شرح مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت أنّ “المجتمع الدولي يتوجه بشكلٍ متزايدٍ إلى تصويب معظم المساعدات التي تُقدَّم إلى لبنان في اتجاه البرامج الإنسانية واستجابةً لحالات الطوارئ، وهو أمر ناجم بمعظمه عن الأزمات المتشابكة الناتجة بدورها عن تأزُّم سياسي مزمن، تستعصي معه الحلول ويُحترَف فيه تضييع الفرص، فتغيب الجديَّة الحكومية في إدارة الأزمة وتتسارع انهيارات القطاعات الحيوية وتفكُّك المؤسسات”.
وأضاف أنّ “استعصاء الحلول والإصلاحات استمرَّ خلال العقدين الاخيرين، ولاسيَّما منذ عام 2007، حين التزمت الحكومة اللبنانية تحقيق سلسلة من الإصلاحات في برنامج عمل مؤتمر (باريس 3)، ولم تنفِّذ الحكومات المتعاقبة أغلب الالتزامات، ولم يبصر النور منه إلَّا القليل من الإصلاحات”.
وقال المرصد: “نصّت البرامج على حوكمة القطاع العام، وتعيين هيئة ناظمة للمناقصات العامة، وإصلاح قطاع الطاقة وخصخصة كهرباء لبنان، وزيادة التنافسية، وكذلك تحدثت البرامج عن استراتيجية اجتماعية شاملة وإصلاح نظم التقاعد”.
وشدد على أنّه “أمام هذه الفرص الضائعة، التي لم تؤخذ بشكل جدي منذ أكثر من 14 عاماً بعد مؤتمر باريس 3 وكذلك بعد مؤتمر سيدر، وأمام غياب الرؤيا وتفكُّك المؤسسات، وكذلك الإزمان الحاصل في أزمة اللجوء السوري، يتحوَّل المانحون إلى حصر المساعدات المقدَّمة إلى لبنان بالمنظمات الدولية والهيئات غير الحكومية ضمن أطر المساعدات الإنسانية”.
وأوضح مرصد الأزمة في تقريره أنّ “لبنان حصل خلال العام الماضي على 1,6 مليار دولار مُنِحَ جُلُّها عبر الهيئات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية، وشكَّل هذا المبلغ ارتفاعاً ملحوظًا (عن المساعدات الممنوحة خلال عام 2019) قدرُهُ نصف مليار دولار، إذ حصل لبنان عندها على 1,1 مليار دولار. وقد قدَّمت جهات ثلاث معظم التمويل (76,5 في المئة) وهي: الولايات المتحدة الأميركية والمفوضية الأوروبية وألمانيا. وقد وُجِّهت أكثرية المساعدات إلى برنامج الاستجابة لأزمة اللجوء السوري في لبنان، يليها خطة الاستجابة لأزمة الكورونا والمساعدة الطارئة التي بُذِلَت إثر تفجير مرفأ بيروت”.
وأضاف: “حصلت ثلاث منظمات دولية على 66 في المئة من التمويل الإنساني هي: برنامج الغذاء العالمي (29,8 في المئة)، مفوضية اللاجئين (25,2 في المئة) ومنظمة اليونيسف (10,9 في المئة). ولم تُحصَر أكثرية التمويل الساحقة بقطاعات معينة، فيما حصل كلٌّ من قطاعات الصحة على 102 مليون دولار، والأمن الغذائي 76 مليون دولار، والتعليم 37 مليون دولار. وتُنفَّذ هذه البرامج بواسطة منظمات دولية ومؤسسات غير حكومية بالتعاون مع الإدارات الرسمية في قطاعات محددة كالصحة والتعليم بالإضافة إلى الهيئات المحلية في بعض الأحيان”.
وجاء في التقرير أنّ “لبنان يحتل المرتبة الثالثة عالميّاً من حيث التمويل الإنساني بحصوله على 5,8 في المئة من مجموع التمويل الإنساني في العالم بعد سوريا (9,6 في المئة) واليمن (8,1 في المئة)، إلَّا أنَّه يحتل المرتبة الأولى عالميًّا من حيث حصة الفرد المستهدف من التمويل الإنساني إذا احتسبنا الفئات المستهدفة من الفقراء اللبنانيين (1 مليون) واللاجئين السوريين (1 مليون) والفلسطينيين (270 ألفًا)، وتُقدَّر هذه الحصة بنحو 700 دولار للفرد سنويًّا”.
ما العمل في المرحلة المقبلة؟
وبحسب المرصد، من المتوقع أن يزداد التمويل الإنساني في الأعوام المقبلة في ضوء انهيار قطاعات أساسية كالصحة والتعليم والخدمات المهمة كالمياه، ونتيجة التوهّن المتزايد عند الادارات الرسمية الذي يمنعها من القيام بأدوارها، ممَّا يستوجب القيام بالخطوات التالية:
أولاً: الإلغاء الفوري لهرطقة “الدولار الإنساني” التي أطلقها مصرف لبنان وبعض المصارف الخاصة، بحيث تحتسب هذه المؤسسات سعر دولار المساعدات بحسب “منصة صيرفة”، ممَّا يعني أنَّ جزءاً يسيراً من المعونة المقدمة “يبقى” دون وجهِ حقٍّ في النظام المصرفي بشقِّيه الرسمي والتجاري، ما يحرم مستحقِّي المساعدات من الحصول عليها.
ثانيًا: اتِّباع الشفافية المطلقة في عملية صرف الاموال واختيار المستفيدين، وكذلك تعزيز الكفاءة في التنفيذ ووضع أطر لتقييم أثر المعونة الإنسانية.
ثالثًا: تعزيز الطابع المحلي للمساعدات الانسانية انسجاماً مع مقررات القمة العالمية للعمل الانساني في اسطنبول 2016 عبر جعل ما لا يقل عن 25 في المئة من التمويل الانساني للمنظمات والهيئات اللبنانية العاملة وطنياً أو محلياً مع توسعة مروحة المشاركة ليشمل التمويل الجمعيات القاعدية والعاملة في نطاق محلي كالبلدات وأحياء المدن.