غسان ريفي – سفير الشمال
لا شك في أن مجرد طرح إسم الرئيس نجيب ميقاتي لترؤس الحكومة المقبلة بعد إعتذار الرئيس سعد الحريري، يعني أن محاولات وقف الانهيار في لبنان تمهيدا للبدء بعملية الانقاذ ما تزال تسير على قدم وساق، شرط أن يلاقي الرئيس ميشال عون وتياره السياسي برئاسة جبران باسيل ذلك بإيجابية تترجم بتسهيل تشكيل الحكومة.
حتى الآن، لا يبدو في الأفق أية بوادر برتقالية إيجابية، خصوصا في ظل التسريبات عن توجه التيار الوطني الحر الى تسمية السفير نواف سلام، خلافا لرغبة سائر التيارات في تسمية الرئيس ميقاتي، باستثناء القوات اللبنانية التي إختارت “شعبوية” لم يعد أحد يتنبه إليها من المواطنين الغارقين بالأزمات المختلفة وبتداعياتها الكارثية، والذين يفتشون عن حلول ومعالجات ونتائج، وليس مؤتمرات صحافية تنظيرية لا تسمن ولا تغني من جوع.
يمكن القول، إن الرئيس نجيب ميقاتي يشكل الفرصة الأخيرة للعهد، كونه يمثل الشريك القوي ذو التمثيل الوازن القادر على تطمين الشارع السني بالدرجة الأولى، والحفاظ على التوازن الوطني الذي يضمن حقوق كل المكونات السياسية تحت سقف الدستور وإتفاق الطائف. وبالتالي فإن تضييع هذه الفرصة، ستضع العهد أمام إستنساخ تجربة حكومة حسان دياب التي ترفض التيارات السياسية تكرارها، إيمانا منها بأنها ستقود البلد نحو “الارتطام الكبير” الذي تسعى الدول المعنية بلبنان الى تجنبه، كما ستشعل غضب الشارع السني الذي بات يشعر أن العهد يعمل على إستهداف الطائفة وتهميشها، تارة بإضعاف موقع رئاسة الحكومة عبر رئيس مقطوع من شجرة سياسيا ودينيا، وتارة أخرى باستكمال الحرب على إتفاق الطائف سعيا لالغائه وتحقيقا لحلم تاريخي يراود الرئيس عون وتياره السياسي.
لا شيء محسوما حتى الآن، فالاستشارات النيابية الملزمة قد تجري يوم الاثنين المقبل وربما تتأجل لمزيد من التشاور في حال لم تنضج أي صيغة توافقية، كما أن الرئيس ميقاتي قد يقبل التكليف في حال تمت تسميته أو قد يرفضه، وفي كلا الحالتين فإن الكرة ستكون في ملعب رئيس الجمهورية الذي تشير المعطيات الى أنه من مصلحته اليوم تشكيل حكومة وهذا يستدعي تطمين الرئيس ميقاتي الى تسهيل عملية التأليف ليقبل بالتكليف، والادراك بأن “إبن” طرابلس لم يسع الى التكليف ليقبل بشروط سياسية من أي جهة كانت، بل هو في موضع من يفرض الشروط كونه يغامر في حمل كرة النار إنطلاقا من مسؤولية وطنية وأخلاقية إرتضى أن يحملها.
لم يعد أحد من اللبنانيين قادرا على تحمل المزيد من الأزمات، فقد بلغ السيل الزبى ماليا ومعيشيا وإقتصاديا وإجتماعيا وإستشفائيا ودوائيا وكهربائيا ونفطيا، فضلا عن الانهيار السريع للكيان اللبناني نحو القعر تمهيدا لـ”الارتطام الكبير”، فهل يسارع العهد الى الاستفادة من الفرصة الأخيرة التي يشكلها ميقاتي لوقف الانهيار والبدء بالمعالجات والاصلاحات وإستدراج المساعدات الدولية تمهيدا للانقاذ، أم يجدد تعنته السياسي برفض تسهيل مهمة ثالث رئيس مكلف بعد مصطفى أديب وسعد الحريري، فيفتح أبواب البلاد على سيناريوهات بالغة الخطورة، ويسير بالعباد الى جهنم وبئس المصير.