ذوالفقار قبيسي – اللواء
مع الأرقام القياسية لتقلّبات أسعار صرف الدولار، واستمرار الأزمة الوزارية والسياسية، والتجاذبات حول مصادر تمويل البطاقة التمويلية المعول عليها لتسهيل سبل المعيشة والحياة للأسرة اللبنانية، وإعلان مصرف لبنان عدم إمكانية الاستمرار بسياسة دعم الجزء الأكبر من الاحتياجات الأساسية بسبب وصول الاحتياطي الأجنبي الالزامي الى الخط الأحمر… سيكون هناك مادتان أساسيتان – من ضمن عشرات المواد الرئيسية لمعيشة الشعب اللبناني – معرّضتان لأزمة كبرى من شأنها أن تهز الاستقرار الاجتماعي والأمني في البلاد هما: الدواء والمحروقات من فيول وبنزين ومازوت.
وبدءا من الدواء الذي بعد أن حصر مصرف لبنان دعمه بعلاج الأمراض المزمنة والمستعصية وحليب ولقاحات الأطفال – أو ما يسمى Life Saving Medications – في ميزانية ٥٠ مليون دولار شهريا، وبعد أن حددت وزارة الصحة لتجار الدواء سعر صرف دولار الاستيراد بـ١٢٠٠٠ ليرة لتغطية الفارق بين أسعار صرف أقل عن استيرادات سابقة وأسعار صرف أكبر لاستيرادات لاحقة بأسعار السوق السوداء ولمدة محددة لن تزيد عن بضعة شهور، فإن استيراد الأدوية غير المدعومة، وهي الجزء الأكبر من مجموع الاستيرادات، سيكون بعدها بأسعار صرف دولار السوق السوداء، ما سيرفع أسعار الدواء الى أرقام خيالية يعجز الجزء الأكبر من شرائح الطبقات الاجتماعية عن تحمّلها بما سوف يهدّد المستوى العام لصحة الشعب اللبناني بالانهيار، خصوصا إذا كان مصير خطة وزارة الصحة بفتح باب استيراد أدوية «الجنريك»، مصير باقي الخطط الحكومية التي انتهت الى عكس المرسوم لها، أو إذا لم تكن مساهمة الأدوية المصنوعة محليا كافية للتعويض عن العجز في الكميات أو الارتفاع في الأسعار، أو إذا استمر تأجيل توزيع البطاقة التمويلية الى أمد غير منظور بما سيفجّر عندها الأوضاع الى ما يتخطّى حد السيف الاجتماعي والأمني.
ومن الدواء… الى البنزين الذي بعد أن هدأت نسبيا أزمة توفيره وتقنينه بفتح اعتمادات عن حمولات عدد محدود من البواخر الراسية أو القادمة لمجرد تمرير موسم الصيف الاغترابي ولفترة لن تتعدى شهر أيلول المقبل، فان الأزمة عندها بعد توقف مصرف لبنان عن الدعم وبدء الاستيراد بأسعار صرف دولار السوق السوداء، ستعود الى الانفجار سواء بالنسبة لبنزين السيارات وفيول الكهرباء أو مازوت المولدات، وبصورة أكثر مأساوية لطوابير تزداد طولا وذلّا ومهانة أو تعتيم قد يطول الى ما لا نهاية واضحة تعصى على كهرباء الدولة المترهلة بالفساد وموتورات المولدات المتهالكة بارتفاع الأسعار والعاجزة برغم الاحتكار!
وأما المؤشرات على خطورة وفداحة الأزمة الموعودة في نهاية الصيف، ومنها أخيرا دراسة حول مستقبل سعر صفيحة البنزين الذي بعد أن تخطى الـ٧٥ ألف ليرة الى ١٠٠ و١٥٠ ألف ليرة في السوق السوداء يفترض أن يصل بعد رفع الدعم نهائيا الى ٢٠٠ ألف ليرة كما أعلن وزير الطاقة. ومما هو في الدراسة أشد خطرا وأكثر مرارة ان سعر الصفيحة لن يقل عن ٣٥٠ ألف ليرة:
1- إذا تخطّت أسعار النفط العالمية الـ٧٥ دولارا.
٢- إذا تخطى سعر صرف الدولار الـ٢٥٠٠٠ ليرة.
٣- إذا لم تخفض الدولة الجعالات من الرسوم وضرائب الـT.V.A. على الاستيراد.
والمشكلة أمام هذه الاحتمالات الثلاثة ان العين تجاهها بصيرة واليد قصيرة سواء بالنسبة لتقلّبات أسعار النفط عالميا، أو لتغيّرات أسعار صرف الدولار محليا وعالميا. وأما بشأن أي خفض محتمل لجعالات رسوم وضرائب دولة لم تخفضها في زمان اللولو، فكيف تخفضها في زمان الويلات وانحسار الواردات؟!