لم يتأخّر رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في تظهير اندفاعته الصاروخية نحو التأليف، مقتنصاً “سكرة” تبادل الأنخاب بين بعبدا والبياضة “في صحّة” إقصاء سعد الحريري، ليغتنم اللحظة السانحة ويبادر إلى تسريع “انقباضات” الولادة الحكومية تحت تأثير “النشوة البرتقالية”.
وعلى قاعدة “الهجوم خير وسيلة للدفاع”… إندفع ميقاتي باتجاه الملعب العوني مستعجلاً التهديف في مرمى التأليف، فانتقل مباشرةً من ساحة النجمة إلى قصر بعبدا حيث عقد لقاء ”جسّ نبض” مع رئيس الجمهورية ميشال عون، كما وصفته مصادر معنية بالمشاورات الحكومية، موضحةً أنّ اللقاء أمس شكل “بروفا أولية” لإمكانية إيجاد أرضية مشتركة يمكن التأسيس عليها في عملية التشكيل بين الجانبين، على أن تنطلق عملية الغوص في “النقاش العملي والجدّي” ابتداءً من اليوم.
وعلى وقع التقاطعات الداخلية حول ضرورة التأليف، وبزخم خارجي ضاغط جسدته الولايات المتحدة أمس بحضّ الرئيس المكلف على “تشكيل حكومة سريعاً والمضيّ قدماً في الإصلاحات المطلوبة”، تأبّط ميقاتي “مغلفه الجلدي الأسود” وصعد إلى القصر الجمهوري عارضاً على عون “تفاصيل” التركيبة الحكومية التي ينوي تشكيلها، فكان “نقاش في العناوين العريضة وتبادل للأفكار والطروحات على مدى نصف ساعة، وسط أجواء تؤكد السعي إلى تثبيت المشتركات وتدوير زاويا التباينات”، وفق تعبير مصادر اللقاء، واتفقا في نهاية المطاف على استكمال البحث اليوم “تمهيداً للدخول في تفاصيل الخريطة الحكومية على أساس قرارهما المشترك بالتعجيل في التأليف”، وهو ما أكده ميقاتي بالإشارة من قصر بعبدا إلى ”تطابق الآراء بنسبة كبيرة” مع عون.
غير أنّ أوساطاً مواكبة للملف الحكومي حاذرت الإفراط بالتفاؤل قبل اتضاح الصورة أكثر خلال الأيام المقبلة، لافتةً إلى أنّ “عدم بروز العقد والشروط أمام ميقاتي بعد لا يعني أنها غير موجودة”، لا سيما وأنّ التشكيلة التي يعتزم طرحها على عون “لا تخرج عن سقف مبادرة عين التينة ولا تتجاوز الخطوط العريضة التي رسمها التفويض الممنوح من بيت الوسط”، وانطلاقاً من ذلك قدّم ميقاتي لعون أمس “تصوراً لتشكيلة من 24 وزيراً كما نصت مبادرة الرئيس نبيه بري، ملتزماً في الوقت نفسه إبقاء حقيبة الداخلية من حصة الطائفة السنية كما قضى إجتماع الحريري مع رؤساء الحكومات السابقين عشية استشارات التكليف”.
وعليه، رأت الأوساط أنه بمعزل عن “الأجواء الوردية” التي سرت خلال الساعات الأخيرة فإنّ “طريق ميقاتي إلى بعبدا لن تكون معبّدة بالورود خصوصاً وأنّ عقبتين أساسيتين لا تزالان تعترضان التأليف، ولا يمكن تجاوزهما في حال استمر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في مطالبته بحقيبة الداخلية والثلث المعطل”، وأوضحت أنّ “باسيل يبدو من جهة مستميتاً في حاجته لضمّ “الداخلية” إلى حصته الوزارية لأنها ستدير العملية الانتخابية النيابية المقبلة في ظل تراجع شعبية “التيار الوطني”، ومن جهة أخرى يرى في “الثلث المعطل” ضمانته الوحيدة في الحكومة التي ستدير فترة الشغور الرئاسي بعد انتهاء ولاية عون”.
وفي المقابل، أكدت الأوساط نفسها أنه “في حال صفت النوايا وصدقت عزيمة “حزب الله” في دفع عجلات التأليف قدماً، يمكن تجاوز هذه العقبات وتسريع الولادة الحكومية، سيّما وأنّ ميقاتي يبدي استعداداً للانفتاح على مخارج منطقية لا تظهر أحداً منكسراً، كالاتفاق على تسمية شخصية سنية تحظى بقبول رئيس الجمهورية ويطمئن لها رئيس “التيار الوطني الحر” في إدارة الاستحقاق الانتخابي، على أن تكون ضمانة “حزب الله” كفيلة بتأمين نصاب الثلث المعطّل الوزاري لباسيل إذا اقتضت المصلحة إسقاط الحكومة في مرحلة لاحقة”.
ومن هذا المنطلق، يتجه الرئيس المكلف إلى “بلورة تصور مكتمل خلال الساعات المقبلة وتقديمه لرئيس الجمهورية، بغية البدء في مرحلة التوزيع الطائفي والحزبي واسقاط الأسماء على التشكيلة المرتقبة”، حسبما نقلت الأوساط، كاشفةً أنّ ميقاتي “أعد خريطة وزارية من أصحاب الاختصاص التكنوقراط غير الحزبيين، بعدما أسقط فكرة تشكيل حكومة تكنو – سياسية من حساباته في محاولة لاستمالة المجتمع الدولي، وهو كما يقول بعض العارفين كان قد عمل على تجميع وغربلة سلة أسماء ضمن تشكيلة تكنوقراطية منذ ما قبل اعتذار الحريري وتكليفه مهمة التأليف، مفسحاً في المجال أمام إدخال بعض التعديلات عليها وتنقيح بعض الأسماء فيها خلال مجريات النقاش مع رئيس الجمهورية وسائر القوى السياسية”.
نداء الوطن