تتركّز الأنظار اليوم على وقائع إحياء الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت ومجرياتها ومحطاتها، حيث انّ ذكرى هذا الحدث الكارثي ستطغى على كل شيء تقريباً في ظل هواء مفتوح ومواقف على مدار الساعة وتحركات شعبية وأنشطة من وحي المناسبة. وبالتالي، ستطغى حتى على وقائع المؤتمر الدولي الثالث الذي تنظمه باريس دعماً للشعب اللبناني على رغم أهميته وحاجة اللبنانيين إليه، إلا انّ الصورة ستكون للأرض والناس الغاضبة من كل شيء وسط فشل متواصل في تأليف الحكومة. ومع ذلك توجّه رئيس الجمهورية ميشال عون الى اللبنانيين في هذه المناسبة قائلاً: “أعرف أنّ انتظاركم طال لحكومةٍ جديدة. واليوم لدينا الفرصة لذلك، مع تكليف رئيس جديد لتشكيلها”.
خالفَ الاجتماع الرابع بين عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي الانطباعات الإيجابية التي صدرت عن الاجتماعات التي سبقت، وجاءت مصارحة الرئيس المكلف للبنانيين بأنّ “مهمته غير مفتوحة” لِتُدلّل الى حجم الصعوبات التي تعترض التأليف، وتبعث برسالة واضحة إلى رئيس الجمهورية مفادها انّ الاعتذار لن يتأخّر في حال عدم التأليف سريعاً، فيما أي اعتذار من هذا القبيل يعني الآتي:
ـ أولاً، انّ المعطِّل لتأليف الحكومة هو العهد، لأنه عندما لا يتفق مع اي رئيس مكلف، فهذا يعني انّ المشكلة منه ومعه وليست من الرئيس المكلف ومعه.
ـ ثانياً، انّ رئيس الجمهورية يريد رئيساً للحكومة من ضمن فريقه السياسي وليس رئيساً شريكاً على المستوى الوطني.
ـ ثالثاً، انّ العهد يريد حكومة وفق مواصفاته ومعاييره لا حكومة بمعايير المرحلة ومتطلباتها الوطنية.
ـ رابعاً، انّ العهد لا يبحث عن تسوية حكومية، إنما عن حكومة للعهد في الربع الأخير من ولايته الرئاسية.
ـ خامساً، انّ العهد، ومن دون ان يدري، قدّم هدية للرئيس سعد الحريري في أنه كان على حق لجهة انّ العرقلة يتحمّل المسؤولية عنها العهد وحده.
ـ سادساً، انّ العُقَد التي تحول دون التأليف لا علاقة لها بالمداورة ووزارتي الداخلية والعدل، إنما تتعلّق بما هو أكبر من ذلك، والتي تبدأ من “الثلث المعطل” ولا تنتهي بمحاولة انتزاع ضمانات سياسية حول الخلف الرئاسي.
ولا شك في انّ اعتذار ميقاتي في حال حصل سريعاً لا يشبه اعتذار الحريري، كونه سيُلقي تَبِعات العرقلة بنحوٍ واضح على العهد، ويمكن ان تترتّب عليه الانعكاسات الآتية:
ـ أولاً، من الصعوبة على اي شخصية سنية ان تقبل بالتكليف في حال اعتذار ميقاتي، ما يعني انّ الحكومة المستقيلة غير القادرة على لجم التدهور ستبقى إلى نهاية العهد.
ـ ثانياً، يرجّح ان يرتفع منسوب الاحتقان الشعبي بعد ان يتثبَّت من استحالة التأليف، كما انّ هذا الاحتقان سيصبّ جام غضبه على العهد الذي حال ويحول دون تأليف حكومة.
ـ ثالثاً، سيضع العهد نفسه في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي عموماً والاتحاد الأوروبي خصوصاً، وستكون العقوبات من نصيبه، وسيزيد في عزلة لبنان.
ـ رابعاً، إنّ وتيرة الانهيار ستتسارَع والدولار سيتجاوز كل السقوف، ويصبح متعذراً ضبط الأوضاع.
فحيال هذه الانعكاسات بالذات، لن يكون سهلاً أمام العهد دفع ميقاتي إلى الاعتذار، بل سيحاول الوصول معه إلى تسوية، ويرجّح في هذا السياق ان يختلف شكل الاجتماع الخامس بينهما ومضمونه عن الاجتماع الرابع.
حكومة أسيرة السقوف
غي غضون ذلك، قال مصدر رفيع مطّلع على ملف التشكيل لـ”الجمهورية” انه “لا يبدو انّ هناك نية لتأليف الحكومة لأنها عادت مجدداً الى مربّع الشروط والشروط المضادة والسقوف العالية”. وكشف انّ الرئيس المكلف لن يتراجع عن قراره في ما خَص الحقائب السيادية. إمّا المداورة الكلية وإمّا لا مداورة، وهو يعلم تماماً أنّ الطائفة الشيعية والثنائي الشيعي لن يتنازلا عن وزارة المال فيضمن بذلك عدم تنازل الطائفة السنية عن وزارة الداخلية. واكد المصدر انّ الرئيس عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يصرّان الآن اكثر من اي وقت مضى على وزارة الداخلية، ليس من اجل الانتخابات النيابية فحسب، فبالاضافة الى أهميتها في هذا الاستحقاق، فإنّ هناك دوراً كبيراً لها في البلديات وصلاحيات رؤساء البلديات وقرارات شورى الدولة، وغيرها من الملفات المتعددة المهمة التي يعتبر عون انّ مرجعيتها هي وزارة الداخلية.
وقال المصدر انه اذا لم يحصل تدخّل دولي كبير لحل هذه النقطة الخلافية الجوهرية التي تقف عائقاً كبيراً امام تقدّم مفاوضات التشكيل في الايام المقبلة، فإنّ ميقاتي ذاهب الى الاعتذار قريباً جداً إلا اذا حصل تطور في موقف رئيس الجمهورية بهذا الخصوص. والى حين اتخاذ قرار الاعتذار اذا ما وصلت الامور الى حائط مسدود سينصَبّ الاهتمام على تَلقّف “السقطة” الجديدة، فالجميع يعلم انّ اعتذار ميقاتي، اذا حصل، سيعني الانتقال من الاسوأ الى “الأسوأ -“، وأيّ رئيس مكلّف جديد لن يشكل حكومة الّا تحت هذا السقف الذي وضعه رؤساء الحكومات السابقين.
بعبدا والمداورة
الى ذلك، وعشيّة اللقاء الخامس بين عون وميقاتي، جددت مصادر قريبة من رئيس الجمهورية التأكيد، عبر “الجمهورية”، “انّ وثيقة الوفاق الوطني التي انبثقت عن اتفاق الطائف لم تَلحَظ حصريةً في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف”، بدليل انه “منذ البدء بتطبيق “اتفاق الطائف” توزّعت كل الطوائف على الوزارات كافة، ولا سيما منها الوزارات السيادية التي لم تكن حكراً على طائفة محددة”. وانّ “ما حصل خلال السنوات الاخيرة من تخصيص حقيبة وزارية او اكثر لطائفة محددة او طائفتين، أحدَثَ حالاتٍ تتناقَض ومبدأ التوازن الوطني الذي اختلّ وتسبّب بخلافات سياسية أعاقَت في حالات كثيرة عمليات تشكيل الحكومات وفي أحسن الحالات تأخيرها، ومن غير الجائز ان يستمر هذا الخلل”.
وأوضحت المصادر المتابِعة لمسار تشكيل الحكومة الجديدة “انّ طرح مسألة اعتماد المداورة الشاملة في توزيع الحقائب الوزارية لا يستجيب للمبادرة الفرنسية التي وافقَ عليها جميع الاطراف فحسب، بل كذلك يَهدف الى عدم تكريس أعراف جديدة مخالِفة للدستور لجهة تخصيص حقائب وزارية لطوائف محددة وحَجبها عن طوائف اخرى، ما يُحدِث تمييزاً بين الطوائف اللبنانية من جهة ويُخالف مبدأ المساواة بين اللبنانيين ويجعل طوائف معينة تحتكر وزارات محددة وتمنعها عن طوائف اخرى، ما يؤثّر سلباً في الميثاقية ويضرب الشراكة الوطنية في الصميم”.
ودعت المصادر للعودة الى مبدأ المداورة في توزيع الحقائب الوزارية كافة “إحقاقاً للعدالة والمساواة بين اللبنانيين وحفاظاً على الشراكة الوطنية التي هي عماد الوحدة والعيش المشترك، ما يسهّل عملية تشكيل الحكومة العتيدة لمواجهة الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن”.
برنامج مؤتمر 4 آب
وعلى صعيد مؤتمر دعم لبنان، وفي المعلومات الرسمية التي حصلت عليها “الجمهورية”، فإنه سيُفتَتح عند الثانية عشرة ظهر اليوم (الأولى بعد الظهر بتوقيت باريس)، وستكون كلمة الافتتاح للرئيس الفرنسي ماكرون على ان تليها كلمات لكلّ من: الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتييريس، الرئيس العماد ميشال عون، الرئيس الاميركي جو بايدن. ثم كلمات لممثلي الدول: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ملك الأردن عبدالله الثاني، رئيس وزراء اليونان، رئيس الوزراء العراقي، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، رئيس وزراء كندا، رئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال، فرئيس وزراء الكويت.
وسيشارك في المؤتمر وزراء خارجية: ألمانيا، النمسا، هولندا، قبرص، بريطانيا، ايطاليا، بلجيكا، فنلندا، كرواتيا، اسبانيا، قطر، سويسرا.
وكذلك سيشارك أيضاً: المملكة العربية السعودية، دولة الامارات العربية المتحدة، الصين، جامعة الدول العربية. على ان تُعلِن دول أخرى عن مشاركتها في الساعات المقبلة الفاصلة عن موعد افتتاحه.
وفي المعلومات، بحسب ما تبلّغ الجانب اللبناني، انّ بياناً سيصدر في نهاية المؤتمر باسم فرنسا والأمم المتحدة، وسيتمّ نقل كلمتَي ماكرون وعون مباشرة عبر شاشة “تلفزيون لبنان” الرسمي.
مواقف
وعشية إحياء الذكرى الاولى لانفجار المرفأ، صدرت مواقف للمناسبة، فقال عون في كلمةٍ الى اللبنانيين: “من عمق وجداني أقول لعاصمتنا الحبيبة بيروت ستظهر الحقيقة وسينال كل مُذنب جزاءَه، وستَنهَضين من جديد”. أضاف: “المحاسبة قد بدأت، والمحاكمات ستقتَصّ من المشاركين في التسبّب بالانفجار”. وتابع: “نعم للقضاء القوي الذي لا يتراجع أمام صاحب سلطة مهما علا شأنه، ولا يَهاب الحصانات والحمايات من أجل تحقيق العدل، ومحاسبة المتسبّبين بهذا الانفجار”. وأكّد أن “التحدّي الذي يواجهه المحقق العدلي، ومعه القضاء لاحقاً، هو كَشف الحقيقة وإجراء المحاكمة وإصدار الحُكم العادل في فترة زمنية مقبولة لأنّ العدالة المتأخرة ليست بعدالة”.
واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، في بيان، أنّ “العدالة ليست عريضة او عَراضة، العدالة استحقاق يومي تتكرّس باستقلالية القضاء وتطبيق الدستور والقانون والسُموّ بقضية الشهداء ودمائهم فوق أي اعتبار سياسي او انتخابي أو طائفي بَغيض”. وأكد أنه “من موقعه السياسي والتشريعي لن يرضى بأقلّ من العدالة والاقتصاص من المتورطين في أيّ موقع كانوا ولأي جهة انتموا”، ورأى أنّ “المدخل الى ذلك هو معرفة الجهة التي أدخلَت نيترات الموت الى العاصمة بيروت، والاسباب الكامنة وراء الانفجار”. وقال: “مراراً وتكراراً وحتى انقطاع النفس، لا حصانة ولا حماية ولا غطاء الّا للشهداء والقانون والدستور”.
وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب انه “في 4 آب، انفجَر أحد عنابر الفساد المتراكم، وكانت نتائجه مدمّرة على كل المستويات”. وأضاف: “لن تكون عدالة حقيقية في لبنان إن لم تتحقق العدالة الحقيقية في انفجار مرفأ بيروت”.
وأشار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى أنّ “البركان الذي عصفَ ببيروت ليس منصة للاستثمار السياسي في أحزان المواطنين”، لافتاً إلى أنّ “4 آب يوم لتحرير العدالة من المبارزات وليس لإطلاق الحملات الانتخابية”.
من جهته، أكد الرئيس تمام سلام أنّ “جميع اللبنانيين الاحرار الرافضين لهذا الواقع ولممارسات أهل السياسة التي أوصلت البلاد الى ما وصلت اليه، مدعوون للاستمرار في سياسة الضغط لمعرفة المخطّط والمنفّذ والشريك والمتدخّل في جريمة المرفأ، وعدم حَرف التحقيق القضائي في اتجاهات ثانوية”. ودعا الى المضيّ في الانتفاضة “لتحقيق التغيير بوجوه جديدة وطاقات واعدة وأيدٍ نظيفة، لكي يعود النصاب الى نظامنا الديموقراطي وآليّاته وتستقيم الحياة السياسية ويَتفعّل عمل المؤسسات في إطار احترام القوانين والدستور”.
وشدّد “حزب الله”، في ذكرى انفجار المرفأ، على “ضرورة تكاتف اللبنانيين وتماسكهم لتجاوز المحنة الأليمة، والعمل الجاد للوصول إلى الحقيقة الكاملة غير المنقوصة بكل شفافية وصدق، بعيداً عن الاستغلال السياسي الرخيص وتصفية الحسابات والنزاعات الداخلية الضيقة التي تُخفي في طيّاتها كثيراً من الأهداف الخبيثة، وأهمها تغييب الحقيقة وتضييع المسؤوليات. وبالتالي، منع المحاسبة ومحاكمة المقصّرين والمرتكبين لهذه الجريمة البشعة”. وطلبَ من الجهات القضائية المعنية “أن تكشف الحقائق بكل شفافية أمام الرأي العام اللبناني وأمام العالم، وأن نضع بالتالي حداً نهائياً وقاطعاً أمام التلاعب الداخلي والاستغلال الخارجي وتوجيه الاتهامات وتشويه الحقائق على حساب الحقيقة والعدالة وآلام اللبنانيين ومصيرهم”.
“لبنان القوي”
وشدّد تكتل “لبنان القوي”، خلال اجتماعه الدوري إلكترونياً، على أنّ “رفع الحصانات فوراً للوصول الى الحقيقة هو المدخل الأساسي لمحاسبة المذنبين في الإنفجار، إهمالاً أو تغطية أو ارتكاباً”.
وأمِل “لو أنّ رئاسة مجلس النواب تجاوبَت مع الكتاب الذي وجّهه التكتل والدعوة التي وجّهها رئيسه لعقد اجتماع عاجل في 4 آب للتصويت على رفع الحصانات”. وشدّد على “ضرورة الإسراع في تأليف حكومة برئاسة دولة الرئيس نجيب ميقاتي بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، على أن تكون قادرة على الاصلاح والنهوض وعلى إطلاق مسار التعافي الاقتصادي والمالي”، آملاً “استمرار الأجواء الإيجابية المحيطة بهذا الملف لتذليل أي عقبات أو عُقَد، بروح من التعاون الإيجابي”.
الجمهورية