راجح خوري – النهار
يبدو ان الرئيس ميشال عون قد نسي اننا في جهنم، وهو الذي سبق له تحديداً يوم الاثنين في ٢١ أيلول من العام الماضي، ان بشّر اللبنانيين علناً بأنه اذا لما تُشكل الحكومة فاننا ذاهبون الى هناك، ومنذ ذلك الحين الى اليوم اعتقد انه لم يبقَ شيء من حياة اللبنانيين لم تأكله نار جهنم وقد صار البلد في قعرها، ولهذا سيستحيل مثلاً على الرئيس القوي وبي الكل ان يفي بوعده يوم قال : “سأسلم البلد افضل مما استلمته”، فقياساً بما وصلت إليه أحوال اللبنانيين، لن يكون في وسعه ان يسلم لبنان سوى كتلة من الفحم والرماد عليم الله !
لماذا تجاهل الضجيج المضحك المبكي حول الاستشارات الملزمة الإثنين ومسألة مسخرة تشكيل حكومة لن تكون قطعاً افضل من حكومة حسان دياب، فعلاً لماذا تجاهل كل هذه المسخرة، والذهاب الى الحديث عن اطفائيات جهنم التي يطالب الرئيس ميشال عون بتجهيزها ؟
فقط لأن الأمور بلغت حداً مثيراً للدهشة والإعجاب، بعدما اتصل عون قبل ايام بكل من وزير الداخلية محمد فهمي والمدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطّار، طالباً منهما الجهوزية الكاملة لمواجهة أي حرائق يمكن ان تندلع، بسبب موجة الحر التي تضرب البلاد، ولكأنه يظن ان لبنان بلد سعيد ومرتاح لم يدخل بعد الى جهنم وأهله ينشدون “لبنان يا اخضر حلو” !
فعلاً لا داعي للحديث عن قواعد المسخرة الدستورية لتشكيل الحكومة ولا عن جوع الناس ولا عن موت الأطفال على أبواب المستشفيات، ولا عن معارك الذل والبهدلة امام محطات البنزين، الذي سبق لمجلس الدفاع الأعلى الذي ترأسه عون مرات، واعداً بمنع تهريب المواد المدعومة من بنزين ومازوت وأغذية الى سوريا، وهو لم ولن يحصل وسيستمر دعم الشقيقة حتى آخر قرش من ودائع اللبنانيين، برعاية قوى الأمر الواقع ودولة الحدود الفالتة !
لا بد ان اللبنانيين السعداء من الناقورة الى النهر الكبير قد تجاوزوا واقع الفراغ الحكومي والحال المأسوية، التي يقول البنك الدولي انها أسوأ أزمة في التاريخ يصل اليها بلد في العالم، ليصابوا بالدهشة والفخر والاعجاب والذهول حيال يقظة الرئيس ورؤيويته الإستباقية البيئية الراقية، حيال لبنان الأخضر، الذي يخاف عليه من موجة حرائق تلتهم ما بقي فيه من الغابات والبساتين، بحيث يتساوى الشجر مع البشر لان اللبنانيين محروقون وصاروا فحماً ورماداً، تماماً مثل الغابات التي سبقتهم.
ولكن من اين الجهوزية يا فخامتك؟
يبدو انك لم تستمع الى تصريحات صديقك محمد فهمي قبل أسابيع، التي قال فيها “ان الوضع على الأرض”، وان قوات الأمن تستنزف وغير قادرة على الوفاء بواجباتها مع اشتداد وطأة الإنهيار المالي والجمود السياسي؟ اولم تسمع وزير داخلية عهدك القوي جداً وهو يعلن “ان القوى الأمنية تستنزف كل يوم ووصلنا الى الحضيض ولم يعد بمقدورنا تنفيذ 90 % من مهماتنا لحماية الوطن والمواطنين”.
وإذا كان الوزير فهمي قد إعترف، ويفترض انك سمعته فخامتك جيداً، وانت المؤتمن على البلاد، بأنه “من الطبيعي اليوم ان نفقد قدرتنا على ضبط الأمن بشكل كامل في ظلّ الفوضى وعدم وجود خطة لإنقاذ ما تبقى من الوطن”، فكيف تطالبه الآن، بإلاستعداد لإنقاذ ما تبقى من الشجر والغابات، وماذا عن اللبنانيين الموتى جوعاً ومرضاً؟
يا فخامة الرئيس سيارات الإطفاء تحتاج الى بنزين ومازوت وتحتاج الى ماء وتحتاج الى إطارات وقطع غيار، ورجالها يحتاجون الى طعام واحذية وألبسة ورواتب، فمن اين وكيف تكون جهوزيتهم، وهم لا يملكون الآن غير دموعهم على رفاقهم شهداء انفجار المرفأ، وتريدهم ان يكافحوا بها نيران الحرائق في بلد تأكله نيران الجحيم ولا تنفع فيه الإطفائيات!