منذ مطلع يوليو (تموز) الجاري يتزايد القلق في الأوساط الصحية الأوروبية من تراجع وتيرة التلقيح في الوقت الذي تواصل طفرة «دلتا» توسيع دائرة انتشارها، ويتضاعف عدد الإصابات أسبوعاً بعد أسبوع في معظم البلدان التي عادت لفرض القيود على التنقّل والتجمعات خوفاً من ظهور موجة وبائية خامسة والاضطرار للعودة إلى الإقفال العام الذي يخشى أن يقضي على الجهود المبذولة للنهوض من الجائحة.
في فرنسا وإيطاليا دخلت حملات التلقيح مرحلة طويلة من الركود منذ أواخر الشهر الماضي وتراجع عدد الجرعات الموزعة لكل مائة ألف مواطن، فيما تنخفض وتيرة التلقيح باطراد في ألمانيا وبولندا وبلجيكا بعد أن بلغت ذروتها منذ أسابيع، الأمر الذي أطلق صفّارات الإنذار لدى السلطات الصحية التي تراقب كيف يرتفع عدد الإصابات الجديدة، ويتفشّى بين الشباب بكثافة غير معهودة.
وبعد أن ترسّخ اليقين ببلوغ وتيرة التلقيح ذروتها في معظم البلدان الأوروبية، تدرس الحكومات سبلاً جديدة لتحفيز المواطنين، وإقناع الذين ما زالوا يترددون في تناول اللقاح، بما في ذلك إلزام الممتنعين وتهديد الرافضين بعقوبات إدارية ومالية.
ويذكر أن الاتحاد الأوروبي كان وضع بين الأهداف الرئيسية لحملة التلقيح بلوغ التغطية 70 في المائة من السكان البالغين بحلول نهاية الصيف، لكن مع عودة أرقام الإصابات إلى الارتفاع، والمخاوف المتزايدة من عواقب الانتشار السريع لمتحوّر دلتا، يرى الخبراء أن المناعة الجماعية لن تتحقق قبل بلوغ التغطية اللقاحية 80 في المائة أو حتى 90 في المائة من مجموع السكان.
الحكومة الفرنسية كانت السبّاقة في هذا المجال، حيث اتخذت حزمة من القرارات من بينها فرض التلقيح الإلزامي على أفراد الطواقم الصحية، وشهادة التلقيح أو الفحص الاختباري السلبي للسفر بالطائرة أو القطار وارتياد المقاهي والمطاعم ودور السينما والمسارح. أما في ألمانيا، حيث تراجع المتوسط اليومي للجرعات الموزعة من 950 ألفا الشهر الماضي إلى 600 ألف في الأيام الأخيرة المنصرمة، فمن المنتظر أن تعلن الحكومة هذا الأسبوع عن مجموعة من التدابير التحفيزية للتشجيع على التلقيح، لكنها ما زالت تتردد في فرض التلقيح على أفراد الطواقم الصحية.
وفي اليونان أمهلت الحكومة الموظفين في دور العناية بالعجزة حتى منتصف أغسطس (آب) المقبل ليتلقوا اللقاح وأفراد الطواقم الصحية حتى مطلع سبتمبر (أيلول) تحت طائلة الفصل من الخدمة في حال عدم الامتثال.
المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها يكرّر تحذيراته كل أسبوع من سرعة انتشار طفرة دلتا، ويشدّد على ضرورة بلوغ المناعة الجماعية بأقرب وقت ممكن. ويقول المفوّض الأوروبي للسوق الداخلية تييري بروتون إن بلدان الاتحاد تجاوزت الولايات المتحدة بنسبة المواطنين الذين تناولوا الجرعة الأولى من اللقاح، لكن التحدي الأكبر لا يزال في تذليل العقبات أمام تسريع وتيرة التلقيح وإقناع المترددين خلال الأسابيع المقبلة لقطع الطريق أمام متحوّر دلتا.
وتجدر الإشارة إلى أن البلدان الأوروبية التي تباطأت فيها وتيرة التلقيح مؤخراً، مثل ألمانيا وهولندا، لا يخضع فيها نظام الخدمات الصحية الأساسية للدولة، ويعمل فيها الأطباء لحسابهم الخاص في عياداتهم وليس في المراكز الطبية العمومية، الأمر الذي يضع المبادرة للتلقيح على عاتق المواطن بالدرجة الأولى. ويشكّل ذلك صعوبة مضافة بالنسبة للسكان الذين تجاوزوا الستين من العمر، إذ يفترض بهم أن يضربوا مواعيد التلقيح باللجوء إلى الأطباء في العيادات الخاصة، بعكس ما يحصل في إسبانيا أو إيطاليا وبلجيكا حيث يتولّى النظام الصحي العمومي دعوة المواطنين وتحديد مواعيد تلقيحهم. وتدرس السلطات الصحية الألمانية حالياً إمكانية تقديم موعد تناول الجرعة الثانية من اللقاح تحسباً لانتشار متحوّر دلتا.
– الولايات المتحدة
لكن أوروبا ليست وحدها التي تواجه صعوبة في إقناع الممتنعين والمترددين في تناول اللقاح، إذ تعاني الولايات المتحدة من نفس المشكلة، وتقدّم كل أنواع المغريات والمحفزات من الجوائز المالية والمنح الجامعية إلى بطاقات السفر المجانية والحلوى والدعوات لحضور الحفلات الغنائية والموسيقية. وكانت الولايات المتحدة قد شهدت ارتفاعاً في عدد الإصابات الجديدة بنسبة 70 في المائة خلال الأسبوع الماضي، في الوقت الذي ما زال عدد المواطنين الذين تناولوا الدورة الكاملة من اللقاحات دون 50 في المائة من مجموع السكان.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد طالب منصات التواصل الاجتماعي السبت الماضي بوقف نشر المعلومات المزيّفة التي تروّج لها المجموعات المعارضة للقاحات، فيما قالت مديرة مراكز مكافحة الأمراض السارية روشيل والنسكي إن «البلاد تعاني من جائحة غير الملقحين، وهي جائحة تتسبب في عدد أقل من الوفيّات مقارنة بالعام الماضي، لكنها تزرع الشكوك وتؤدي إلى تباين كبير في التغطية اللقاحية بين الولايات».
يذكر أن 99.5 في المائة من الإصابات الجديدة التي استدعت العلاج في المستشفى وقعت بين غير الملقحين، علما بأن نظام توزيع اللقاحات في الولايات المتحدة يتميّز بسهولة فائقة تجذب أعداداً كبيرة من الأجانب للسفر للحصول عليها. وبعد شهرين من تسارع وتيرة التلقيح التي بلغت 3.4 مليون جرعة أواسط أبريل (نيسان) الفائت، راحت تنخفض حتى وصلت إلى 421 ألفا مطلع الشهر الجاري.
– بريطانيا
وأكدت حكومة المملكة المتحدة أن الأشخاص الذين طلبت منهم إدارة الصحة الوطنية، عن طريق التطبيق الخاص بها على الهاتف المحمول، أن يقوموا بعزل أنفسهم، لا يمكنهم تجاهل تلك النصيحة.
ويأتي ذلك بعد أن قال أحد الوزراء في وقت سابق، إن أمر الخضوع للعزل «اختياري»، وليس ملزما من الناحية القانونية.
من ناحية أخرى، قال متحدث باسم رئيس الوزراء بوريس جونسون، لوكالة «برس أسوسيشن» البريطانية للأنباء: «يظل العزل أهم إجراء من الممكن أن يتخذه المواطنون لوقف انتشار الفيروس».
وتأتي الرسائل المختلطة، بعد أن قال وزير الدولة البريطاني للأعمال، بول سكولي، لـ«راديو تايمز» اليوم الثلاثاء، إن «أمر (الخضوع للعزل) متروك للأفراد وأرباب العمل».