برعاية وحضور الأستاذ الدكتور كلود عطيه مدير الفرع الثالث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، نظّمت إدارة المعهد لقاءً للبحث والنقاش حول “دور الطلبة الجامعيين في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان”. حضر اللقاء نخبة من أساتذة معهد العلوم الاجتماعية، وعدد من طالبات وطلاّب المعهد الذين عرضوا وناقشوا إشكاليات طالت مقاربتهم لأدوارهم الفعلية والمأمولة كما الصعوبات والتحدّيات التي واجهتهم على هذا الصعيد.
أتت هذه الدعوة، محاولة لاستعادة دور الطلاّب والأساتذة المفقودين في صناعة التغيير، وبالتالي لا يُمكن اعتبارها دعوة عاديّة أو عابرة، بل هي، بحسب الأساتذة والطلاب من الأهمية بمكان، كونها تزامنت مع واقع مظلم يمرّ به وطننا، ويترك تردّداته على المقيمين على الأراضي اللبنانية، وخصوصًا الطلاّب منهم.
الأستاذ الدكتور كلود عطيه
اعتبر مدير معهد العلوم الاجتماعية ـــــــــ الفرع الثالث ضرورة الدفاع عن الجامعة اللبنانية وأساتذتها وطلابها وموظفيها ومدرّبيها وكل العاملين فيها، “فهي القوة التغييرية الحقيقية التي من خلالها نستطيع العبور الى مجتمع أفضل وحياة اجتماعية واقتصادية وسياسية أفضل”، لذا “علينا فقط أن نؤمن بالعلم والمعرفة وثقافة الحياة، علينا أن نؤمن بأنفسنا كأكاديميين وباحثين وبدورنا الانتاجي على المستويات البحثية والمعرفية”.
وقال بروفسور كلود عطيه “نحن ندرك تماما أننا في قلب العاصفة المأساوية التي تضرب أجواء لبنان، وندرك أننا نتعرض كأساتذة وطلاب الى أسوأ انواع التهميش والإقصاء ونعيش حالة من الفوضى المعيشية والاقتصادية والارباك الاكاديمي والحياتي. كما إنّنا نعلم بالخطط الممنهجة لتدمير الجامعة الوطنية وتشتيت أهلها، الاّ أنّنا أبناء الجامعة اللبنانية لا نعرف الاستسلام ولا الخضوع، وسنبقى نواجه كل من شارك وما زال يشارك في تشويه صورة الجامعة وزعزعة استقرارها الإنتاجي، والمالي، ومحاولة التقليل من أهمية دورها كأهم جامعات المشرق والعالم”.
وأضاف “علينا كأساتذة أن نبدأ بأنفسنا، قبل الحديث عن دور الطلبة في التغيير والمواجهة، علينا أن نتخلى عن الاستزلام السياسي والارتهان الطائفي والمصالح الفئوية المريضة، وأن تكون مصلحة الجامعة واساتذتها وموظفيها وطلابها فوق كل مصلحة، وبالتالي علينا ان نشكّل قوة ضغط تغييرية في وجه السلطة الحاكمة، وفي وجه كل جهة، أو حزب، أو مؤسّسة أو شخص يهاجم الجامعة ويعمل على تشويه سمعتها”.
الدكتور رياض عبود
تساءل د. عبّود “ماذا نستطيع أن نقدّم نحن في مواجهة جبروت الطغيان والفساد المتحكّم في مفاصل الدولة؟ ألسنا جميعا من نسيج المجتمع اللبناني المتمذهب حتى الأعماق، وظاهريا ننادي بالعيش المشترك؟” وتوجّه للطلاّب بالقول “صحيح اننا ننتمي جميعا الى هذا الواقع، ولكن إيماننا بوعيكم وقدرتكم على تشخيص الداء بفعل تخصّصكم يجعلنا نؤكّد بأن التغيير المنشود لن يكون الا من خلال الشباب بناة المستقبل والأجيال. اننا نراهن على وعيكم المدني بعيدا عن الانتماء الطائفي والمذهبي كمدخل لمسار طويل لتغيير واقعنا. نراهن على أهمية تمسككم بان لبنان هو مجتمع متنوّع وليس مجتمع متعدّد فالتنوّع غنى وارتقاء والتعدّد تخلف ومزيد من التشرذم”.
وأضاف أنّ الملفت في هذا المسار الانحداري الذي نعيشه اليوم هو “الصمت الذي يسود بين النخب الشابة التي من المفترض أن تكون متحرّرة، وأن تكون المبادرة إلى تشكيل خلايا للتغيير عابرة للمذاهب والمناطق. وكأننا ننتظر الحل ممن سلبونا الحياة”، وأكمل “لا تظنوا أن التغيير يأتي من الخارج، إنّما لن يكون الا من خلال الشباب. نطلب منكم النظر إلى المستقبل بالقدر المطلوب من التعاضد والتكاتف على هذه الأرض الجميلة من أجل الصمود الاقتصادي والاجتماعي. أنتم تتمتعون بالوعي، والقدرة على إيجاد السبل التي يمكن أن تسهم في تخفيف معاناة الناس في محيطكم ومجتمعكم”. وشدّد “أن لا قيمة للخلافات السياسية أمام الانهيار الاجتماعي، وأنّ مسؤولية التوعية الى ضرورة الثورة على منطق الطائفة والزعيم تقع على عاتق الشباب الطلبة. فأنتم أمام مهمة مزدوجة، مهمّة نشر الأفكار والتبشير بالثقافة المدنية وبدولة الإنسان أيًا كان، ومهمّة الإسهام في التكاتف وإبعاد شبح العوز عمّن حولنا. المسار شاق وطويل والمستقبل لكم، فأحسنوا صناعته”.
الدكتور روبير عبد الله
رأى د. عبد الله “أنّ العلوم الاجتماعية بحكم تعدّد ميادينها المعرفية تمكّن الطالب من فهم الهيمنة التي تمارسها القوى السياسية الحاكمة ومسؤوليتها المشتركة عن الانهيار الاقتصادي”، ولم ينفِ آثار الحصار الاقتصادي على لبنان والمنطقة، لكته اعتبر “أنّ القوى الرأسمالية بطبيعة تكوينها نشأت على النهب الداخلي أولاً، ثم الاستعمار والسيطرة على الشعوب، وأنّ السياسات الاقتصادية جرى إقرارها في المجالس النيابية المتعاقبة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، ووافقت عليها أطراف السلطة مجتمعة، ومن دون استثناء”. لافتاً “أنّ هذه السلطة لم تفكر يوماً بتأسيس اقتصاد فعلي منتج، يقي البلاد ارتهانها لشروط القوى الدولية”.
وأسف د. عبد الله “لكون أغلبية ما يسمى النخبة المثقفة لا تميّز نفسها كثيراً عن عامة الناس، عبر إلقائها اللوم والمسؤولية، وممارستها النقد الجارح أحياناً لكل الزعماء (ما عدا زعيمي)”. ولهذا السبب، “فإنّ الطلاب الذين أعدمتهم السلطة حاضرهم ومستقبلهم، هم معنيون بالدفاع عن أنفسهم بالسبل المشروعة كافّة، عوض بقائهم مشاريع تهجير”، وهي برأي د. روبير “سياسة دأبت السلطة على ممارستها، أو بالحد الأدنى التنصّل منها، لعلّها تستأثر بما يتبقى من فئات شعبية، يسهل استتباعها وتحويلها إلى مجرد أصوات في صناديق الاقتراع، أو جموع يسهل استثارتها طائفياً ومذهبياً لحرف الانتباه عن سياسات النهب المتبعة”.
الدكتورة سوسان جرجس
اعتبرت دكتورة جرجس أنّه لا بد من توصيف حقيقة هذه الأزمة التي تلقي بثقلها على اللبنانيين كافة بشكل صحيح قبل أن تتكلم عن دور الطالب الجامعي في مواجهة الأزمة اللبنانية الراهنة. ورأت “أنّ ظاهر الأزمة اقتصادي اجتماعي وسياسي أيضاً، إلا أن جوهرها هو أزمة نظام طائفي يعاني من خلل بنيوي معياره الأساسي المحسوبية والزبائنية، ونتيجته الكثير من الفساد، والديون، والعجز وانهيار الليرة اللبنانية، والفوضى الاجتماعية والتبعية السياسية الطائفية”.
وأكّدت على دور الشباب عامّة والطلبة الجامعيين خاصّة في مواجهة هذه الأزمة، وهو “الدور المتمحور حول ثلاث ركائز تبدأ من القيام بمساءلة ذاتية واعية لماهية الهوية التي تصيغ معاشنا اليومي بكل تفاصيله، تلحظ المواطنة في دولة اسمها لبنان، لا رعايا لهذه الطائفة أو تلك، حينها نكون بصدد مواجهة عميقة لا شكلية لهذه الأزمة اللبنانية، والتي أرى أن الطلبة الجامعيين هم الأجدى في مواجهتها وفي قلب الطاولة على رؤوس أصحابها المستفيدين من هذا الواقع الكارثي”. وتكلّمت عن “نواة باحث مستقبلي، باحث منتج لا مستهلك لكل ما يصادفه خلال سنوات تعلّمه الجامعي؛ وهذا يعني أنّ الطلاّب لا سيّما في معهد العلوم الاجتماعية يفترض أن يتمتعوا بخاصية القراءة النقدية الواعية المنتجة فكرًا جديدًا يلائم خصوصية مجتمعاتنا الثقافية”.
ولفتت جرجس إلى مقولة مفادها “انّ الصعوبات تسبّب الخلق والابداع، وهما مقدرة ذاتية، وروحية وفكرية لدى الطالب الجامعي” كما رأت “أنّ الخروج من الأزمات التي تحاصرنا تستلزم بحث الشباب الواعي عن تفاصيل معاشه صغيرة، كاعتماد فرز النفايات، وترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية، وتعزيز واقع استخدام النقل العام إضافة إلى تشجيع المشاريع الانتاجية الصغيرة”.
الدكتورة ليلى شمس الدين
أوضحت شمس الدين “أنّ الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية تزداد خلال الأزمات المتلاحقة التي نعيشها، لذا يستوجب الأمر وضع خطة عمل مبنية على استراتيجيات وأهداف وسياسات تسعى لتحقيق الانتقال إلى نموذج تنمية أكثر استدامة وشمولية، مع دور يتمثّل في تعزيز ممارسات الابتكار الاجتماعي والتعاون للمساعدة في إعادة تشكيل اقتصادات مجتمعات ما بعد الأزمة، لا سيّما فيما يتعلّق بالظروف الحالية، وآفاق المستقبل القريب كما البعيد”.
واعتبرت هذا الأمر “يستوجب إعطاء الأولوية للتأثير الاجتماعي للشباب، لا سيّما الطلبة الجامعيين، وبالأخص طلبة معهد العلوم الاجتماعية، بوصفهم مهيئين للعمل في هذه المجالات الساعية إلى تنظيم النشاطات بطرق هادفة متنوّعة ومتعدّدة خدمة للصالح العام، وحماية للمصلحة العامة ولزيادة رفاهية الفرد والمجتمع.
وأكّدت شمس الدين “على أهمية سعي الطلبة إلى تطوير شراكات مع السلطات المحلية وغير المحلّية، للمساعدة في تقديم الخدمات والتخفيف من الأثار المباشرة للأزمة، وتفهّم ما يصلح وما لا يصلح في السياق المحلي، مع الالتفات إلى تنفيذ طرق مبتكرة للتعاون بين الأفراد والمنظمات والحكومات المحلية، وتوسيع الابتكار الاجتماعي على المستوى المحلي، وتعديل عمليات التدخّل لتطال المحتاجين أثناء الأزمات، في ظل التعاون مع الجهات الفاعلة لتطوير خدمات جديدة تطال القضايا المجتمعية”.
وركّزت على دور الإعلام في عملية التأثير، ما يوجب أيضاً “الاستفادة من المنصات الرقمية في جمع وترويج الأفكار، من أجل الضغط والعمل على تحويل القضايا الملحّة إلى قضايا رأي عام”، إضافة إلى العمل على تشكيل لجان لمتابعة القضايا المتعلّقة بالتنمية المناطقية وتعزيزها، مع ضرورة الالتفات إلى أهمية العمل على إنشاء وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات المهمّشة، ومكافحة الفقر ، مع اقتراح الخطط لتحسين الأوضاع السائدة، وكذلك المساهمة في تنفيذ الخطط لتقديم الخدمات الممكنة واللازمة، مع التأكيد على ضرورة تعزيز الفرص القائمة على السوق والتدريب على المهارات للنساء والشباب على حد سواء.
الأستاذة رندة عبد الكريم
رأت أنّ “الطلبة هم قوة تغييرية حقيقية”، وإنّ “دور الطلبة الجامعيين إبان الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها لبنان يعد من المواضيع التي تتناول مسألة الحركة الطلابية ودورها في المواجهة والتصدي ضد كل من شارك وما زال يشارك في ضرب مؤسسات الدولة الاساسية وعلى رأسها الجامعة اللبنانية، بالإضافة الى السياسة الممنهجة في تجويع الشعب اللبناني وتهجير شبابه وطلابه”. لذا كان لا بدّ من أن “ينظّم الطلبة أنفسهم في تكتلات ولجان واتحادات طلابية تساهم بشكل مباشر في المواجهة”.
أمر يُبين بحسب رندة عبد الكريم “مدى استعدادهم وقدراتهم الفكرية والتنظيمية، التي قد تبدأ بلقاءات علمية موجّهة تحدّد كل جانب من جوانب الأزمة وتقوم بدراستها وتحليلها وتحديد اشكاليتها بشكل علمي واضح. كما يستطيع الطلاب تنظيم أنفسهم عبر مجموعات تحركية يكون لها تواصل واتصال مع جهات فاعلة ومؤثرة في المجتمع المدني المناهض للسلطة”.
ووجّهت دعوة مفتوحة “لمشاركة الطلاّب بتنظيم إضرابات مفتوحة ومتكرّرة تترافق مع سلسلة مكتوبة من المطالب المحقة الموثقة علميا بما يلامس المشاكل الواقعية والحاجات الحقيقية. كما حثّتهم للإعلان عن أنفسهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي او الاعلام من جهة، وتقديم برنامج واضح للتعريف بأهدافهم وخططهم واستراتيجيتهم الموضوعة من اجل الضغط والتعبير والتغيير من جهة أخرى”.
كما أكّدت طالبة الدكتوراه رندة عبد الكريم على أهمية القيادة الشبابية، التي يُعانون فيها من ويلات التهميش والإقصاء الاجتماعي والثقافي، والإقصاء من المشاركة السياسية وبالتالي من صنع القرار، مثَّلَت محور اهتمام كبير من قِبَل الاجتماعيين. واعتبرت الشباب محور الارتكاز ونقطة التغيّر والتحوّل، لافتة “أنّ فترة التواجد في الجامعات، هي فترة تغييرية حقيقية وقوة ضغط نحو الانتقال من حالة الى حالة أكثر تقدماً، مع ما يرتبط بالتنشئة والإعداد والتكوين والتمكين والثقة بالذات والعمل من أجل الحياة”.
الأستاذة فاطمة الموسوي
شدّدت طالبة الدكتوراه الأستاذة الموسوي أنّ “الطلاب في قلب المواجهة، والجامعات اللبنانية محورها في حضرة الجامعة اللبنانية ومعهد العلوم الاجتماعية، حيث القوة البحثية الفعلية، القادرة على قلب المعادلة، وتغيير المشهد المأساوي وتحويله بفعل الدراسات والابحاث والحركات الطلابية، ودعم الاساتذة المنتمين الى هذا الصرح العظيم.
ورأت الموسوي “إنّنا أمام أزمة اخلاق، وقيم انسانية، لم يشهدها لبنان منذ ولادته القيصرية غير المتزنة”، معتبرة أنّنا أمام أزمة بنيوية متجذّرة ممتدة في تاريخ لبنان المعاصر، وهي تستوجب إعادة عملية البناء، والتربية، وتغيير اسلوب الحياة”. فالطلبة ” هم الفئة القادرة على تحويل الأزمات وما تحمله من مخاطر إلى فرص لإطلاق القدرات الإبداعية التي تستثمر الأزمة كفرصة لإعادة صياغة الظروف وإيجاد الحلول السديدة، وهم أيضاً قوّة الفصل في مقاربة الازمة وتحليل أسبابها، وإيجاد الحلول لها”.
يتحقّق هذا الأمر من خلال “إعداد فرق من الطلبة وتدريبهم بشكل جيّد كي يكونوا جاهزين للقيام بكل المهام الملقاة على عاتقهم في ظل الازمة الحالية التي تضرب بهم وبعائلاتهم، العمل على استثمار ما يملكه الطلاب من طاقات ومواهب وقدرات علمية وبحثية ومجتمعية لإقامة مجتمع منتج ولتحقيق التنمية الاقتصادية… والاجتماعية، إضافة إلى تشكيل لجان وحركات طلابية نوعية تتميزّ في مجالات معينة من التخصص لخدمة نشاطات استراتيجية في مجالات التنمية الشاملة”.
وأملت الموسوي في “تموضع طلبة الجامعات الخاصة عامة، والجامعة اللبنانية خاصة، بتأدية دور فعّال من خلال اشراك طلابها واساتذتها في مجالات حل مشكلات المجتمعات المحلية، من خلال إعداد البحوث العلمية والتّطبيقية المتخصّصة، إضافةً إلى أنّها تساهم في نشر المعرفة والوعي الاجتماعي والصحي والاقتصادي، ففي المحصّلة الطلاب يبقون مستقبل هذا البلد، وهم أمام خيارين، اما المواجهة والتحدي واثبات الذات، أو الخروج من هذه الدائرة الملتهبة الى العالم الذي يلبي طموحاتهم وأهدافهم وأحلامهم”.
الأستاذ الدكتور شوقي عطيه
استهل الدكتور شوقي مداخلته بالقول “ولدنا في دولة فاسدة، إلا أن الفساد ولد قبل ولادتنا. فالدولة اللبنانية التي نعرفها اليوم ولدت على أسس رملية تهتز عند كل عقبة سياسية محلية كانت أو دولية. والفساد لم ينفك يلاحقها، فلكل حقبة من عمر لبنان فاسدوه”. وأضاف “أبرز ما يتجلّى هذا الفساد في القضاء على كل ما هو جيد في الدولة، وها هي الأيدي تمتد إلى الجامعة الوطنية. فتخنق موازناتها حتى قبل أن يتهاوى سعر الصرف. وبذلك يتم التضييق أكثر فأكثر على أساتذة الجامعة الذين جلّهم من المتعاقدين، فيصبح هم الأستاذ أو الموظف المتعاقد أن يدخل إلى نعيم الثبات الوظيفي وطموح المتفرّغ أن يدخل في الملاك”.
واعتبر عطيه أنّ هذا الفعل ليس عشوائيا فـ “بإلهاء الأستاذ عن مهامه الأكاديمية والبحثية نضعف الجامعة، ونصوّره في الإعلام على أنه ذلك النهم الذي لا يشبع”. وسأل “ألا تعرفون أن الأستاذ المتعاقد أصبح يتقاضى أقل من ألف دولار على عام تعليمي كامل؟”، ورأى هذا الإضعاف “مخططًا له، ويترافق مع الحملات الممنهجة لتشويه صورة الجامعة عند كل بداية عام دراسي”، ودعا إلى البحث جيداً عن مصلحة أهل السلطة من أصحاب الجامعات الخاصة الذين يحاولون إبعاد بضع مئات من الطلاب الجدد عن جامعة الوطن لينهشوا لحمهم وعظام آبائهم.
كما أعرب عن أسفه لفقدان الجامعة الوطنية دورها الأكاديمي، إذ لم تعد صانعة العلم والمحتوى بل أصبحت مساهمة في إعادة انتاج الفراغ والخواء”، وختم بالدعوة إلى النضال الآني الذي يحتم علينا تدبّر الحلول السريعة لمواجهة حاجاتنا اليومية، أما النضال المستمر لتغيير هذا الواقع الذي نعيشه بحسب عطيه يوجب كسر هذه الحلقة المفرغة من أزمات وأنصاف حلول نواجهها كل عقد أو إثنين أو على الأكثر ثلاثة.
الطالبة أناغيم حدارة
رأت حدارة أنّه “في ظل الانهيار الاقتصادي وارتفاع المديونية في لبنان بسبب الأزمات المتتالية من فشل السلطة، والفساد، وتدنّي قيمة العملة الوطنية وغيرها من الأسباب، بالإضافة الى اعتماد الاقتصاد اللبناني على السياحة والخدمات المالية في مقدمتها والتي تتأثر بشكل مباشر بالاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي لوطننا والدول المجاورة، وإهمالها للقطاعين الانتاجيين كالزراعة والصناعة التحويلية منها ومختلف الحرف، أفرز هذا الواقع أزمات اقتصادية واجتماعية ألقت بظلالها على المجتمع اللبناني في مجالاته كافّة، فانعكست هذه النتائج على مستقبل الفئات الشابة بشكل خاص”.
واعتبرت حدارة “هذه الأزمة ليست وليدة الفساد والفشل الحالي فقط، بل هي نتيجة فساد وسرقات وسوء إدارة وتخطيط توالت مع السلطات التي مرت على لبنان منذ 30 عام وحتى اليوم” وأوضحت أنّ “هذا الأمر لا يعني الاستسلام للواقع، ولا أن ندعو الدول الاستعمارية الى تلبية أطماعها واستنزاف ما تبقى من ثروات بلادنا، ولا يمكن انتظار استغاثة من دول تستميت لتسلب منا ما تبقى، ولا انتظار هيئة الأمم، ولا المجتمع الدولي، ولا صندوق النقد، ولا حتى الحكومة التي لن تحقق ولادتها إلا مزيدًا من الفساد والسرقة” لذلك “لابد من السعي الى تعزيز المجهود المحلي المستقل، وتنمية المجتمع بكل جوانبه والاستفادة من الطاقات المحلية من الاختصاصيين والخريجين والباحثين وتشجيع الاستثمار في المشاريع الصغيرة”، وختمت بالقول “لا يمكن أن ننهض من هذا العجز الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، إلا باستئصال الفساد منّا أولاً، ومن ثمّ بتجديد الانتماء لهذا الوطن ورفض سياسة “الكرتونة” وعدم انتظار الفرج من الخارج”.
الطالبة آية فوّال
اعتبرت أنّ “الأسوأ لم يأت بعد، فالبلاد على شفا انهيار شامل لن يطال الاقتصاد وحده. فما ومفتاح الحل؟ هل هو يجب ان يكون هذا الحل من الخارج الى الداخل، اما العكس؟ فأبواب الحلول الأساسية مفاتيحها مع الخبراء السياسيين والاقتصادين محترفين”. وأوضحت “يكاد يكون دور الطالب معدومًا خاصة على صعيد إحداث أي تغيير مؤثّر على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي للبلد”.
ورأت ” إنّ الأزمة الاقتصادية في لبنان تتطلّب خطة عمل إصلاحية، وليس غريبًا ان تكون الخطة الإصلاحية صلبها الروح الشبابية. فمعظم الطلاب وخصوصا خلال ازمة كورونا، لجؤوا الى تطوير مهاراتهم واستغلال هذا التطوير للمشاركة بمسابقات تدعم الابتكار والأفكار التي تبغي الربح، وتساعد على انماء المجتمع”.
ودعت فوّال الطلاّب إلى تحضير وبث “ندوات توعوية عبر منصات التواصل الاجتماعي، تتناول كيفية إدارة المال والموارد المتاحة. فبعد ان أصبح تامين لقمة العيش من أولويات المواطن اللبناني، بات صرف النقود على النحو المناسب ضروري وحاجة ملحة جداً، وخصوصا حين نرى تفاقم اعداد الأشخاص الذين يعيشون تحت الفقر المدقع”. وختمت بالقول “الحل ليس عبر الاستعانة بجمعيات محلية وغير محلية وانما اللجوء الى ما يعرف بمصلح ” Fundraising “مثلا كخلق صفحة الكترونية نتمكن عبرها من الحصول على مبلغ معيّن لتقديم المساعدة للأشخاص الأكثر حاجة”.
كما أجمع الأساتذة المتداخلين على شكر القيمين على تسيير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية في هذه الظروف الدقيقة، وبصفة خاصّة للعميدة مارلين حيدر التي تسعى وبشكل يومي الى تذليل الصعاب ومعالجة المستجدات، كما توجّهوا بالتحية والتقدير الى مدير معهد العلوم الاجتماعية الفرع الثالث د. كلود عطية الذي جسد بآلية إدارته للمعهد في ظل ظروف غير طبيعية مثالاً للإدارة الشابة والمرنة في سبيل المحافظة على المصلحة العليا للطلاب، ولم يستثن الجهد المبذول من قبل عائلة المعهد المكوّنة من الأساتذة الزملاء والموظفين الإداريين على حد سواء.
اختتم اللقاء الذي ضمّ ثلاث جلسات تخلّلتها مساحات طرح ونقاش من قِبل طالبات وطلاّب معهد العلوم الاجتماعية ـــــ الفرع الثالث، بتوصيات من مدير المعهد البروفسور كلود عطيه حث فيها الطلاّب على التموضع ضمن الدوائر المتاحة أمامهم والتي يُفترض أن يشكلونها بوعيهم وتصميمهم وسعيهم للنهوض بواقعهم ومجتمعاتهم إلى واقع أفضل.