الأحد, نوفمبر 24
Banner

ميقاتي ليس الحريري ولكن عون هو عون!

سابين عويس – النهار

4 آب 2020 – 4 آب 2021، عام انقضى حافلاً بالآلام والمآسي التي تفاوتت أحجامها بين ذوي شهداء تستعصي دمعتهم عن ان تجف في ظل حقيقة ضائعة، او الاصحّ مغيّبة عن حقيقة الانفجار المزلزل لمرفأ بيروت، وعدالة مطمورة تحت حصانات تغطي سلطة فاسدة وغير مسؤولة، وبين ضحايا أحياء يحملون بصمات النيترات على اجسادهم وفي النفوس، وبين اصحاب بيوت ومؤسسات لا تزال آليات تعويضهم اسيرة التجاذبات.

لكن مآسي الرابع من آب على مدى الأشهر الإثني عشر المنصرمة لم ولن تتوقف هنا. فالعام الكارثي الذي زلزل الدولة ومؤسساتها واقتصادها وماليتها العامة وسمعتها، اسقط حكومة، ومشروع اثنتين وربما ثالثة على الطريق تحت كيل العقد والتعطيل.

سقط حسان دياب تحت ضربة زلزال المرفأ في العاشر من آب الماضي. وسقط بعده مصطفى أديب، وبعده سعد الحريري لتنتقل كرة النار الى يد نجيب ميقاتي الذي بدأ يتلمس بالعين المجردة الجدران الاسمنتية التي تقف بينه وبين تأليف حكومته.

تسعة اشهر أمضاها سعد الحريري في كباش مع العهد المزدوج الأطراف. خرج بعدما تيقن ان كلفة الوقت لم تعد تثقل البلد المنهار والشعب المنكوب فحسب، وانما بدأت تلقي بأطنانها عليه وعلى مسيرته السياسية على أبواب سنة انتخابية.

مرر الحِمل الى الزميل في نادي الرؤساء الذي يحسن تدوير الزوايا ويمكن التعاون معه، كما اعلن سيد العهد عشية التكليف. فكانت الأجواء الإيجابية التي ساهم ميقاتي نفسه في ضخّها توحي بأن ثمة تسوية محلية – دولية قررت وضع حد لانهيار البلد والموت البطيء لشعبه. عزز هذا المناخ الكلام الواثق للرئيس المكلف عن ضمانات دولية حصل عليها دفعته الى قبول التكليف. ورغم الوتيرة المتسارعة للاجتماعات بين الرئيسين فهي لم تنجح في الإبقاء على المناخ الإيجابي بعدما بدأت تتكشف العقد والعراقيل، وهي للمفارقة ذاتها التي واجهها الحريري في اشهر الحَمْل التسعة قبل إجهاضه التكليف.

اغلب الظن ان عون بكلامه عن التعاون وتدوير الزوايا كان سيعطي ميقاتي ما لم يعطه للحريري، وان ميقاتي ليس ولن يكون الحريري، على اعتبار ان المشكلة بين عون والاصح صهره باسيل والحريري شخصية، وبلغت مستوى كسر العظم، وانه بإخراج الحريري، كسر العهد عظم الحريري وأخرجه من السرايا قبل ان تطئه قدماه.

فما الذي حصل منذ التكليف وعشية الذكرى الاولى لجريمة العصر حتى تبددت التسوية وطارت الضمانات الدولية وبات ميقاتي تماماً كما سلفه اسير شروط بعبدا؟

صحيح ان الرئيس المكلف جاء على حصان الحريري مرتدياً عباءة طائفته ومباركتها، وصحيح انه نجيب ميقاتي، كما يحب ان يردد دائماً، وليس الحريري ولا يشبهه لا في الاداء ولا في الممارسة، وهو قالها امس بعد لقائه رئيس الجمهورية، “أنا نجيب ميقاتي، وهناك مسائل أتوافق بشأنها مع الرئيس عون، واُخرى قد نختلف عليها، ولكن ما يجمعنا هو الوطنية وحب البلد”. ولكن خطيئته انه جاء تحت سقف الحريري والشروط التي وضعها.

الثابت حتى اليوم وبعد اجتماع بعبدا الاخير، ان التأليف ليس اسير الشروط والشروط المضادة، وانما اسير عالمين مختلفين، بحيث يمثل رئيس الجمهورية والرئيس المكلف خطين متوازيين يستحيل ان يلتقيا مهما تم تدوير زوايا، من دون ان يقدم احدهما تنازلاً.

والثابت الآخر ان حظوظ التأليف تراجعت. فكلما تقدمت المفاوضات ظهرت العقد التي تشي بأن ثمة فريقاً ليس مستعداً لخطو أي خطوة الى الوراء. فالمرحلة مرحلة تحضير لانتخابات نيابية واستفتاء لشعبية تتدهور مع كل تدهور في قيمة الليرة وفي استقلالية القضاء وفي تحصين السلم الأهلي، وفي حماية الحدود والمدخرات… كما ان التراجع ليس مدرجاً على اجندة هذا الفريق الذي يطبقها بحذافيرها، رغم ادراكه التام ان نهاية الطريق فيها ستؤدي الى ارساء نظام سياسي واقتصادي جديد في البلد، لن يكون له فيه الموقع الاقوى.

والثابت الاخير ان الضمانات الدولية التي تحدث عنها ميقاتي قد أسيء فهمها. فهي ليست ضمانات للتأليف، وانما لتوفير الدعم المالي الدولي بعد التأليف.

في الخلاصة، وبعد الاجتماع الرابع في قصر بعبدا، لا حكومة قبل 4 آب حكماً ولا حتى بعده، والاصح لا حكومة في المطلق، لا يريدها فريق العهد، ومهلة التأليف ليست مفتوحة، كما قال ميقاتي، ما يعني ان الاعتذار وارد في اي لحظة، وان الرئيس المكلف لن يخضع للابتزاز، ولن يستعيد تجربة الحريري.

وعليه، دخلت البلاد في المحظور.

صحيح ان ميقاتي ليس الحريري ولن يكونه، ولكن المفارقة ان عون هو عون، كما في العام 1988، كذلك في العام 2021.

Leave A Reply