ضابط الاصول وحامي الشكل والإجراء والأساس في كل القوانين النافذة، وهو في الوقت عينه مرآة المزاج العام، وانعكاس الارادة الشعبية، ضمير الشعب، صوته والمعبّر عن تطلعاته. تلك هي خلطة الديموقراطية وميزتها الخالصة”.

اضاف: “انطلاقاً من هاتين الركيزتين: حصرية حماية القانون من جهة، وحصرية تمثيل الشعب من جهة أخرى، يشذ أي مجلس نيابي إن هو استند على احداها دون الاخرى، كأن يقدّم التشريع مثلاً على حساب تمثيل ارادة الناس، او بالعكس يفضّل محاكاة ارادة الناس على حساب سيادة القانون. فإنّ كنا نصف المجلس النيابي الذي يقوم على ركيزة واحدة من الركيزتين المذكورتين بالشاذ، فكيف بالأحرى ان نصف المجلس الذي يهدم في وقت واحد ركيزتي شرعيته. بماذا يمكننا ان نصف الأكثرية النيابية في المجلس التي تخالف الدستور ونظامه الداخلي، وتناهض الرأي العام اللبناني في وقت واحد”؟

Leave A Reply