نذير رضا – الشرق الأوسط
فتحت الدولة اللبنانية منافذ لتخفيف وطأة أزمة انقطاع المواد الحيوية من الأسواق عن قطاعات محددة، أبرزها إتاحة المجال للصناعيين لاستيراد المحروقات بمعزل عن آليات الاستيراد التقليدية، كما «الاستيراد الطارئ والمتوازي ضمن معايير الجودة والأنظمة المرعية الإجراء» للدواء، بفعل شح الأسواق من المادتين الحيويتين.
ولطالما كان استيراد النفط مقتصراً على شركات محددة، وتتزود المنشآت الصناعية به من الداخل اللبناني، كذلك كانت الشركات التي تستورد الأدوية محصورة في عدد معين يستوفي شروط الاستيراد. ومن شأن الإتاحة الحالية للاستيراد الخاص خارج الآليات التقليدية أن يفتح الباب أمام شركات إضافية بغرض ملء حاجات السوق الذي فقدت فيه عدة أصناف كان مصرف لبنان المركزي يوفر العملة الصعبة لاستيرادها.
وأعلن وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال عماد حب الله مطلع الأسبوع الماضي، بعد اجتماع في القصر الجمهوري، السماح للصناعيين بالاستيراد المباشر لمادة المازوت وغيرها من المشتقات النفطية من دون إجازة مسبقة.
وقالت مصادر وزارية مطلعة على الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» إن الاستيراد سيتم بالدولار النقدي، حيث يوفر الصناعيون هذا الدولار ويتعاقدون مع شركات معينة تستورد لحسابهم، مشددة على أنه لا علاقة لمصرف لبنان بهذه الآلية. وقالت المصادر إنه «استناداً إلى القانون، ستعدّ جمعية الصناعيين استمارات ترسلها إلى المصانع الراغبة في الاستيراد على أن تحدد الكمية والمصانع التي تريد استيراده، وتوضع الضوابط حتى لا تُستغل للاتجار». وقالت إن الأمر «يتم عبر الشركات التي تتعاطى بالموضوع إما عبر جمعية الصناعيين وإما أفراداً».
ويعاني لبنان من أزمة عميقة متصلة بفقدان مادة المازوت من الأسواق، نتيجة الطلب الهائل من مولدات الكهرباء التي توفر التغذية الكهربائية، ونتيجة الشح في العملة الصعبة التي يوفرها مصرف لبنان لاستيراد هذه الكميات التي تُباع في الأسواق.
وقالت مصادر وزارة الطاقة إن هذه الموافقة تستند إلى قانون يسمح لهم بالاستيراد، قائلة إن مهمة المديرية العامة للنفط تقتصر على التسهيل، بينما الآلية تتم عبر شركات خاصة أو أفراداً. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن جميع الخيارات متاحة أمام الصناعيين للاستيراد كأفراد أو عبر شركات، ويمكنهم أن يحصلوا على عروض من مديرية النفط أو شركات استيراد نفط أخرى التي تستورد لهم الكمية المطلوبة بعد فتح اعتماد بالدولار، وتحصل على عمولتها كأي عمل تجاري آخر. وشددت على أن الأمر سيتم بمعزل عن المازوت المدعوم لأن الصناعيين يدفعون ثمنه ويستوردونه لصالحهم بالدولار.
وينظر بعض الصناعيين إلى هذه الإتاحة على أنها رفع لمسؤولية الدولة عن دعم الصناعيين، وإجبارهم على دفع جزء من أرباحهم، خصوصاً الناتجة عن تصدير المصنوعات المحلية إلى الخارج، ثمناً للمازوت الذي يُستخدم لتشغيل المعامل ومولدات الكهرباء العائدة لها. وعلى الرغم من أن هذا الحل يتيح تشغيل المصانع، تتصاعد التحذيرات من ارتفاع أسعار السلع الصناعية المحلية في الأسواق اللبنانية نتيجة ارتفاع التكلفة.
وتعد هذه الآلية جديدة على التداول القائم لاستيراد النفط، لكنه يلبّي احتياجات المصانع المتزايدة. ويُنظَر إلى هذه الإتاحة على أنها كسر للاحتكار وفتح السوق التي كانت تقليدياً تقتصر على عدة شركات فقط. ويرفض الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة القول إن ما يجري قد يفتح باب الفوضى في الاستيراد، بالنظر إلى أن الأمر «محكوم بالقوانين»، لكنه يشدد على أنه يفتح باب التنافسية في السوق، خصوصاً في قطاع الدواء، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن قوة الاستيراد في لبنان بشكل عام تقتصر على 80 شركة تستورد مختلف السلع الأساسية التي يتم استهلاكها في لبنان، وبهذا القرار «ستتقوض سلطة الشركات التي تؤثر في سوق العرض بالنظر إلى أن بدائل ستتوفر.
ولا يخفي عجاقة أن النقص في البضائع ناتج عن احتكار أو تهريب أو تخزين، وذلك استناداً إلى أرقام مصرف لبنان التي تُظهر أنه في قطاع الدواء، وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، تم استيراد ما يفوق قيمة استيراد الدواء خلال العام الماضي بأكمله، مشيراً إلى أن «الاحتكار والتهريب دليل على انهيار الدولة لأنها تخالف القوانين المرعية الإجراء».
ويشير عجاقة إلى أن الأدوية تأتي ضمن استراتيجية أوسع للانفتاح على أسواق أخرى، لجهة توفير بدائل الأدوية في الأسواق اللبنانية بأسعار أقل، في حال سار الأمر ضمن الآليات القانونية المتصلة برقابة وزارة الصحة وإجازاتها للاستيراد ضمن القوانين والشروط الصحية المعمول بها.